هل يتحمس بايدن لتحالف إسرائيل ودول خليجية ضد إيران؟
يمثل التطور الهائل في علاقات إسرائيل الأمنية مع كل من دولتي الإمارات والبحرين مفاجأة للعديد من المراقبين داخل العاصمة الأميركية واشنطن وخارجها. وتعد الرغبة الإسرائيلية في نشر رادارات مشتركة في المناطق الخليجية تصعيدا كبيرا وتهديدا مباشرا للأمن القومي الإيراني، حسب مراقبين.
ولم يمثل التحذير الإيراني لبعض الدول الخليجية مفاجأة لصانعي القرار في واشنطن الذين يتخذون موقفا مزدوجا تجاه التوتر المتصاعد في الخليج؛ فمن ناحية، يدعمون أي تعاون عسكري يقوي من تطبيع العلاقات الإسرائيلية مع أي دولة عربية، ومن ناحية أخرى تعمل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن على إحياء الاتفاق النووي مع إيران، وهو ما يرفع الكثير من العقوبات المفروضة على إيران، ويضاعف من عائداتها بالعملات الصعبة.
وترى إيران الخليج العربي منطقة نفوذ تقليدية لها، في حين ترى واشنطن أن إيران على رأس مصادر التهديد لدول الخليج العربية.
بايدن يدعم الحلفاء: إسرائيل والعرب
يعتقد ديفيد بولاك، المسؤول السابق بوزارتي الخارجية والدفاع، والخبير حاليا بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، أن “إدارة بايدن تريد أن تظهر مساعدة لحلفائها -العرب وإسرائيل- في الدفاع عن أنفسهم ضد إيران، في الوقت الذي تحاول فيه التوصل إلى اتفاق نووي مع طهران في الوقت ذاته”، وأضاف بولاك -في حديث للجزيرة نت- “لا يوجد تناقض بين الهدفين، فهذه إستراتيجية لردع إيران، وربما يدفعها ذلك مرة أخرى نحو السعي الجاد للتوصل إلى اتفاق”.
وتقوم إدارة الرئيس بايدن بفعل كل ما في وسعها لدمج إسرائيل عسكريا مع شبكة حلفائها بالمنطقة. وفي الأول من سبتمبر/أيلول الماضي، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) دخول إسرائيل رسميا نطاق مسؤوليات منطقة القيادة الوسطى العسكرية “سينتكوم” (CENTCOM) إلى جانب بقية دول الشرق الأوسط الأخرى.
وجاءت تلك الخطوة بعد عام واحد من التوقيع على ما يُعرف باتفاقات أبراهام، إذ طبعت عدة دول عربية علاقاتها مع إسرائيل، مثل دولة الإمارات والبحرين والمغرب. وتسمح خطوة البنتاغون الأخيرة بتعزيز التنسيق بين القوات الأميركية المنتشرة في المنطقة وشركائها العرب وحليفتها إسرائيل، في الوقت الذي تركز فيه إدارة الرئيس جو بايدن على مواجهة ما تراه تهديدات إيرانية متزايدة.
وعلى مدار العقود الماضية، كانت إسرائيل تقع ضمن نطاق القيادة الأوروبية “إيوكوم” (EUCOM) بسبب حالة العداء بينها وبين الدول العربية التي تمثل العمود الفقري لنطاق عمليات القيادة الوسطى، وذلك منذ تأسيسها عام 1983.
ومن جانبه، يحاول الكونغرس حث إدارة بايدن على فعل المزيد لدمج إسرائيل مع الدول الخليجية، وقدم أعضاء من الحزبين مقترحا تشريعيا يطلب من البنتاغون المساعدة في دمج الدفاعات الجوية لدول الشرق الأوسط الحليفة، لتحفيز التعاون الأمني ضد تهديدات طهران. ويقترح التشريع أن تساعد واشنطن كلا من إسرائيل والدول العربية في تنسيق دفاعاتها الجوية ضد إيران من خلال قيام البنتاغون بدمج الدفاعات الجوية لهذه الدول وربطها ببعضها بعضا.
مخاوف من التصعيد غير المسبوق
منذ نجاح الثورة الإيرانية عام 1979، عرفت العلاقات الإيرانية الإسرائيلية درجات مختلفة من التوتر والتصعيد والحروب بالوكالة. وفي حديث مع الجزيرة نت، أشار جوردان رايمر، الخبير بمؤسسة راند، والمتخصص في القضايا العسكرية الإستراتيجية، إلى أن التوتر الحالي يختلف عما عهدناه على مدار السنوات الماضية.
وقال رايمر إن “التوتر الحالي فريد من نوعه في اتساع نطاق الهجمات بين البلدين -سواء من حيث الكم وتنوع المجالات- والاستعداد للاستخدام العلني المتكرر للقوة. لقد رأينا حرب الظل هذه بين إيران وإسرائيل تدور رحاها في الجو والبر والبحر والفضاء الإلكتروني. ولأول مرة، شهدنا هجمات إيرانية وإسرائيلية متكررة على سفن بعضهما بعضا، أُزهقت فيها أرواح. كما شهدنا إدخال هجمات الطائرات بدون طيار، بما في ذلك تلك المسيرات التي أُطلقت من البلدان المجاورة”.
ويؤكد رايمر، الذي شغل سابقا عدة مناصب في وزارة الخارجية ووزارة الدفاع وهيئة الأركان المشتركة تتعلق بمنطقة الشرق الأوسط، أن “هناك دائما احتمالا أن تتصاعد الهجمات المتبادلة بين إسرائيل وإيران إلى حرب صريحة، محدودة أو ممتدة، بسبب سوء التقدير، أو إذا تجاوز أحد البلدين عتبة التسامح مع العنف أو الخسائر البشرية لدى الطرف الآخر. ومع ذلك، يبدو حتى الآن أن قادة الدولتين عازمون على إبقاء الصراع مستمرا، ولكن على نحو هادئ، لضمان عدم إجبارهم أو إجبارهم على الدخول في حرب أكثر شمولا”.
من ناحية أخرى، رأى تشارلز دان، المسؤول الاستخباراتي السابق والباحث حاليا بمعهد الشرق الأوسط، أن ما يحدث الآن من تعاون عسكري إسرائيلي مع بعض الدول الخليجية “يمثل تهديدا لإيران”، وأضاف أن “إيران قد تكون قد خلصت إلى أن حجم التهديدات والضغوط يتزايد ضدها، وعليه قررت الحسم والذهاب إلى الخيار النووي”.
وتضيف الحرب الروسية على أوكرانيا الكثير لحسابات دولة مثل إيران؛ إذ تتحسب لسيناريوهات مواجهة مع دولة كبرى كالولايات المتحدة.
وأضاف دان، في حديث مع الجزيرة نت، أنه “ربما تنظر إيران إلى البيئة المعادية حولها وتحكم عليها من خلال مثال كوريا الشمالية، أو حتى مثال غزو روسيا لأوكرانيا، على أنه مثال على ما يجب فعله عندما تكون مهددا من جميع الجهات؛ حيث لا يبقى سوى إطلاق تحذير لا يجرؤ الآخرون على عبور حده الواضح، أو على الأقل رفع حسابات التكلفة بشدة إذا فكروا في تخطي هذا الحد”.
تعقيدات التنسيق العسكري الإسرائيلي مع دول خليجية
وفي حديث للجزيرة نت، رأى ديفيد دي روش، القائد العسكري السابق والأستاذ المساعد حاليا في مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا للدراسات الإستراتيجية بجامعة الدفاع الوطني التابعة للبنتاغون، أن خطوات دمج إسرائيل عسكريا مع دول خليجية أمر شديد التعقيد وصعب التطبيق.
وأشار دي روش إلى أن مشروع القانون المقترح “لا يتم بحثه، أو التنسيق بخصوصه مع إدارة بايدن، في الوقت ذاته، سيكون من الصعب على الإدارة معارضته. ويعتقد أعضاء الكونغرس أنهم يساعدون في حل مشكلة طويلة الأجل، أنهم يعملون بعيدا عن أولئك الذين يعملون منذ أكثر من عقد من الزمان في محاولة جعل شركائنا في الشرق الأوسط يطورون نظام دفاع جوي ودفاع صاروخي مشتركا.”
ويقر الخبير العسكري بأن نظام الدفاع الجوي المتكامل يعد مفيدا للغاية في المساعدة على مواجهة تهديد الصواريخ الباليستية الإيرانية. ومن شأن وجود شبكة موزعة من أجهزة الاستشعار وصواريخ الدفاع الجوي توفير نظام فعال يمكنه رصد القذائف والصواريخ فور انطلاقها، واعتراضها بصورة أفضل من النظم الدفاعية التي تمتلكها كل دولة على حدة.
إلا أن دي روش يؤكد في الوقت ذاته أن هذا التصور شديد التعقيد وصعب جدا تنفيذه على أرض الواقع، وقال “حتى بين دول مجلس التعاون الخليجي، هناك مقاومة لربط شبكات الدفاع الجوي الخاصة بها، ومن المرجح أن يؤدي إضافة إسرائيل إلى هذا المزيج إلى تعقيد المشكلة أكثر من إصلاحها. القضية ليست امتلاك هذه النظم الدفاعية، بل غياب الثقة. الثقة غير متوفرة، حتى بعد اتفاقات العلا التصالحية. هل يمكن أن تكشف الإمارات عن مواقعها غير المحمية لإسرائيل، والعكس بالعكس، في نظام دفاع متكامل. هل تعتقد حقا أن إسرائيل ستشارك تفاصيل الدفاعات الجوية لمفاعل ديمونة النووي مع مصر والبحرين وأبو ظبي؟ وهذا ما يدعو إليه مشروع القانون الكونغرس المقترح!”
بماذا سيخبر بايدن الإسرائيليين؟
ستكون قضية مواجهة إيران على رأس جدول أعمال زيارة الرئيس بايدن للمنطقة يوليو/تموز القادم التي تأخذه إلى إسرائيل والمملكة السعودية.
وأشار بولاك -في حديثه للجزير نت- إلى أن الرئيس جو بايدن سيخبر الإسرائيليين خلال زيارته “بتخفيف واشنطن لشروطها المتعلقة بملفات الاتفاق النووي من أجل الوصول لاتفاق، وسيقبل الإسرائيليون ذلك”.
من جانبه، أشار جورجيو كافيرو، مدير مؤسسة دراسات دول الخليج بالعاصمة الأميركية، إلى أنه بغض النظر عما سيتحدث به بايدن لزعماء إسرائيل والدول الخليجية، “وبغض النظر عن كيفية سير المفاوضات النووية الإيرانية، فمن الآمن المراهنة على أن الإمارات والبحرين من جانب وإسرائيل من جانب آخر، سيواصلان جهودهما لإنشاء محور أمني جديد في المنطقة المضطربة التي تتمتع باستقلال متزايد عن واشنطن”.
المصدر: “الجزيرة نت”