أخبار دولية

هكذا شكلت الحسابات الجيوسياسية موقف سلطنة عمان من حرب أوكرانيا

على مدى عقود، تبنت سلطنة عمان سياسة خارجية متوازنة ومحايدة، ما أكسبها وصف “سويسرا الشرق الأوسط”. ومنذ وصول السلطان الراحل “قابوس” إلى السلطة في عام 1970، لم تقطع عُمان علاقاتها الدبلوماسية مع أي حكومة، وتجنبت مسقط عمومًا الاصطفاف مع أي كتلة جيوسياسية ضد أخرى.

وساعدت هذه السياسة سلطنة عمان في الحفاظ على علاقات إيجابية مع الغرب وروسيا والصين ومختلف الدول العربية وإيران والهند وباكستان.

موقف عُمان من حرب أوكرانيا

اختارت عُمان الاستمرار في سياسة الحياد إزاء الحرب الروسية الأوكرانية. وحتى الآن، ترفض السلطنة الانحياز لأي طرف ولم تصف موسكو بأنها الدولة المعتدية، بالرغم من انضمامها إلى معظم الدول العربية في التصويت لصالح قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي أدان العدوان الروسي.

وفي 11 مايو/أيار الماضي، زار وزير الخارجية الروسي “سيرجي لافروف” السلطان “هيثم بن طارق” في مسقط. وخلال الزيارة، تحدث “لافروف” عن العقوبات المفروضة على بلاده بعد 24 فبراير/شباط الماضي، مؤكدًا أن مواطني الدول الغربية -وليس روسيا- سيخسرون أكثر من هذه الحرب الاقتصادية.

وفي أواخر الشهر الماضي، تحدث وزير الخارجية العماني “بدر بن حمد بن حمود البوسعيدي” عن زيارة “لافروف” والصراع في أوكرانيا في مقابلة مع صحيفة “لو فيجارو”. ودعا كبير الدبلوماسيين العمانيين إلى إعطاء فرصة “للمشاركة الدبلوماسية”، معتبرا أن تبني موقف “أنت معنا أو ضدنا” فيما يتعلق بالصراع “لن يحل المشكلة”.

وعندما سُئل عما إذا كان أخبر المسؤولين الروس بأنهم ارتكبوا خطأ في أوكرانيا، أجاب “البوسعيدي”: “لا.. لا نقول ذلك.. سيؤدي ذلك إلى الوقوع في لعبة إلقاء اللوم التي لا تسمح بإحراز تقدم نحو إنهاء هذه الحرب”. واعتبر “البوسعيدي” أن الطرفين يتحملان جزءا من المسؤولية وأن هناك “بلا شك سوء تقدير للوضع وانفصال عن الواقع وافتقار للفهم أدى إلى اندلاع هذه الحرب”.

وبالتنسيق مع باقي دول مجلس التعاون الخليجي، لم تفرض عمان أي عقوبات ضد روسيا ردا على عدوانها على أوكرانيا. وأوضح “البوسعيدي” أسباب هذا الموقف، قائلًا: “نحن حقا لا نريد الانجرار إلى هذه المساحة.. لا توجد دولة نجحت معها سياسة العقوبات.. نحن نقضي وقتنا في محاولة إيجاد حل.. لا نريد أن نجعل الوضع أكثر تعقيدًا”.

ويرجع سبب اهتمام مسقط بالحفاظ على علاقات وثيقة مع موسكو إلى عدم الرغبة في التفريط في الزخم الذي اكتسبته العلاقات الثنائية منذ عام 2011، والقضايا ذات الاهتمام المشترك بين البلدين، ومشتريات السلطنة من القمح الروسي. وبدلاً من الاستسلام لضغوط الغرب لمقاطعة روسيا اقتصاديًا ودبلوماسيًا، عملت عُمان على إشراك موسكو بشكل براجماتي، حتى مع استمرار الصراع.

مصالح مشتركة

منذ اندلاع الحرب الأهلية السورية في عام 2011، كانت عُمان الدولة الخليجية الوحيدة التي لم تقدم الدعم للمعارضة السورية. وتقدر موسكو علاقة عمان الدبلوماسية مع حكومة “الأسد” وتعرب عن امتنانها لمسقط لدعمها العلني لإعادة دمج سوريا في جامعة الدول العربية.

وخلال زيارة “لافروف” إلى السلطنة الشهر الماضي، قال إن “موسكو تقدر موقف مسقط الموضوعي والمتوازن من الأزمة السورية، ويمكن للسلطنة أن تلعب دورا في إعادة سوريا إلى الأسرة العربية”. وفي عام 2019، عندما التقى “لافروف” مع وزير الخارجية العماني آنذاك “يوسف بن علوي” للترويج لرؤية موسكو للأمن الجماعي في الخليج، صرح بالمثل أن موسكو ومسقط لديهما “موقف مشترك بشأن سوريا”. وبالمثل، أشاد مسؤولون عمانيون سابقًا بالجهود الدبلوماسية الروسية لحل الأزمة السورية.

ويتماشى حياد عمان بشأن الصراع في اليمن ومعارضتها للتورط العسكري الخليجي مع الموقف العام لروسيا بشأن اليمن.

ومع عضويتهما في “أوبك+”، فإن سياسة الطاقة أيضًا عامل مهم في العلاقة بين عمان وروسيا. وخلال زيارة “لافروف” إلى سلطنة عمان الشهر الماضي، أكد “البوسعيدي” التزام مسقط باتفاقيات الإنتاج الخاصة بالكتلة المكونة من 24 عضوا.

وفي ضوء المعاناة الاقتصادية التي شهدتها عمان خلال الجائحة نتيجة انهيار أسعار النفط، فإن المصالح الوطنية العمانية تقتضي الحفاظ على عائدات عالية من صادراتها الهيدروكربونية لتخفيف الضغوط المالية التي تراكمت في السنوات الأخيرة.

كما تدعم عُمان بحماس إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي الإيراني). وترى مسقط أن جميع الموقعين على الاتفاق النووي – بما في ذلك روسيا – بحاجة إلى الانخراط لدفع واشنطن وطهران لإنقاذ الاتفاق. وببساطة، لا ترى عمان أي بديل واقعي للاتفاق يمكن أن يحل أزمة البرنامج النووي الإيراني سلمياً.

ضغوط متوقعة

تعد عمان مستوردا مهما للقمح الروسي مثلها مثل البلدان الأخرى في المنطقة العربية. ولطالما عُرفت روسيا وأوكرانيا معًا باسم “سلة خبز العالم”، حيث شكلتا 25% من إجمالي صادرات القمح العالمية قبل 24 فبراير/شباط الماضي. وفي عام 2010، نما اعتماد عُمان بشكل متزايد على واردات القمح الروسية لتلبية احتياجات البلاد من هذه السلعة.

ووفقًا لبيانات الأمم المتحدة، جاء ما يقرب من 50% من واردات السلطنة من القمح من روسيا وأوكرانيا في عام 2021. ومع ذلك، أكدت السلطات العمانية أن البلاد لن تعاني من نقص إمدادات القمح نتيجة للحرب في أوكرانيا. وفي الشهر الماضي، أشار الرئيس التنفيذي لشركة المطاحن العمانية “هيثم بن محمد آل فنه” إلى مجموعة متنوعة من البلدان التي تستورد عمان القمح منها – مثل أستراليا – لتعزيز موقف الحكومة.

ومع ذلك، يجب أن تظل السلطات العمانية حذرة نظرا للاحتجاجات الواسعة التي شهدتها البلاد العام الماضي نتيجة ارتفاع تكاليف المعيشة، وتدرك القيادة في مسقط أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية يمكن أن يكون له عواقب سلبية على البلاد. وينبغي الإشارة إلى أن الفوائد الاقتصادية التي تجنيها الدولة العمانية من ارتفاع أسعار النفط تمنح مسقط المزيد من الموارد المالية للتعامل مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية.

ومع ذلك، فإن الضغوط الجيوسياسية التي خلفتها حرب أوكرانيا تمثل تحديا لسياسة الحياد العمانية. وسيتعين على عُمان التعامل مع المنافسة المتزايدة بين القوى العظمى وزيادة الانقسام بين الشرق والغرب، ما قد يعقد عدم انحياز السلطنة تجاه أزمة أوكرانيا.

المصدر | جورجيو كافيرو | منتدى الخليج الدولي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى