أخبار محلية

رجل من بلادي

سيرة موسّعة للسيد عبد الحسين شرف الدين، تتناول مختلف جوانب حياته بالتفصيل.

—السيد عبد الحسين شرف الدين: العالم المجاهد والمصلح الإسلامي الميلاد والنشأة وُلد السيد عبد الحسين شرف الدين في عام 1873 في مدينة كربلاء بالعراق، في أسرة علمية عريقة يعود نسبها إلى الإمام موسى الكاظم (ع). نشأ في بيئة دينية وعلمية، حيث كان والده السيد يوسف شرف الدين من كبار العلماء، ووالدته السيدة زهرة الصادق من بيت علم ودين في جبل عامل، جنوب لبنان.عاش السيد عبد الحسين طفولته في أجواء مليئة بالعلم، وكان والده يحرص على تعليمه أصول الدين والفقه واللغة العربية منذ سن مبكرة. وقد تأثر كثيرًا بجده السيد نور الدين شرف الدين، الذي كان من الشخصيات الدينية البارزة في جبل عامل.رحلته العلمية وتحصيله في الحوزاتبدأ السيد شرف الدين دراسته في كربلاء، ثم انتقل إلى مدينة النجف الأشرف، حيث انخرط في الحوزة العلمية وتلقى تعليمه على يد كبار العلماء، منهم:السيد محمد كاظم اليزدي، صاحب كتاب العروة الوثقى.الشيخ محمد طه نجف.الميرزا حسين النائيني.الشيخ الأخوند الخراساني، صاحب كفاية الأصول.أظهر نبوغًا في الفقه والأصول وعلم الحديث، وأصبح من العلماء البارزين وهو في سن الشباب. وكان معروفًا بعمق تفكيره، وسعة اطلاعه، ودقته في البحث العلمي.عودته إلى جبل عامل ونشاطه العلمي والدينيبعد إتمام دراسته في النجف، عاد السيد شرف الدين إلى مسقط رأس أجداده في جبل عامل بلبنان، ليستقر في مدينة صور. وهناك بدأ نشاطه العلمي والاجتماعي، حيث:أسس مدرسة علمية دينية لتعليم العلوم الإسلامية، وإعداد العلماء والخطباء.اهتم بتوعية الناس دينيًا وثقافيًا، ونشر الفكر الإسلامي الأصيل.عمل على إصلاح المجتمع عبر محاربة الجهل والتخلف، والدعوة إلى التعليم والوعي.كان يحرص على نشر الثقافة الإسلامية بأسلوب واضح، ويتواصل مع مختلف شرائح المجتمع، من العلماء إلى عامة الناس.دوره في مواجهة الاستعمار الفرنسيخلال فترة الاستعمار الفرنسي للبنان، برز السيد شرف الدين كأحد القادة الوطنيين الذين رفضوا الاحتلال ودعوا إلى الاستقلال. ومن أبرز مواقفه:رفض الهيمنة الفرنسية على لبنان، ودعا إلى استقلاله.دعم الثورة ضد الاستعمار، مما جعله عرضة للملاحقة والاضطهاد.تم مداهمة منزله ومصادرة مكتبته، مما اضطره لمغادرة لبنان مؤقتًا.لجأ إلى دمشق، ثم إلى العراق، حيث واصل نضاله السياسي والعلمي.بعد انتهاء الاضطرابات، عاد إلى صور واستأنف نشاطه في بناء المجتمع وإصلاحه.جهوده في الوحدة الإسلامية والتقريب بين المذاهبكان السيد شرف الدين من الروّاد الأوائل لحركة التقريب بين المذاهب الإسلامية، وسعى إلى تعزيز الحوار بين السنة والشيعة. ومن أبرز جهوده في هذا المجال:أقام علاقات وطيدة مع علماء الأزهر الشريف، وعلى رأسهم الشيخ سليم البشري، شيخ الأزهر، حيث جرت بينهما مراسلات علمية أدت إلى تأليف كتابه الشهير المراجعات.دعا إلى نبذ الطائفية، والتركيز على المشتركات بين المسلمين.كتب العديد من الكتب والمقالات التي تدعو إلى الوحدة الإسلامية.مؤلفاته وأعماله العلميةترك السيد شرف الدين إرثًا فكريًا غنيًا، ومن أبرز كتبه:1. المراجعات:يعد من أهم الكتب في الفكر الإسلامي الحديث.عبارة عن حوار علمي بينه وبين الشيخ سليم البشري حول القضايا الخلافية بين السنة والشيعة، بأسلوب منطقي وعلمي.حظي بقبول واسع في الأوساط العلمية، وأصبح مرجعًا رئيسيًا في الدراسات الإسلامية.2. النص والاجتهاد:يعرض فيه الاجتهاد الإسلامي عبر التاريخ، ويبين تأثيره في الأحكام الفقهية.يناقش فيه مسألة الاجتهاد والتقليد، ويقدم أمثلة تاريخية عن الاجتهاد في الإسلام.3. الفصول المهمة في تأليف الأمة:يتناول فيه أهمية الوحدة الإسلامية، ويدعو إلى التعاون بين المسلمين.يحث على ترك التعصب الطائفي، والعودة إلى روح الإسلام الأصيلة.4. أجوبة مسائل جار الله:يناقش فيه مسائل فقهية وكلامية أثيرت حول التشيع.5. كلمة حول الرؤية:يتناول فيه قضية رؤية الهلال والأحكام الفقهية المتعلقة بها.علاقته بالعلماء والشخصيات الدينيةكان السيد شرف الدين على صلة وثيقة بالعديد من علماء المسلمين، سواء من الشيعة أو السنة. ومن أبرزهم:الشيخ محمد عبده.السيد محسن الأمين.السيد أبو الحسن الأصفهاني.الشيخ مصطفى المراغي، شيخ الأزهر.كانت له لقاءات علمية وسياسية مهمة، أسهمت في ترسيخ فكرة التقريب بين المذاهب الإسلامية.وفاته وإرثه العلميفي 30 ديسمبر 1957، توفي السيد عبد الحسين شرف الدين بعد حياة حافلة بالجهاد والعطاء العلمي والفكري.تم دفنه في مدينة صور بجنوب لبنان، حيث لا يزال ضريحه مزارًا لمحبيه وطلاب العلم.إرثه وتأثيرهلا تزال كتبه تُدرّس في الحوزات العلمية والجامعات الإسلامية.يعتبر من أبرز رموز الفكر الشيعي الحديث، وأحد أعمدة التقريب بين المذاهب.بقي اسمه حاضرًا في الأوساط العلمية والدينية، ويُستشهد بآرائه في الدراسات الإسلامية.السيد عبد الحسين شرف الدين لم يكن مجرد عالم دين، بل كان مفكرًا ومصلحًا ومجاهدًا، حمل همّ أمته وعمل على توحيد صفوفها. ترك أثرًا عميقًا في الفكر الإسلامي، وبقيت كتبه وأفكاره شاهدة على مسيرته العلمية والجهادية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى