الخطيب : نرفض تعاميم مصرف لبنان واللبنانيون أخوة وشركاء مصير وهم مطالبون أن يكونوا كتلة متراصة متعاونة في معركة إنقاذ الوطن
وطنية – أدى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب الصلاة في مقر المجلس وألقى خطبة الجمعة، استهلها بقوله تعالى:”{ ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملآئكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسآئلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون}”.
كثيرا ما تختلط الأمور على الاتباع من أصحاب الديانات ويقعون في خطأ توصيف الإيمان وتحديد مقوماته بالتمسك بظواهر الأمور وشكلياتها وينصرفون عن المعنى الحقيقي له وما يترتب عليه من تبعات وأعمال، وهو ما تشير إليه هذه الآية المباركة حين تنفي أن يكون البر وهو العمل الحسن ينحصر في تحديد الجهة التي ينبغي للمؤمن أن يتوجه إليها في الصلاة، وهي جهة المشرق أو المغرب، وإنما الميزان هو في حقيقة الإيمان وفي التبعية الصادقة له من دون تعصب أو ادعاء فارغ، محددا ذلك بالاعتقاد الصحيح الذي يعتمد الطريق الموصل إليه، ويعمل على الالتزام بما يرتبه عليه ويعكسه من واجبات عملية وإن كان يثقل على النفس القيام بها، وقد حدد سبحانه وتعالى في هذه الاية المباركة هذا الايمان بالإيمان بالله تعالى وكتبه وملائكته وأنبيائه واليوم الآخر، وقرنه بالعمل وبذل المال تقربا إليه تعالى، محددا ومعددا المبذول لهم لتكون محل اهتمام عند المؤمنين لما لهذه العناوين من أهمية عند الله تعالى، وهي بحسب هذه الآية المباركة ستة عناوين من أصحاب الحاجات ابتدأ بذكرها واحدة تلو الأخرى، موحيا بأن هذا الترتيب إنما كان بحسب الأولوية في الأهمية. فأولو القربى ثم اليتامى ثم المساكين وابن السبيل والسائلين وذي الرقاب، فاتبع الايمان بالإنفاق والاعطاء والتخلي عن المال الذي يصعب على النفس التخلي عنه، وبه يمتحن ايمان المؤمنين، فليس الايمان مجرد اداعاءات وطقوس يمارسها المؤمن في حياته ويكتفي بها حتى إذا دعاه إيمانه الى البذل والعطاء بخل وامتنع عن الاستجابة له، بل الايمان في حقيقته فعل عطاء وتخل عن كل ما يأسر الانسان ليحل منه محل المعبود، فيمحق ايمانه ويخرجه عن طريق الحق ويجعله أسير شهواته وعبدا لها، ولهذا كان الإنفاق للمال حاجة للمنفق قبل أن يكون حاجة للآخرين”.
أضاف الخطيب:”وفي المقابل وبمقدار ما امتدح الله تعالى الذين ينفقون المال في سبيله، شنع على الذين يبخلون به ولا ينفقونه في سبيله وهددهم بعذاب أليم وخصوصا أولئك الذين لم يكتفوا بالبخل لأنفسهم وإنما دعوا الآخرين الى السير على خطاهم، الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل، وأن هناك مدرستين: مدرسة العطاء والبذل وهي مدرسة الإيمان، ومدرسة البخل وهي مدرسة الكفر.
وقد حث الإسلام على العطاء والبذل وأعطاه معنى اخلاقيا عاليا ، فقد ورد عن رسول الله :” إن اليد العليا خير من اليد السفلى”، كناية عن ان اليد التي تعطي خير من اليد التي تأخذ، حثا للمؤمنين على السعي وبذل الجهد والاستغناء عما في أيدي الناس وأن تكون يدهم يد الخير للآخرين، فتكون نفوسهم عزيزة وغنية تشعر بسعادة العطاء والبذل، وألا تكون يدهم تنتظر العطاء من الآخرين فتكون يد المذلة والمسكنة، تفقد معها معنى العزة والكرامة ولا تشارك الناس في صناعة الحياة، وعلينا أن نتذكر دائما الى جانب تشجيع المقتدرين على الإحساس بمن حولهم من المحتاجين على رفع حاجاتهم والمساهمة في قضائها سواء في الاطعام او الاستشفاء أو أي ساحة أخرى من الساحات، الى جانب ذلك نتذكر دائما وصف الإمام المجتبى الحسن بن علي لشيعته ومحبي آل بيت رسول :” إن شيعتنا يموتون جوعا ولا يمدون أيديهم الى الناس”، وهي من أساليبهم في تربية هذه المدرسة لأبنائها على الشعور بالكرامة وعزة النفس وألا يضعوها موضع المذلة والمهانة تطبيقا لقوله تعالى:” { ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين}، ولقوله تعالى:{يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف}، وهو ما يدعو المؤمنين الى الابتعاد عن التظاهر بالفقر والحاجة وأخذ ما ينفق من أمام المحتاجين الحقيقيين كما يحصل في كثير من الأحيان، فيجمعون المساعدات في بيوتهم ويحرمون منها المحتاجين الحقيقيين، مع ان المطلوب في هذه الظروف الدقيقة التي نمر بها هو التكافل والتعاضد والتعاون والإيثار، فإن فعلنا ذلك كنا محل عطف الله تعالى ورحمته الكفيل بقضاء الحوائج ودفع البلاء، وإن بخلنا او استأثرنا واضعفنا أنفسنا وكنا في موضع سخطه وغضبه وزيادة بلائه، نعوذ بالله تعالى من ذلك ونستجير به ، ونستهديه أن يسلك بنا سبيل الخير، ونسأله ان يرفع عنا ما ألم بنا وبأهلنا من هذا البلاء الذي يحتاج منا أولا صدق النية مع الله تعالى والرجوع إليه والتوبة إليه بالإقلاع عن المعاصي وارتكاب المآثم وأكل المال الحرام وأخذه من غير حله، وأن نعلم أن ما أصابنا من مصيبة فمن أنفسنا كما يقول الحق تعالى:{ وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير} وما ورد عن ان البلاء اذا وقع عم”.
وفي المقابل يقول تعالى: { وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا}، فالبلاء والنعماء والمصيبة والرخاء تتقابل في الأسباب، وأنها مرتبطة بنا وبما نقدم به من صلاح أو إفساد، يقول تعالى { ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس}. وإذا كان البلاء قد حل بنا ونزل بساحتنا وافتقر بلدنا بفعل الإدارة السيئة للبلد والنظام القائم على المحاصصة، نسمع الكثير من الكلام والقليل من الأفعال التي تخفف من خوف المواطنين على المستقبل القادم، على ان ما يحصل من تعقيدات التي تزداد يوما بعد يوم على الصعيد السياسي يزيد من مخاوف المواطنين ولا يخفف منها فضلا عن إعطاء جرعة من الأمل بأن الحل لمشاكله وازماته قادم أو التخفيف منها على الأقل.
لقد تخلت الدولة عن مسؤولياتها بالكامل فلا أمن غذائيا ولا دوائيا ولا استشفائيا وليس للمواطن سوى الله تعالى، وإذا كان المجلس النيابي أقر البطاقة التمويلية وهو أمر جيد وخطوة متقدمة، فلا نعلم متى وكيف يكون التطبيق. أما حاجات المواطنين الكثيرة ابتداء من المحروقات للتدفئة في هذا الوقت الذي حل فيه الشتاء وجاء معه البرد والصقيع وخصوصا في الجبال، فالدولة بعد ان رفعت الدعم فقد ألقت بالمواطن في وسط غابة الذئاب وأبرأت ذمتها من دمه. على أن ما تقوم به من مساع واتصالات فإننا نسمع جعجعة ولا نرى الناس طحينا، ولذلك فإننا نحثها على عدم الاكتفاء بانتظار المساعدات الدولية بما فيها صندوق النقد الدولي، فإن هذا لا يكفي، وأن تعمل على مسارات أخرى تؤدي الى وقف الانهيار المتسارع الذي بات يخيف المواطنين من الموت جوعا ومرضا على أبواب المستشفيات. وأول هذه الخطوات هو المسارعة بحل العقدة السياسية التي تجمد أي حل يمكن إيجاده في هذه الظروف العصيبة، ونأمل أن يكون ذلك سريعا بالاستماع لصوت العقل والضمير وحل عقدة البيطار التي لا تمت الى القضاء برابط أو صلة”.
وتابع الخطيب:”ان اجراءات مصرف لبنان برفع قيمة السحوبات للمودعين وفق سعر صرف جديد تدابير جائرة بحق المودعين، فضلا عن كونها استهدفا للنقد الوطني يؤدي الى التضخم، ويسهم في تفاقم الازمة المعيشية والانهيار الاقتصادي، فيما المطلوب اجراءات سريعة تعيد الأموال العامة المحولة الى الخارج وتعطي للمودعين حقوقهم المالية المحتجزة في المصارف وتلجم التضخم والتدهور الاقتصادي بما يحقق الاستقرار النقدي”.
وقال:”ان التكافل والتضامن والتآزر اليوم أكثر من حاجة وضرورة وطنية لتجاوز مخاطر وتحديات المرحلة التي نحتاج معها كلبنانيين الى تجسيد معاني المواطنة والآخوة الوطنية والإنسانية فعل تضامن وطني بين مختلف المناطق والطوائف، ولا سيما أن اللبنانيين أخوة وشركاء مصير وهم مطالبون أن يكونوا كتلة متراصة متعاونة في معركة إنقاذ الوطن ولجم الانهيار الاقتصادي ومكافحة الفساد والاحتكار واستعادة المال العام المنهوب والافراج عن اموال المودعين، ونحن نرفض تعاميم مصرف لبنان التي تحمل المودعين تبعات الانهيار الاقتصادي فيما هم ضحية السياسة الاقتصادية الفاشلة التي أغرقت مدخرات المودعين وأموال الدولة في مستنقع الفساد والرشى والديون وخدمة فوائدها”.
وختم الشيخ الخطيب :”نوجه أسمى آيات التبريكات والتهاني الى المؤمنين والمؤمنات في ذكرى ولادة عقيلة بني هاشم التي اقترن اسمها بأعظم ثورة عرفتها البشرية فكانت السيدة زينب، صوت النهضة الحسينية الصادح بالحق والعدل في مواجهة الباطل والظلم، ومقتضى الاحتفال بذكرى هذه الولادة المباركة يستدعي منا أن نعود الى مواقفها التي أبقت جذوة الثورة الحسينية متقدة في وجدان البشرية تتجدد مع الاجيال، وحري بأخواتنا وبناتنا أن يقتدين بهذه السيدة الفاضلة التي ترعرعت في بيت النبوة والامامة تنهل منه القيم الروحية والاخلاقية والتعاليم المحمدية والعلوية، فيكن زينبيات في السلوك والنهج وتحمل المسؤولية، وتكون السيدة زينب مثلهن الأعلى وقدوتهن في الاتباع والاقتداء”.منقول عن
الوكالة الوطنية