مفهوم قياس المال..
يعاني كل المحللين الاقتصاديين في لبنان والعالم من مشكلة كبيرة، يعتقدون أن لا قيمة لها ولا حاجة لهم بها، وهي تغييب قياس المال ومعرفة العناصر المكونة له ومصادر هذه العناصر وكيفية ضبطها أو تنميتها. ويصرون أن هذا أمر لا أهمية علمية له بنظرهم، ولذلك فهم كالطبيب الذي لا يريد أن يقر بأهمية فحص الدم لعلاج المريض، أو كالمهندس الكهربائي الذي لا يدرك الفارق بين الفولت والأمبير والوات، ويدعي أنه قادر على إصلاح مكيف الهواء..
لذلك فإن السياسة والاقتصاد بكل أساتذتها وجامعاتها المحلية والعالمية هي مدارس متخلفة جداً، لأنها تعتمد التحليل وتستبعد القياس والميزان. فلا يتفق إقتصاديين ولا سياسيين على راى واحد. ولذلك أيضاً يذهب سياسي فاسد ويأتي من هو أفسد منه. ويتنامى البؤس والفقر والفساد والدين العام في لبنان والعالم. وتنمو ثروة المرابي المستهزئ بالشعوب المتخلفة والمستعبد لها ولخبرائها
الذين يكرهون القياس والميزان، ويدعون قدرتهم على الإصلاح السياسي والاقتصادي، مثلهم كمثل المشعوذين الذين تتقبلهم القبائل البدائية وتثق بهم كأطباء لعلاج امراضها.
والحق أن هذا هو التحدي الحقيقي الأول الذي يواجهه الشعب اللبناني لعلاج أزمته المتفاقمة، أي قدرة المجتمع على تحقيق الثورة الثقافية وتوليد علم سياسة واقتصاد بديل عن الشعوذة الحالية التي تسرق خيرات أمم الأرض كلها لتضعها في خزائن من يرى أنه الشعب المختار المستنير الذي استطاع بعلمه أن يسخر الجاهلين لخدمته كما يسخر الإنسان البهائم لخدمته.
فقدرة السلطة على الجباية الضريبية دون حدود وقدرتها على طباعة المال دون حدود أيضاً ستولد بدون أدنى شك الفساد السياسي والإداري بدون حدود. وبوجود هذا الفساد يصبح لدى المولد الاكبر للنقود براءة ذمة قانونية يدعي بسببها أنه اساس النمو الاقتصادي الذي لا يستطيع المجتمع الاستغناء عنه. وبطبيعة الحال يتشارك سرقة ثروة المجتمع مع السلطة الفاسدة بقوة القانون والدستور في غياب منهج القياس والميزان لأهم مادة في حياة البشر وهي (المال) .