مسلمات الوجود، وشذوذ الأمم المتمدنة.. *خاص Bawwababaalbeck.
كتب الباحث السوري خالد المقداد.
“المرأة هي الأم.. الرجل هو الأب.. اتركوا أولادنا في شأنهم..”
بهذه الكلمات تحدث رئيس وزراء هنغاريا أمام البرلمان الهنغاري بمناسبة إقرار التعديلات الدستورية التي تهدف إلى مواجهة دعوات مجتمع ميم.
من المسلم به أن مجتمعاً من دون قواعد تنظم علاقات الأفراد فيما بينهم هو مجتمع ينتمي إلى شريعة الغاب، وهذه القواعد تتعدد إلى القواعد القانونية، والدينية، والأخلاقية، وقواعد المجاملات.
فالقاعدة القانونية؛ هي الأحكام التي تسنها السلطة التشريعية في الدولة، وتتصف بأنها عامة تخاطب جميع الخاضعين لها، ومجردة بحيث أنها لا تطبق استناداً لاعتبارات شخصية، وإنما تطبق متى تحققت جوانبها الموضوعية. وهذه القواعد تتمتع بصفة الإلزام القانوني، بمعنى أن من يخالف مضمونها يضع نفسه تحت طائلة العقوبة المنصوص عليها في هذه القوانين.
أما القواعد الأخلاقية؛ فهي القواعد التي تستند إلى الضمير الجمعي للجماعة، كالصدق، وإغاثة الملهوف، وتقديم العون للمحتاجين، وهذه القواعد وإن كانت مخالفتها لا تعرض مرتكب المخالفة _ في الأعم الأغلب من الحالات التي لم ينص القانون على معاقبة مخالفها كالإطفائي الذي يمتنع عن إطفاء الحريق ومساعدة المحاصرين بالنار، وشاهد الزور _ لعقوبة قانونية، فإنها تعرضه لازدراء الجماعة البشرية التي ينتمي لها.
وبالنسبة للقواعد الدينية؛ فإن مصدرها هو الشرع، سواءاً أكان أرضياً أم سماوياً، وهي تعد مصدراً رئيساً للقواعد القانونية، ولكن هذه الأخيرة تعد أصغر نطاقا من القاعدة الدينية التي تحكم علاقة الإنسان مع نفسه، ومع ربه، ومع الآخرين، ومخالفتها تستدعي عقوبة في يوم الحساب وفق المعتقدات الدينية، على خلاف القاعدة القانونية التي تستدعي عقوبة فورية.
وفيما يتعلق بقواعد المجاملات؛ فهي في معظمها المجاملات اليومية من إلقاء التحية، والترحيب بالضيوف، واحترام الكبير، والعطف على الصغير، وغيرها.
ويجب ألا يفهم هنا، أن هذه القواعد متعارضة فيما بينها، وإنما هي قواعد تكاملية تتوزع فيما بينها مهمة تنظيم علاقات المجتمع.
والسؤال المهم الذي يمكن أن نطرحه هنا من وجهة نظرنا، ما هو مصدر هذه القواعد؟ وكيف تتبنى السلطة التشريعية في دولة ما قاعدة تنظم مجالاً معيناً؟
إن أهم ما يتبادر إلى ذهننا في هذا الصدد، هو قواعد القانون الطبيعي ومبادئ العدالة، فالقتل جريمة؛ وتتعدد درجاته باختلاف نية القاتل، والسرقة جريمة؛ وتختلف عقوبتها باختلاف درجة الخطورة التي يبديها السارق، وإساءة الأمانة جريمة؛ لأنها تؤدي إلى ضياع الحقوق والقضاء على الثقة بين أفراد المجتمع.
ولكن هل الأمر دائماً بهذه البساطة وهذا الوضوح؟ فعلى سبيل المثل؛ الفائدة على القروض بين الأفراد، هي محرمة في بعض الشرائع، ومباحة في شرائع أخرى، فما موقف المشرع القانوني في هذه الحالة؟ يتبنى المشرع عادة في هذه القضايا حكماً عاماً يستند إلى حكمة المنع الشرعي، ففي مثلنا، يبيح القانون الفائدة الاتفاقية بنسبة محددة، ويعتبر ما يتجاوز هذه النسبة باطلاً، استناداً إلى الربا الفاحش، وهو في هذا الصدد يترك لأفراد المجتمع حرية اختيار القاعدة التي يلتزمون بها. وهذا يعني أن المشرع قد قيد حرية المتعاقدين بهذه النسبة لضمان استقرار المعاملات، ومنع استغلال المقرض لحاجة المقترض، ومنع خلق طبقة مستغِلة وأخرى مستغَلة. وهو ما يعني حق المشرع في تنظيم المجتمع وحمايته.
وبناءاً على مثلنا السابق، نستطيع القول بأنه ليس دائماً هناك تطابق بين المبدأ الذي تتضمنه القواعد الأربع الناظمة للمجتمع، فكما أن هناك أفعال تعد جرائم وفق هذه القواعد مجتمعة، إلا أنه توجد بعض الأفعال التي تباح في بعضها وتجرم في بعضها.
والجدير بالذكر هنا، إن المجتمع قد يرى في جريمة قانونية تصرفاً عادياً ويعتاد على القيام به. كنشر الغسيل على الشرفات المطلة على الطرق السياحية، وقد يعد فعلاً مباحاً في القانون كالفائدة مثلاً أمراً منهياً عنه ويشكل جريمة.
بناءاً على ما سبق، وإذا ما أردنا أن نضع قضية “مجتمع ميم” في مقياس القواعد السابقة، فهل هي تشكل حقاً طبيعياً لهم في الوجود؟ أم إنها حرية شخصية في اختيار ميولهم الجنسية؟ أم إنها نوع من حرية التعبير؟ أم إنها مخالفة لقواعد الوجود البشري؟
للإجابة على هذا التساؤل نستذكر قضية حرية تعاطي المخدرات، وتحديداً الحشيش، فالبعض حاول إباحة تعاطي هذه المادة استناداً إلى الحرية الشخصية، وأن متعاطيها لا يؤذي من حوله بعد وقوعه تحت تأثيرها.
ولكن قواعد القانون الطبيعي جرمت هذا الفعل، وكذلك استندت عليه القواعد القانونية، لأنه ببساطة هناك مسلمات في هذه الحياة، فالمرأة هي الأم، والرجل هو الأب.
ولذلك، وأمام الحملة المنظمة لمؤيدي الشذوذ الجنسي واستهدافهم الأطفال في جميع المجتمعات، من خلال ما يعدونه من برامج للأطفال من خلال امبراطورية ديزني، وخلق شخصيات كرتونية شاذة جنسياً وشكلياً، تتطلب من حكوماتنا ومجتمعاتنا اتخاذ مواقف دفاعية وهجومية، تتمثل الأولى بتحقيق الاكتفاء الذاتي لإعلام الطفولة، فلا نترك أطفالنا أمام فوضى الإعلام الموجه لهم، وتتمثل الثانية بوضع قواعد قانونية صارمة تجرم الشذوذ الجنسي وأفكاره ومناصرته والدعوة إليه.