تغيرات كبرى.. معالم المفهوم الاستراتيجي الجديد لحلف الناتو
للمرة الأولى منذ عام 2010، يتبنى حلف شمال الأطلسي “الناتو” مفهومًا استراتيجيًا جديدًا يسلط الضوء على التحولات في أولويات الحلف مع احتدام الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وتوسع النفوذ الصيني في آسيا، وارتفاع درجات الحرارة في جميع أنحاء العالم.
وفي 29 يونيو/حزيران، كشف الناتو عن المفهوم الاستراتيجي الجديد الذي يحدد المبادئ التوجيهية للحلف وأهدافه. وتصف الوثيقة المحدثة روسيا باعتبارها “التهديد الأكثر أهمية ومباشرة” لسلام وأمن أعضاء الناتو، حيث تسعى موسكو إلى “إنشاء مناطق نفوذ وسيطرة مباشرة من خلال الإكراه والتخريب والعدوان والضم باستخدام الوسائل التقليدية والإلكترونية والهجينة”.
وتمثل هذه اللغة القاسية تغييرا جوهريًا عن النسخة السابقة في عام 2010، عندما قال الناتو إنه “يسعى إلى شراكة استراتيجية حقيقية مع روسيا وسيتصرف وفقًا لذلك مع توقع المعاملة بالمثل من روسيا”.
ويزيل المفهوم الاستراتيجي المحدث أيضًا أي ذكر لـ”القانون التأسيسي لحلف الناتو وروسيا بشأن العلاقات والتعاون والأمن المتبادلين” (NATO-Russia Founding Ac) والذي حكم العلاقات بين الحلف وروسيا منذ 1998 وأعادت نسخة 2010 التأكيد عليه.
لكن النسخة المحدثة تضمنت أيضا التأكيد على أن الناتو مستعد “للحفاظ على قنوات اتصال مفتوحة مع موسكو لإدارة المخاطر ومنع التصعيد وزيادة الشفافية”، ما يشير إلى الرغبة في الحفاظ على الروح التي حكمت العلاقة خلال الـ24 عامًا الماضية، لكن الاستراتيجية الجديدة ستظل تغذي مخاوف روسيا بشأن توسع الناتو وستدفع موسكو إلى زيادة وجودها العسكري في منطقة البلطيق.
وللمرة الأولى أيضا، تعتبر الوثيقة الصين تحديا استراتيجيا بسبب ما وصفته بـ”سياسات بكين القسرية”. واستجابة لهذه الأولويات المتغيرة والتهديدات المتصورة، أعلن الناتو أيضًا عن تغييرات في وضع قوته، بما في ذلك توسيع قوة الرد السريع التابعة له وعمليات نشر جديدة للقوات الأمريكية على حدود روسيا.
ويخطط الناتو لزيادة حجم قوة الرد السريع بنحو 8 أضعاف بحلول العام المقبل، من 40 ألف إلى 300 ألف جندي، كما تخطط الولايات المتحدة تحديدا لتوسيع وجودها العسكري بشكل كبير في أوروبا.
وفي 29 يونيو/حزيران، أعلن الرئيس الأمريكي “جو بايدن” أن واشنطن ستنشئ مقرًا دائمًا في بولندا للفيلق الخامس للجيش الأمريكي، وسترسل 5 آلاف جندي إضافي إلى رومانيا، وستزيد عمليات الانتشار الدورية في دول البلطيق (وهي إستونيا ولاتفيا وليتوانيا).
كما سترسل الولايات المتحدة سربين إضافيين من مقاتلات “إف-35” إلى المملكة المتحدة، وستقوم بوضع أنظمة دفاع جوي إضافية في قواعد في إيطاليا وألمانيا، وسترفع عدد المدمرات البحرية في روتا بإسبانيا من 4 إلى 6 مدمرات.
ومع زيادة قوات الناتو في بولندا ودول البلطيق – ناهيك عن انضمام السويد وفنلندا الوشيك إلى الحلف – ستتجه روسيا إلى زيادة قوتها وقدراتها النووية في منطقة البلطيق.
ولا تتعارض تحركات قوات الناتو الوشيكة مع رغبة الحلف المعلنة في الحفاظ على إمكانية الحوار مع موسكو. ومع ذلك، فإنها تتعارض مع رغبة روسيا في تقليص وجود الناتو في محيطها، وهو ما أعربت عنه موسكو قبل غزو أوكرانيا في فبراير/شباط.
ويعيد المفهوم الاستراتيجي لعام 2022 أيضًا التأكيد على قرار قمة بوخارست لعام 2008 الذي قال إن أوكرانيا وجورجيا ستكونان يومًا ما أعضاء في الناتو، مضيفًا أن “القرارات المتعلقة بالعضوية يتخذها حلفاء الناتو وليس لأي طرف ثالث رأي في هذه العملية” وهي ضربة لروسيا بشكل واضح.
في حين أن هذا لا ينذر بأي عمل ملموس أو وشيك فيما يتعلق بتطلعات جورجيا وأوكرانيا للعضوية في الناتو، فإنه سيزيد من التوترات مع روسيا وسيعطيها الذريعة السياسة لتبرير تصعيد الحرب في أوكرانيا و/أو تدابير زعزعة الاستقرار في جورجيا أو مولدوفا.
إن الإشارة إلى الصين (للمرة الأولى على الإطلاق) باعتبارها “تحديًا” استراتيجيًا تعكس أيضًا مخاوف الناتو الجديدة من نفوذ بكين المتزايد في آسيا.
ولم يذكر المفهوم الاستراتيجي لعام 2010 الصين ولا منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ولكن وثيقة 2022 خصصت مساحة كبيرة للصين، التي تتحدى “مصالح الناتو وأمنه وقيمه”، وتقول: “منطقة المحيطين الهندي والهادئ مهمة لحلف شمال الأطلسي، بالنظر إلى أن التطورات في تلك المنطقة يمكن أن تؤثر بشكل مباشر على الأمن الأوروبي الأطلسي”.
ويمثل ذلك تغييرًا كبيرا في اللهجة تجاه الصين. وبناء على وثيقة 2022، سيعزز الحلف التعاون مع الشركاء الجدد والحاليين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ لمواجهة التحديات الأمنية المشتركة”، ومع ذلك، فإن المفهوم الاستراتيجي المحدث يوضح أيضًا أنه “الباب سيظل مفتوحًا أمام المشاركة البناءة مع الصين”.
ويسلط المفهوم الاستراتيجي لعام 2022 الضوء على قضايا مهمة أخرى مثل الأمن السيبراني وتغير المناخ والحكم الاستبدادي باعتبارها تهديدات تواجه الحلف.
وفي وثيقة المفهوم الاستراتيجي لعام 2010، تم ذكر “تغير المناخ” مرة واحدة فقط بينما تم ذكره 11 مرة في نسخة 2022. وأكدت الوثيقة المحدثة على أن الناتو يجب أن “يصبح المنظمة الدولية الرائدة عندما يتعلق الأمر بفهم تأثير تغير المناخ على الأمن”.
وتم إيلاء اهتمام إضافي بالهجمات الإلكترونية، وأعاد الحلف التأكيد على سياسته المتمثلة في مواجهة “الأنشطة السيبرانية الخبيثة والعمليات العدائية المتعلقة بالفضاء” وقد يدفع ذلك الناتو إلى تفعيل المادة 5 الخاصة بالدفاع المشترك لردع الهجمات الإلكترونية التي تسبب ضررًا ماديًا.
أخيرًا، يشير المفهوم الاستراتيجي لعام 2022 عدة مرات إلى الاستبداد باعتباره تحديا يواجه مصالح الحلف وقيمه، وهو تهديد لم يتم الاعتراف به بشكل مباشر في عام 2010.
المصدر | ستراتفور