الصحافي والكاتب السياسي حسن سلامة
لفتني في الايام الاخيرة مقالتين لكل من الدكتور أسعد ابي خليل ورد لاحق من الاستاذ خليل خاتون نشرا في موقع إضاءات ويتحدث الكاتبان عن الجمود والسقطات في كل وسائل الاعلام المحسوبة مباشرة على الحزب ويستكمل الكاتبان إنتقاداتهما ، كل من وجهة نظره ، لجملة واسعة من إداء الحزب داخليا معطوفا على طببعة الاعلام المذكور وعلى جملة واسعة من مواقف معظم المسؤولين في الحزب بما خص التعاطي مع القضايا الداخلية وبالاخص طببعة التعاطي الاعلامي مع الخصوم ، وتحديدا تلك الجوقة اامرتبطة مباشرة بالاميركي وأقزامه في المنطقه .
بداية ، من الواضح ان الكثير مما طرحه الكاتبان بما خص السياسات المعتمدة في اعلام حزب الله داخليا يضعان فيهم النقاط على الخروف ، لانها تتعمق في واقع الحال وتتناول بصدق ومن منطلق الحرص على تصويب مسيرة اعلام الحزب وكثير من سياساته الداخلية ، مع التأكيد ،_ كما أكد الكاتبان على النجاح الاستثنائي لخطب السيد نصرالله ، الى جانب اعلام الحزب في التفوق بما لايقاس على اكاذيب ومزاعم قادة العدو الاسرائيلي واعلامه وبالتالي كشف كل مايختزله المجتمع الصهيوني من إنقسامات وترهل وخوف من القادم ، الى جانب ثقة مجتمع العدو بما يقوله السيد نصرالله في مقابل معرفته الكاملة لحقيقة أكاذيب قادته السياسين والعسكريين .
ورغم تأكيدي بأن ما تفضل به الكاتبان عن طببعة تعاطي اعلام الحزب وكثير من مواقف لمسؤولين فيه وكثير من ردات الفعل الانفعالية حول التعاطي مع الخصوم وإعطائهم أدوار يفتشون عنها بكل ما لديهم من حقد وكراهية بحق المقاومة ، لمعرفتهم أن اي ردات سلبية مم الحزب بحقهم هي بمثابة اوراق إعتماد لدى مشغليهم مما سيمنكهم من رفع اسعارهم عند من تعودوا على القول لهم ” أمرك سيدنا “. لكن من المفيد والمهم التأكيد ان هذا التعاطي من اعلام الحزب وصولا الى معظم السياسات التي إعتمدت لم تتغير – مع بعض الاختلافات في الشكل تحصل بين الحين والاخر – في النظر الى طببعة الواقع الداخلي ، وما بينهما من خصوم وحلفاء بنيت على أحادية من جهة وعلى تهميش من يتعارض معه في رؤيته الداخلية حتى لو كانت مقتضيات المواجهه الاكبر تستدعي وجود جميع المعارضين للهيمنة الاميركية ولضرورة وقف هذا الانهيار الخطير في الداخل اللبناني ، مع ما يتطلبه ذلك من قيام جبهة واسعة تلتقي على الحد الادنى من متطلبات المواجهة خارجيا وتأطير الاسسس لوقف الفساد والانهيار وصولا الى إسقاط هذا النظام المتوحش بكل ما فبه من عصابات ومافيات ومراكز قوى تتحكم بكل تفاصيل حياة اللبنانين ، من أكبرهم الى أصغرهم ، سواء أعتبر هذا وذاك حليفا أو من ااخصوم ، فمحاربة الفساد واصلاح النظام وكل ما بات البلد بحاجة اليه للخروج من افلاسه وانهياره يفترض عدم مهادنة الحليف الفاسد في مقابل الحرب على الخصم الفاسد ، فكليهما يوصلان البلاد الى نفس النتيجة التي نحنا عليها اليوم ، مع التأكيد هنا أن المواجهة في الداخل أخطر واكثر تعقيدا من مواجهة ما يحاك ضد لبنان في الخارج والامثلة على ذلك لا تعد ولا تحصى منذ ٣٠ عاما وحتى اايوم .
مع الفارق الكبير مابين التمويل لاعلام حزب الله والاعلام الذي تحركه الغرف السوداء من واشنطن الى حلفائها فب أنظمة ااخليج ، حيث الاموال تغدق على اعلام هؤلاء مع جيش من الذين تشغلهم سفارات هذه الدول واخرها ما وصل من مبالغ ضخمة لثلاث محطات تتحرك في فلك الاميركي وحلفائها ، لكن لابد من تأكيد بعض النقاط الاساسية ، رغم معرفتنا بضألة إمكانات إعلام حزب الله في مقابل ما تنفقه محطات خصوم الحزب من اموال خيالية من اموال البترودولار ، لكن كان في الفترة السابقة ولا زال ذالك ممكنا في حال أعيد النظر بسياسات حزب الله وحلفائه من منطلق وحدة المصير والاجماع
على بناء دولة عصرية خارجة نظام المذاهب والمحاصصة والمنافع وما الى ذلك :
- اولا ، نقول ان مسيرة اعلام حزب الله على المستوى الداخلي هي إنعكاس مباشر للسياسات التي صار عليها ولازال الحزب منذ فترة طويلة ، فلا يمكن ان يكون الاعلام المحسوب على الحزب يغرد خارج ما يقتنع به الحزب على المستوى الداخلي وكل مايتعلق بأي ملف داخلي وخارجي
_ ثانيا ، من يتابع سيروة العمل الاعلامي للحزب منذ فترات طويلة وحتى يلمس بوضوح ان لاتغييرات اساسية جرت في سياق هذا الاعلام ، وانما حصل تغييرات طفيفة احيانا وشكلية احيانا اخرى ، من حيث النظرة والتعاطي مع مسيرة الدولة بكل مساوئها ومذهبتها ومابين ذلك من سياسات مخلفة افضت الى الانهيار الحاصل ، فحتى ماطرح في السنوات الاخيرة لم يتعدى تسجيل الموقف واتجاهه احيانا كثيرة في السياق الخاطىء ، لكن المشكلة الساسية كانت في ترداد هذا الاعلام ما يعتبر مراعاة للحلفاء على خلفية قراءات لم تخدم بناء الدولة وتحديدا وقف المحاصصات وتوزيع الصفقات وملفات عديدة لها علاقة بالفساد والنهب من جانب المنظومة الحاكمة رغم ان وزراء الحزب مثلا لم يدخلوا في عمليات المحاصصة وتوزيع المغانم والصفقات ، لكن كل حلفاء الحزب والخصوم كانوا جميعا شركاء في نهب الدولة بما في ذلك كثير من سياسات وزراء التيار الوطني الحر دون ان يلعب وزراء الحزب دورا محوريا في محاولة منع تقاسم الدولة وهذا السلوك الذي راع الحلفاء برز بشل كبير في اداء اعلام الحزب ، ما يشير مرة جديدة الى ان هذا الاعلام كان صورة طبق الاصل عن الفعل السياسي ، فإستمرت كل المنظومة في نفس سياسة اعتبار الدولة مثل البقرة الحلوب والحزب واعلامه لم يلعب دورا رياديا في كسر هذه الحلقة ااجهنمية للحلفاء والخصوم .
_ تعاطى اعلام الحزب مع حراك ١٧ تشرين الاول عام ٢٠١٩ منذ مابعد الايام الاولى وكأنه بكل اطيافه موجه ضد الحزب وهو ما ترجم بداية في مواقف سياسية حادة من الحراك ، بدل التعاطي بإيجاببة مع كثير من الطروحات اامطالبة بالاصلاح ووقف النهب على غرار التعاطي مع جزء اساسي من الحراك في الجنوب وصيدا وجزء اساسي في بيروت وعدد من اامناطق الاخرى لكن جرى التعاطي مع الجميع على ان سفارة اميركا واخرى حليفه لها تحرك كل الحراك مع ان الواقع كان مختلف بالكامل ، دون التقليل من دور هذه السفارات في محاولة توجيه الحراك نقيض لغاياته الوطنية وانغمس في هذه اللعبة حزبي القوات والكتائب ومنظمات ما يسمى ال n G o بعد إغداق الاموال على هؤلاء من مشغليهم ، ما ادى الى نوع من الانكفاء من جهة والعتب على سياسة الحزب وتعاطي اعلامه مع حراك اطراف واسعة كانت تعتبر نفسها حليفة للحزب وأنه سيكون في الصف الاول لاسقاط منظومة الفساد والمحاصصة وسرقة المال العام ومال اللبنانين . مع التأكيد هنا ان كل من تحرك وركب الحراك الشعبي بأمر سفارات معاية لم تكن غايته الاصلاح ووقف الفساد وإنما التجييش لما يريده مشغليهم ضد المقاومة .
_ لم يؤطر الحزب العمل الاعلامي ضمن سياق وطني عام ، في الحد الانى ، لخدمة الملفات الاستراتيجية على مستوى المواجهة الكبرى ولا على مستوى وقف سرطان المحاصصة والنهب من الحلفاء والخصوم ، بل تعاطي بنوع من ردات الفعل احيانا والاضاءة على خطايا الخصوم في كل القضايا ، بينما الضرورة تفترض مواجهة اخطاء وخطايا الجميع بدءا من ااكلفاء ، خصوصا ان كل امر وشأن يتم تطييفه بسرعة والدليل ماحصل مع احالة ملفات فساد لبعض الخصوم ، فقامت عندها قيامة الصغير والكبير من طائفة المستهدف كما حصل مع السنيورة او رياض سلامة ، فلا إصلاح ولا محاسبة دون وضع كل الفاسدين بكفة واحدة ، مهما كان إنتمائهم الطائفي والحزبي .
_ إن هذا التأطير لم يرى النور لمرة واحدة ، فبقي الجميع من حزب الله والحلفاء ومعهم الاعلام الذي يعبر بشكل او بأخر عن رؤية هذه الاطراف ، بحيث بقي كل طرف يتعاطى من وجهة نظر خاصة به والامر نفسه انسحب في الاعلام ، عدا ان سياسة الحزب همشت الكثير ، الكثير من الاطراف الحليفة وعشرات اذا لم نقل مئات الاعلاميين ، وسمعنا في الاسابيع الاخيرة كلام واضح بهذا الخصوص من اسماء مرموقة سياسيا واعلاميا ، وهذا التهميش انسحب ايضا على وسائل اعلام الحزب ، فبات هناك اعلاميون لا يتجاوزون عدد اصابع اليد ، وكأنهم كما الذي يوقع كونترا مع جهة معينة لعمل معروف سلفا ، فيما برزت بإستمرار الحساسية الزائدة لدى الحزب واعلامه إزاء اي انتقاد يوجه على جانب من سياسة الحزب هنا او على إداء مسؤول من الحزب هناك ، فبقي اعلام الحزب أسير كليشيهات معظمه مضى عليه الزمن ولم يعد يصلح اليوم والامر ذاته ينسحب بشكل او بأخر في التعاطي مع القوى السياسية الحليفة ، فأصبح مثلا التيار الوطني الحر وما يمثل في الدولة لابن المدلل لسياسة الحزب واعلامه ، مع ان هناك حلفاء قدموا ولا زالوا الكيثير ، الكثير خدمة للمواجهة الكبرى اقليميا ومن اجل تصويب مسار العمل السياسي في الدولة وخارجها .، ورغم كل هذا الدلال للتيار الوطني عبر مراعاته في ملفات لا تعد ولا تحصى ، يلجأ مع أقل تعارض لمصلحته مع توجه حزب الله للضرب بعرض الحائط كل التعاطي الايجابي من جانب حزب الله ، على طريقة تكرار ” رمي الحجر من البئر الذي يشرب منه ” والامثله على ذلك عديدة واخرها تمسكه بالقاضي بيطار ، رغم الانتقادات من جانب مسؤولين في التيار لاستسابية البيطار والكلام العال السقف الذي وجه الرئيس عون وباسيل سواء بالظروف التي كانت وراء مقاطعة جلسات مجلس الوزاراء وبعدها تلكلام تلحاد الذي صدر عن عون وباسيل ردا على قرار المجلس الدستوري رد الطعن الذي كان تقدم به نواب التيار الوطني ، واللائحة لا تنتهي . … حتى ان التيار وقيادته يقيمون القيامه على اي انتقاد يوجه لسياساتهم وسياسة العهد على طريقة المسلسل المكسيكي ” انت أو لا أحد “، وكل ذلك بقي اعلام الحزب بعيدا عن مقاربته ، فلا انتصار في المواجهة الكبرى اذا خسرت في مواجهة مطبات الشأن الداخلي .
_ تعاطى الحزب واعلامه في احيان كثيرة مع الخصوم بفس السلة ، رغم وجود فروقات كبيرة في احيان عديدة ، كما انه إنغمس في مرات كثيرة بدود فعل في غير محلها للرد على بعض الاقزام من المرتبطين والممولين من السفارات ، فأعاهم أحجاما كان يحلمون بها ، بل إنغمسوا عن سابق تصور وتصميم في إستحضار كل ما تختزله اللغة العربية من أكاذيب لاهجوم على حزب الله لمعرفتهم ان لجؤ الحزب للرد عليهم ، يشكل بالنسبة لهم فرصة العمر لرفع شأنهم عند مشغليهم .
واعتقد ان هذا الصورة ، الى جانب ماقدمه الكاتبان اسعد أبي خليل والاستاذ خليل خاتون يكملان بشكل أو بأخر هذه القضية المفترض من كل المخلصين الاضاءاة حولها بطريقة واقعية وبما يتناسب مع ما هو مطلوب من الحزب وإعلامه وبما يؤسس لمرحلة جديدة تختلف في معظم مقارباتها الداخلية عما هو سائد اليوم .
٩
_
_