أخبار محلية

يجب تغيير مفهوم المواطن في لبنان
أحلام بيضون

يجب تغيير مفهوم المواطن في لبنان
أحلام بيضون

المواطن في القانون هو من يحمل جنسية الدولة التي ينتمي إليها وفقا لقانون الجنسية أو التجنيس في ذلك البلد، دون أي معيار آخر. في لبنان، هذا التعريف لا يطبق، بل يعرّف المواطن فعليا حسب انتمائه الطائفي الذي تكرّس مع الوقت، وبفعل الارتباطات مع قوى خارجية، وبفعل التبعية للزعيم التي تحولت إلى مظهر سياسي تعصبي. انطلاقا من ذلك، أصبح من المستعصي الجمع بين المواطنين وفق معيار إنساني. ما يزيد من صعوبة ذلك، انتفاع الزعماء السياسيين، ورجال الدين من الوضعية القائمة، وتمكّنهم من الاحتفاظ بالسلطة سواء كانت مدنية أو دينية، تحت غطاء الامتيازات الطائفية.
وضعية المواطن اللبناني التي تكلمنا عنها تبين مدى التناقض الموجود في الدستور، بين مقدمته التي تكرّس حقوق الإنسان، ومفهوم الديموقراطية، وبين المواد التي تكرّس التمييز، تحت غطاء التركيبة الطائفية للشعب اللبناني، والحرص على التوازن الطائفي أو المساواة بين الطوائف، أي أن ميزان المساواة انتقل من المواطنين إلى الطوائف، ما نتج عنه انتماء مزدوج للمواطن اللبناني، أولا للطائفة، وثانيا للدولة، وحين نقول ثانيا، يعني أن التوازن بين الطوائف بكل عبثيته وخطره، يمرّ أولا ليعيق أي مساواة أو عدالة على مستوى المواطنين كأفراد، يجب أن يتمتعوا بنفس الحقوق الإنسانية والواجبات، المرتكزة فقط إلى كونهم بشرا، وأن حاجاتهم الحياتية هي ذاتها.

ميثاق المدينة: “نحن على تنوعنا الدينيّ نشكل أمة واحدة”
إن شعار الانصهار الوطني الذي يتكلم عنه البعض لا معنى له، كما يقول الأب البروفسور جورج حبيقة، ونحن نقدر رأيه ونتوافق معه، فلا يمكن أن يكون البشر على نفس الوتيرة أو الصفات أو الرغبات أو التفكير، فالاختلاف غنى. ولعل ما زاد حديثه منطقا وفائدة هو كلامه عن ميثاق المدينة، الذي حصل بين رسول الله محمد وبين أبناء المدينة من نصارى ويهود وصائبة، والذي يعتبر أول عهد من نوعه في التاريخ، حيث تعاهد الجميع على كلمة واحدة: “نحن على تنوعنا الديني نشكل أمة واحدة”. بمعنى آخر لقد تركت لكل طائفة حرية المعتقد، إنما قبلوا بميثاق مدني واحد يجمعهم في مدينة يثرب. وكان ذلك أول مأسسة لنظام سياسي مدني، يجمع تحت ظله أناس ينتمون إلى معتقدات دينية مختلفة، أو لنقل طقوس دينية مختلفة، بما أنهم اجتمعوا على التوحيد بالّله، دون أن يمارس على أحد أي اضطهاد أو تعسف. ولعلّ ما جعل هذا الأمر ممكنا يعود بالدرجة الأولى إلى أن الإسلام كما عبر عن ذلك النبي محمد، ليس معتقدا جديدا، بل هو تكملة لما أتى به الرسل من قبله، وتصحيح للانحراف الذي أصابه بفعل الممارسات الخاطئة. إن إقامة الخلافة الإسلامية الذي حصل فيما بعد يعدّ خروجا عن تعاليم الدين الأصيل، الذي اتخذ له الإسلام إسما، والسلام تحية وشعارا ومنهجا.
كل إنسان فريد من نوعه
حرية الفكر والمعتقد شيء وتكريس التمايز الطائفي شيء آخر، قد يرفع البعض راية حرية المعتقد، أو حرية الفكر، في محاولاته للتمسك بالنظام الطائفي الفئوي، والحقيقة أن اعتماد نظام واحد يطبق على الجميع خارج الاعتبارات الطائفية أو أي اعتبارات أخرى، لا يمسّ من قريب أو بعيد بحرية الرأي ولا بحرية المعتقد، حيث لكل شخص الحق بالاحتفاظ بما يراه مناسبا له من معتقد، وأن يعبر عن رأيه في شتى المجالات بحرية، شرط ألاّ يسيء بذلك إلى الآخرين أو إلى الانتظام العام، أو يشكّل ما يعبر عنه تحريضا طائفيا أو من أي نوع كان، مما يثير الفتن، ويخلق الخلافات والحروب، ويهدد السلم الأهلي، كما يحصل اليوم، حيث يطلق البعض، خاصة من أصحاب السلطة، العنان لألسنتهم دون أي رادع أو مسؤولية، في ظل غياب أي رقابة أو محاسبة.
إن القانون الموحّد، المبني على المواطنة وحقوق الإنسان، خارج أي تمايز، من شأنه أن يحقق تكافئ الفرص أمام الجميع دون أي استثناء، حيث يفوز في أي منصب أو وظيفة، الأكفأ وصاحب الاختصاص، وهذا سيجنب البلد التعطيل بسبب عدم التوافق على المشاريع، أو اختيار الموظفين، بحجة الاعتبارات الطائفية، وهي بالحقيقة، اعتبارات تبحث عن المصالح الشخصية لأصحابها، سواء كانت مادية أو معنوية.
إن اعتماد قانون موحد لجميع المواطنين، واحترامه وتطبيقه، ينتج عنه العدالة على كافة الصعد، كما ينتج عنه استقامة الشأن العام، وتفعيل المؤسسات العامة، ودوران عجلة الدولة كما ينبغي، بما يخدم المصلحة العامة، ويؤدي إلى النمو والتطور.
فكفى لعبا بمصير العباد، وليفصح من بيدهم السلطة بصراحة، هل سيستمرون باستغلال اختلاف الشعائر التي تميز المواطنين عن بعضهم البعض في ممارساتهم الدينية، ويستمرون بذلك بالتسبب بفقدان البلد لتوازنه الطبيعي، ولطبيعة الدولة حسب ما يقضي به القانون الدستوري، ومفهوم إقامة الدول، أم سيقبلون بإقامة نظام عادل يطبق على الجميع دون استثناء، ويتمتع فيه الجميع بحرياتهم وحقوقهم، بعيدا عن الشأن العام، مما يمكن مؤسسات الدولة من السير حسب ما يقتضيه واجب إدارة شؤون الناس، وخدمة مصالحهم، بما يسير في البلد نحو النمو ومواكبة التطور.
إنها الفرصة الأخيرة السانحة لمن هم في السلطة، ومن هم مسؤولون عما وصلت إليه البلد من كوارث، بسبب أنانيتهم، وتمسكهم بالسلطة، وتمسكهم بذلك بنظام طائفي بائد، يستعملونه شمّاعة في كل وقت، لتمرير صفقاتهم وفسادهم، والتهرب من المسؤولية والعقاب على جرائمهم، التي، لو حصلت في أي دولة حقيقية، لكان أبسطها قد أوجب أشد العقوبات ضد مرتكبيها.
أيها القابعين في السلطة في لبنان، كفاكم إهانة لشعبكم، ولتكن عندكم ذرة ضمير، فتعمدون مباشرة لتصحيح ما فات، ولتطبقوا الدستور والقوانين المرعية، ولتستحدثوا ما يجب استحداثه منها، في سبيل إقامة دولة حقيقية في لبنان، يشعر فيها المواطن بكرامته، وسيادة وطنه، ويحصل فيها على حاجاته الحياتية، في ظل اكتفاء ذاتي ليس مستحيلا بتوفر كل العناصر اللازمة من إرادة وعلم وخبرة، وموارد تكفي لأكبر الدول، فكيف إذا كانت مخصصة لبلد لا تتجاوز مساحته 10452 كلم مربع، وشعب لا يتجاوز عدده الستة ملايين!
أحلام بيضون/20/12/2021

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى