من أبرز ما تناولته الصحف اللبنانية اليوم
كتبت النهار
فهمكم كفاية…. استبشروا!
لا تسمح الظروف المأزومة للبنان بإسقاط المخاوف التلقائية من انفجار مواجهة بين إسرائيل و”حزب الله” ولو اقتصر فعل تطيير مسيّرات غير مسلحة للحزب الى أجواء “كاريش” على إيصال الرسالة بتعطيل أعمال التنقيب والحفر في الجانب المتنازع عليه مع لبنان. تطيير هذه المسيّرات جاء في زمن حمّال أوجه ومتعدد الاستهدافات ومتنوع التأزمات على نحو دائري بما يفترض معه ان “يستفيق” أهل الكهف السياسي اللبناني الهازجين بكل السخافات الداخلية فيما يقترب لبنان مما يشبه كثيرا حقبة مطالع الثمانينات من القرن الماضي بما جسّدته آنذاك “أزمة الصواريخ” التي تمادت مفاعيلها تباعا نحو الاجتياح الإسرائيلي عام 1982. لن نغرق في عبثية السؤال العقيم عما اذا كانت دولة “المعادلة الثلاثية” (شعب وجيش ومقاومة) الفارغة من أي مضمون جدي نظراً الى السيطرة المطلقة لسياسات واستراتيجيات “حزب الله” على هذه الدولة منذ أن فُرضت هذه المعادلة على واقع السلطة، قد اخذت علماً مسبقا بإمكان تطور ملف ترسيم الحدود البحرية الى مواجهة ميدانية. فالفضيحة الهزلية التي كشفها تطيير المسيّرات الى قبالة “كاريش” هي في كون الرسالة التي اطلقها “حزب الله” لم تستهدف تهديد إسرائيل وحدها بل ربما أولا “حليفته” الدولة اللبنانية التي كان أركانها والمعنيون بملف مفاوضات الترسيم قد تبلّغوا للتوّ المعطيات الإيجابية عن تقدم يحرزه آموس هوكشتاين في وساطته بين لبنان وإسرائيل، فاذا بالمسيّرات تنغصّ على السلطة اللبنانية التفاؤل بإمكان التقدم نحو استئناف مفاوضات الترسيم.
هذا البُعد يضع ملف الترسيم ومعه كل الواقع اللبناني أمام “حرب الفيلة” الإقليمية الدائرة بالواسطة والمنذرة بمزيد من زجّ لبنان المنزلق بقوة مخيفة نحو متاهات جديدة من كارثة الانهيار، في الدائرة التصعيدية الاوسع والاشد اثارة للقلق عليه عند اعتاب استحقاقاته الدستورية وكأننا تماما أمام استعادات لحقبات حربية في الثمانينات كما قبيل حرب 2006. يكفي التطلع الِى رسم بياني “دائري” لما أحاط بالتطورات الأخيرة في ملف الترسيم البحري واستخراج الغاز، وبازاء الضياع او التشتت او العجز او الاستسلام السلطوي الخالص، لكي يدرك المستخفّون واللاهون والاغبياء من أي اتجاه سياسي داخلي مدى الخطورة التي ينزلق اليها لبنان في ما يعنيه مباشرة وفي ما لا يعنيه إلا مداورة، وهنا مكمن الخطر الأكبر. السخونة التصعيدية في ملف الترسيم تأتي بتزامن غرائبي خطير مع كل هذا: وضع إيراني شديد التأزم داخليا ودوليا مع الانسداد في مفاوضات النووي ومع انفجار داخلي تجسّده تظاهرات في عشرات المدن منذ اشهر. وضع سوري أشد تأزماً تمثله الغارات الإسرائيلية المتعاقبة على مطار دمشق ثم على طرطوس مع ما تردد عن استهداف مخازن لإيران ولـ”حزب الله”. وضع مأزوم لـ”حزب الله” نفسه مع احتمال حصول اختراق جدي وتاريخي على يد الوسيط الأميركي في مفاوضات الترسيم يُسقط ورقة “مزارع شبعا” البحرية من يده. وضع اسرائيلي شديد الخطورة والتأزم مع اضطراب سياسي داخلي يتمثل في انتقال السلطة الى رئيس الوزراء الجديد بعد حلّ الكنيست كما مع تنامي نذر المواجهة مع ايران وحلفائها في ميادين النزاع بين سوريا ولبنان وغزة. ولعلنا لن نسقط نقطة تحتمل دلالات في التوقيت والشكل والمضمون وهي ان تطيير “حزب الله” للمسيّرات حصل في اليوم نفسه الذي كانت بيروت تستضيف لقاء عربيا … وفهمنا وفهمكم كفاية في كل هذه الدلالات المبشّرة بصيف “الاسترخاء السياحي” العارم !!!