حصاد الريح
| منذر عيد
الأربعاء, 15-06-2022

يبدو أن رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان بدأ بحصاد الريح من الحقول في شمال شرق سورية، بعد أن ظن واهماً أنه يمكن أن يخرج بغلة وفيرة في شهر «حزيران الحصاد» عبر عدوان يمكنه من الوصل إلى وهم قديم وهو إقامة ما سماه منطقة آمنة بعمق 30 كم داخل الأراضي السورية على طول حدودها الشمالية.
بخلاف الأسابيع السابقة، وما تلا من إعلان أردوغان بشن عدوان على الأراضي السورية، خفت قرقعة السلاح على طول خطوط التماس بين الجيش العربي السورية وميليشيات «قوات سورية الديمقراطية- قسد» من جهة، وقوات الاحتلال التركي ومرتزقتها من جهة أخرى، وخف، حد الاختفاء، صوت رئيس النظام التركي بما يخص ما هدد به، ليستمر الجيش العربي السوري بتعزيز قواته في جبهات تل رفعت ومنبج بريفي حلب الشمالي والشمالي الشرقي، بالتوازي مع استمرار القوات الروسية بلجم اندفاعة النظام التركي، والقيام بتثبيت وقف إطلاق النار.
تقول التقارير والتقديرات: إن عدم إقدام النظام التركي على شن عدوانه، ليس سوى فرملة بعد جملة الاعتراضات التي لاقاها من روسيا وأميركا، وليس إلغاء للعدوان، وبان أردوغان، يعيد ترتيب أوراقه، لزجها في مفاوضات جديدة مع موسكو وواشنطن، مستغلاً كما العادة، المتغيرات الدولية، وما يجري في أوكرانيا، وحاجة روسيا إلى الحياد التركي، إن لم يكن الاصطفاف إلى جانبها، كما أن أردوغان يتحين الفرصة لاقتناص موافقة واشنطن على شن العدوان، من خلال حاجة الأخيرة لموافقة أنقرة في الناتو لانضمام فنلندا والسويد إلى الحلف، الأمر الذي أكده مسؤول تركي لوكالة «رويترز»، أن بلاده ستنفذ هذه العملية بطريقة أو بأخرى، لتوضح مصادر تركية مطلعة «أن الشرط الروسي والأميركي يتمثل بأن تكون العملية العسكرية التركية محدودة بموجب ما يتم التفاهم عليه»، مشيرة في الوقت ذاته إلى أن حرب أوكرانيا هي ورقة رابحة بيد أنقرة لكسب رضا واشنطن وموسكو بهذه العملية.
في المنطق، إن صمت أردوغان الحالي لا يعني الاستسلام، لسبب بسيط وهو أن تراجعه عن شن عدوان دون حصوله على أي مقابل من الجانب الروسي أو الأميركي، سيشكل له حرجاً كبيراً، وربما ينعكس عليه انتكاسة داخلية، سوف تظهر نتائجها في الانتخابات المقبلة، وفي الحسابات السياسية، فإن أردوغان يرفض التسليم وفق تلك الترجيحات أو التوقعات، ومن المؤكد أنه يسعى لإجراء مفاوضات مع الروسي والأميركي، لحصوله على نصر معنوي أو شكلي يقيه شر الفضيحة الداخلية أمام مناصريه ومنافسيه.
في انكفاء المخطط التركي العدواني على شمال شرق سورية، واضمحلال المناطق المدرجة ضمنه سابقاً، لتقتصر على عملية عدوانية على محيط منبج وتل رفعت بريف حلب، تصبح الموافقة الأميركية من منسيات أردوغان، كما يقول المراقبون، لعدم وجود قوات للاحتلال الأميركي في تلك المنطقتين، وباتت المعضلة لدى النظام التركي تنحصر وتتمثل في الموقف الروسي، ولقد ظن أردوغان سابقاً أن سورية لم تعد من الأوليات الروسية بعد بدء الحرب في أوكرانيا، وأن بإمكانه استغلال الانشغال الروسي في أوكرانيا لشن عدوانه، وهو ما لم يتحقق ولن يتحقق لأن موسكو متمسكة بموقف حازم ورافض لأي عمل عدواني، بل وتكثف من وجود قواتها على طول خطوط التماس في الشمال، ويتقاطع ذلك مع نفي مصادر من ميليشيات «قسد» انسحاب القوات الروسية المنتشرة في تل رفعت.
يبدو أن نهاية أحلام أنقرة «الآمنة» قد أزفت