كيف تقارب واشنطن ’’حماس‘‘ و’’اليمين الديني اليهودي‘‘ وحل الدولتين
ثمة مقاربة خاطئة في الغرب الأميركي والأوروبي وفي اسرائيل لما يتم ترداده مؤخرا حول ’’اجتثاث حماس‘‘ والدمج بينها وبين ’’داعش‘‘. وإذا رجعنا في الذاكرة قليلا فنجد اعترافا من هيلاري كلينتون أن داعش كانت ’’صناعة أميركية‘‘ ترمي إلى تمزيق العالم العربي وإلى زرع خلافات إسلامية – إسلامية. وهذه ليست حال ’’حماس‘‘ التي تعتبر أن هدفها مواجهة الإحتلال الاسرائيلي لفلسطين. ومن هنا فإن نظرية التطابق بين ’’حماس‘‘ و ’’داعش‘‘ سقطت وهي أساسا في غير مكانها وأنتجت معادلة جديدة هي ’’التماهي بين حماس والشعب الفلسطيني‘‘ وتنامي حضور ’’كتائب القسام‘‘ في الضفة الغربية على حساب ’’السلطة الفلسطينية‘‘ التي بدت بعد عملية ’’طوفان الأقصى‘‘ خارج السياق وخارج الحضور وإن كان هناك ’’حرص أميركي‘‘ عليها بعد الدعوات الأميركية والاسرائيلية إلى اجتثاث ’’حماس‘‘ وهو ’’اجتثاث‘‘ غير ممكن بعد ’’صمود غزة‘‘ وعجز الاحتلال الاسرائيلي عن تحقيق أهدافه الأساسية سواء في تهجير الفلسطينيين إلى سيناء أو ’’تحرير الرهائن‘‘ بالقوة العسكرية وحتى في استبعاد التفاوض. والملاحظ أن ’’حماس‘‘ تبدي تعاطفا مع ’’حركة فتح‘‘ على حساب السلطة الفلسطينية.
والسؤال حاليا ماذا يعني هذا ’’التماهي‘‘ بين ’’حماس والشعب الفلسطيني‘‘. وما هي الحسابات إزاء ذلك؟
’’نظرية التماهي‘‘ كانت نتاجا لعدد من العناصر على رأسها ’’عملية طوفان الأقصى‘‘ التي فرضت إعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة وإلى اعتبارها القضية الأولى عالميا. هذا أولا. وثانيا السياسة الوحشية التي اتبعتها الآلة العسكرية الاسرائيلية في التهجير القسري والهدم وقتل الأطفال والنساء ومخالفة القانون الدولي الإنساني وإتباع سياسة التضليل والتعتيم الاعلامي ومصادرة حرية التعبير وقتل الصحافيين أو اتهامهم بـ’’الإرهاب‘‘. كل ذلك كان له انعكاساته في الرأي العام الغربي الأميركي والأوروبي ما أحرج دول الغرب وخلق شقوقا عميقة تجلت في التظاهرات الشعبية التي طالبت بوقف النار وإدانة الإعتداءات الاسرائيلية. وثالثا اعتراضات أهالي الأسرى الاسرائيليين على سياسات حكومة اليمين الديني اليهودي في موضوع الأسرى وإعطائهم الأولوية للتفاوض على العمل العسكري ولو كان ذلك ينتهي بتحرير كل الأسرى الفلسطينيين من السجون الاسرائيلية. ورابعا المأخذ على السطة الفلسطينية من أنها قبل ’’طوفان الأقصى‘‘ لم تضغط لتحرير أكثر من خمسة آلاف معتقل فلسطيني في السجون الاسرائيلية.. كما أنها لم تشارك في دعم الإنتفاضات الفلسطينية في الضفة والقدس رغم وجود ما يزيد على ستين ألف جندي فلسطيني لدى هذه السلطة على ما تقول مصادر ’’حماس‘‘.
من هنا وارتكازا على هذه العناصر الأربعة وغيرها كان الجواب الفلسطيني الشعبي على مطلب ’’اجتثاث حماس‘‘ المزيد من التعاطف معها ما جعلها سيدة التفاوض وما جعل من قائد كتائب القسام محمد الضيف رمزا فلسطينيا صاحب قرار وهيبة بل صاحب ’’تفويض فلسطيني‘‘ لا يمكن الاستغناء عنه ولا يمكن أن يكون هناك بديلا منه خصوصا وأنه لا يسعى إلى موقع أو منصب شخصي.
إزاء هذه الصورة كيف تتعاطى ’’حماس‘‘ مع ’’تماهي‘‘ الشعب الفلسطينب معها؟
على ما تقول مصادر ’’حماس‘‘ أنها تراقب المتغيرات وخصوصا على صعيد الرأي العام الغربي كما في دور الاعلام وكما في حساباتها العسكرية وكونها في غزة من فوق وغزة من تحت ومن يرى الأمور من تحت ليس كمن يراها من فوق. وهذا يستتبع أخذ الأمور برؤية يمكنها التعامل مع الواقع من دون المساس بالأساسيات. وهكذا يمكن الاستنتاج بأن ’’حماس‘‘ تقارب بايجابية فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس وكذلك فكرة الدولتين التي تطرحها واشنطن والتي تجد مساندة من ’’الاتحاد الأوروبي‘‘ باعتبار أن إقامة الدولة الفلسطينية هو الذي يأتي بالسلام إلى المنطقة.
في قراءة المتغيرات لا تُسقط ’’حماس‘‘ الحسابات الأميركية حول عدم توسيع رقعة الحرب وتجد في ذلك منفذا إلى ’’وقف الحرب‘‘ ومدخلا للنقاش حول مستقبل غزة والسلطة الفلسطينية وحكومة اليمين الديني اليهودي سيما وأن معادلة عدم توسيع رقعة الحرب يحتم غلبة المنطق الأميركي على المنطق الاسرائيلي الذي يرتكز إلى الإبادة والتهجير وتوسيع رقعة الاستيطان الجغرافية. وهو ’’منطق‘‘ اليمين الديني الاسرائيلي الذي يرمي إلى إقامة دولة يهودية دينية خالصة. وهو ’’منطق‘‘ كانت الإدارة الأميركية تعترض عليه قبل عملية ’’طوفان الأقصى‘‘ ويساندها في ذلك العلمانيون الاسرائيليون ومعهم المؤسسون الأوائل من الاشكيناز. وهذا يعني أن أي هدنة طويلة أو وقف للحرب يعني في ما يعنيه بروز الخلافات الاسرائيلية الداخلية بعد أن تأجلت شكليا مع ’’طوفان الأقصى‘‘.
وفي الإستنتاج الطريق إلى الدولة الفلسطينية مملوء بالحفر في المدى الزمني القريب والمتوسط. والأرجح فتح الباب أميركيا أمام التسهيلات الإنسانية للفلسطينيين وضبط الجموح العسكري الاسرائيلي والعمل على تفعيل العلاقة مع دول الإعتدال العربي التي اجتاحها الكثير من الفتور والحذر… واستطرادا الاستمرار بسياسة احتواء النفوذ الايراني مصحوبة بانفراجات مدروسة في مرحلة التحضير للإنتخابات الرئاسية الأميركية.
عبد الهادي محفوظ