هذه دوافع تركيا لشن عملية عسكرية جديدة شمالي سوريا
نفذت تركيا 4 عمليات عسكرية على طول حدودها مع سوريا بين عامي 2016 و2020، وفي 26 مايو/أيار الماضي، أكد مجلس الأمن القومي التركي على إعلان الرئيس “رجب طيب أردوغان” الاستعداد لعملية جديدة في شمال سوريا من أجل “تطهير الحدود الجنوبية من خطر الإرهاب”.
وهناك تساؤلات حول أسباب إطلاق تركيا مثل هذه العملية الجديدة الآن؟ وتسيطر أنقرة على مساحات شاسعة من الأراضي شمالي سوريا لكن محاولاتها السابقة لإنشاء منطقة عازلة بعمق 30 كيلومترًا على طول الحدود التركية السورية بأكملها باءت بالفشل حتى الآن. ولا تسيطر القوات التركية ووكلاؤها على حوالي 70 كيلومترًا شرق وغرب مدينة كوباني، فضلاً عن جزء أكبر من الأراضي المحيطة بمدينة القامشلي، وصولًا إلى نهر دجلة في الشرق.
وعرقلت القوات الروسية تركيا وفي هذه المناطق بشكل متكرر، وفي حين تم وضع “آلية مشتركة” بين أنقرة وموسكو يبدو أن تركيا تشعر الآن بالثقة في قدرتها على تجديد محاولتها للسيطرة على بعض هذه المناطق، لدرجة أن “أردوغان” تحدث عن العملية المحتملة بشكل علني. وأشار الرئيس التركي إلى أن بلاده ستستهدف مبدئيًا مدينتي منبج وتل رفعت غربي كوباني.
وهناك 4 أسباب رئيسية واضحة لهذه العملية
أولاً، ستكون السيطرة على منطقة أخرى على طول الحدود التركية السورية بمثابة استمرار منطقي للعمليات التركية السابقة في سياق إنشاء المنطقة الآمنة. كما يتلاءم ذلك مع محاربة “حزب العمال الكردستاني” الذي تعتبره أنقرة منظمة إرهابية، وكذلك الفرع السوري له “وحدات حماية الشعب” الكردية.
ثانيًا، ربما ترى أنقرة أن روسيا مشغولة بالحرب في أوكرانيا، وقد لا يكون لديها الوقت والموارد لمنع عملية تركية جديدة، ولا الشرعية السياسية للاعتراض عليها نظرًا لعملياتها في دونباس. وتجدر الإشارة إلى أن روسيا عززت قاعدتها في مطار القامشلي بطائرات ومروحيات وصواريخ مضادة للطائرات. وتتواجد القوات الأمريكية أيضًا على الحدود الجنوبية لتلك المنطقة.
ثالثًا، هناك حتماً بعد سياسي محلي لمثل هذه العملية على غرار الاعتراض على انضمام فنلندا والسويد للناتو. ومع استمرار الأزمة الاقتصادية قبل الانتخابات، قد يكون من مصلحة “أردوغان” حشد الناخبين حول العلم لتقويض خطط المعارضة. بالإضافة إلى ذلك، كلما زادت انتقادات القوى الأجنبية للعملية، زادت فائدتها للقيادة التركية التي تحرص دائمًا على تقديم نفسها كقوة مستقلة عن روسيا والغرب.
رابعاً، إذا أثبتت العملية نجاحها فإنها ستعزز خطة أنقرة “لإعادة اللاجئين السوريين طوعاً” وبالتالي تسجيل نقطة أخرى على الساحة السياسية المحلية، وسط تزايد الاستياء من وجود اللاجئين.
من المعلوم أن الولايات المتحدة ستعارض أي عملية عسكرية تركية جديدة شمالي سوريا، وقد أعلن وزير الخارجية الأمريكي “أنتوني بلينكين” ذلك في 1 يونيو/حزيران، مؤكدا أن واشنطن “تدعم الحفاظ على خطوط وقف إطلاق النار الحالية”. ومن المحتمل أن يتبنى الاتحاد الأوروبي نفس الموقف.
وكان تعاون واشنطن مع “وحدات حماية الشعب” شمالي سوريا من أكثر القضايا الشائكة في العلاقات الثنائية بين تركيا والولايات المتحدة. ومن المحتمل أن تتعارض عملية تركية جديدة مع المصالح الأمريكية على الأرض، مما يزيد من تفاقم الخلاف الدبلوماسي بين تركيا وحلفائها الغربيين بشأن بيع الطائرات الحربية الأمريكية، والعلاقات مع روسيا، وتوسيع الناتو.
بالإضافة إلى ذلك، من غير المرجح أن تتحقق آمال تركيا في جذب المساعدة الإنسانية الدولية لإعادة توطين اللاجئين السوريين في المناطق التي تسيطر عليها في شمال سوريا، وذلك لعدد من الأسباب.
ولا تخضع العمليات المتتالية شمالي سوريا لأي تفويض دولي، وهناك أيضًا مؤشرات على حدوث تغيير ديموغرافي هائل حيث إن غالبية اللاجئين السوريين الموجودين حاليًا في تركيا هم من العرب السنة، لذلك من خلال نقلهم إلى شمال سوريا ستحقق تركيا الهدف الاستراتيجي المتمثل في إضعاف السكان الأكراد الذين يعيشون هناك، وتأمل أنقرة أن يضمن ذلك أمنها على المدى الطويل.
علاوة على ذلك، تظهر المناطق السورية الخاضعة لسيطرة تركيا علامات على وجود دائم لها حيث يتم تعيين الهياكل الإدارية والأمنية المحلية من قبل تركيا، وتدير تركيا الخدمات العامة مثل الصحة ومكاتب البريد، وتعد العملة الفعلية هناك هي الليرة التركية.
وفي 2 يونيو/حزيران، أعربت روسيا أيضًا عن معارضتها لمثل هذه العملية وقالت الخارجية الروسية: “نأمل أن تمتنع أنقرة عن الأعمال التي قد تؤدي إلى تدهور خطير للوضع الصعب بالفعل في سوريا”. كما أكدت موسكو تفهمها لقلق أنقرة بشأن التهديدات التي يتعرض لها الأمن القومي لتركيا انطلاقا من المناطق الحدودية.
وأشار بيان رسمي من الرئاسة التركية إلى أن العملية المخطط لها في شمال سوريا تمت مناقشتها من قبل “أردوغان” والرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” في 30 مايو/أيار الماضي، بينما ظل الكرملين صامتًا حول هذا الموضوع.
وبالرغم من الثقة التي عبرت عنها الدوائر الرسمية في أنقرة، من الصعب تصور القبول الروسي بتحرك عضو في الناتو ضد سياستها في سوريا في وقت تواجه فيه الكتلة الغربية بأكملها بعد غزوها لأوكرانيا.
وبالنسبة لموسكو، فإن أي فشل في حماية مصالحها في سوريا سوف يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه علامة ضعف. وتعد العلاقة بين “أردوغان” و”بوتين” معقدة، وفي السنوات الأخيرة وقعت حوادث خطيرة للغاية بين جيشيهما في الأراضي والأجواء السورية. وما لم يفترض المرء أن هناك تفاهمًا خفيًا بالفعل، فستكون المخاطر هذه المرة أعلى من المعتاد بالنسبة لأنقرة.
المصدر | فرانكيسكو سيكاردي | كارنيغي