أخبار محلية

طوارئ، طوارئ، كتبت أحلام بيضون.

حدثتني زميلتي قالت:
“لا تعتبي كنت غائبة”. وقبل أن أسأل، أكملت: “سأخبركي بما يجري من قبل المؤتمنين على صحة الناس، وممن أقسموا يمين أبقراط”.
استعجلتها بأن تخبرني، فقالت: “البارحة مساء، هب حريق في الحرش القريب من بيوتنا، يبعد فقط ثلاثة أمطار عن البناء حيث أسكن، تنبهت لذلك حين سمعت سكان بناية مقابلة يصرخون على الناطور، وهم بعيدون نوعا ما. أسرعت إلى الحديقة، وأخذت خرطوم الماء، وتسلقت جدار الحديقة، وبدأت أقذف بالماء قدر استطاعتي. في هذه الأثناء، جاء آخرون، لكن لسوء الحظ، شعرت بعارض غريب، بضيق شديد في صدري مصاحب بألم، مع ذلك، أكملت حتى تبتل الأرض من جهتنا، وتعيق تقدم النار، ولكن حين لم أعد أستطع، تركت، ودلفت إلى المنزل، حيث استلقيت على السرير، وبدأت أتنفس بسرعة، متبعة تعاليما قرأتها في مكان ما، لمن يشك بذبحة قلبية، وبانتظار الإسعاف. ولما استمرت الحالة بدون تحسن، اتصلت بالطوارئ، وفي تلك الأثناء حملت كل ما لدي من نقود. تأخروا لكنهم أتوا. إنما سألوني عن إسم المستشفى الذي أرغب بالوصول إليه، واخترت واحدا كون أخي له عيادة خاصة فيه. جوابهم كان أن هذا يحتاج إلى حجز سابق، وحين تعجبت، أكدوا لي ذلك. حينها اضطررت أن أطلب الاتصال بأخي لكي يفعل ذلك من أجلي، ولم أكن أرد إزعاجه ليلا.
وصلنا إلى المستشفى المقصود، ولكن كان علي البقاء على باب الطوارئ، فأخي لم يكن قد وصل ودفع الدخول، وهو مبلغ مليون ليرة على ما أعتقد.
على كل مرت الأمور على خير، فقد تمهّلت الذبحة القلبية، متفهمة الوضع، وفي الطوارئ أجري اللازم، وزال الألم، ولكن تبين أنه يجب أن أبقى.
وفي اليوم التالي، وبعد التأكد من سلبية فحص الكورونا، صُعد بي إلى طابق العناية، الذي كان خالي إلا من مريضة كوما.
وأكملت: “وحتى لا أطيل عليك، تمّ إجراء تشخيص يتعلق بالشرايين، ثم أودعت الغرفة للمراقبة كما قالوا. ما لبث أن حضر موظف يطلب أن ندفع تأمين، سلمته عشرة مليون ليرة، بالإضافة إلى مليون سابق دفع قبل الدخول، وإلى فحض الكوفيد، وعبأنا الأوراق اللازمة. وسألتهم: لماذا يأخذون المال وأنا أستاذة جامعية، والمفترض أن يدفع صندوق التعاضد لهم لأنني دخلت عن طريق الطوارئ؟ أجابوا بأن الصندوق لا يدفع. ولا يقبلون إلا نقدا.
المهم أبقوني ليلة ثانية كي يجروا تصوير القلب، وكان بإمكانهم فعل ذلك في اليوم ذاته.
انتهى ما يلزم القيام به، واستعديت للمغادرة، غير أنهم لم يسمحوا لي، يجب أن أبقى حتى تحضير إذن الخروج، بعد الحساب والدفع. وكررت عليهم أنه يجب الاتصال بصندوق التعاضد، فقالوا أن الصندوق لا يجيب. عندها، أكدت لهم أني أحمل مالا، وأن بإمكاني الدفع والمغادرة، غير أنهم لم يسمحوا لي بمغادرة الطابق. وبقيت على هذه الحال، منذ التاسعة صباحا وحتى الواحدة ظهرا، إلى أن أنهى أخي الدكتور الإجراءات، وحيث بلغ المتوجب علي 14 مليون ليرة، بعد الحسم الخاص، ورغم أن طبيب القلب لم يقبل أن يتقاضى أتعابه، يعني كان يجب أن أدفع عشرين مليونا”
توقفت زميلتي قليلا كي تأخذ نفسا واسترخاء لزوم حالتها، ثم تابعت: “بعد الخروج انطلقت مباشرة إلى صندوق التعاضد، وهناك سألت الموظفة عن سبب عدم الرد على اتصال المستشفى، فاستنكرت، وقالت: “نحن هنا طيلة الأسبوع، طيلة النهار، لم يصلنا شيء، لا فكس ولا تلفون من المستشفى المذكور”. ولما قدمت الأوراق، قالت أنه ليس بإمكانها قبولها بالصيغة الموجودة، بل يجب إحضار فواتير مفصّلة بالمبالغ المدفوعة، وعدم الاكتفاء بالمبلغ الإجمالي. اقتنعت بما قالت، واتصلت بالمستشفى كي يقوم بذلك.
طبعا، لو لم ترو زميلتي الواقعة لما صدقت كيف أن مؤتمنين على حياة الناس، وممارسين لمهنة إنسانية، تحضر لديهم حالات خطرة، ويتركونها دون أن يقدموا لها الإسعافات اللازمة كي لا تخسر حياتها بسبب التقصير والإهمال! أو كيف أنه يجري احتجاز المرضى كالمساجين، دون أن يسمح لهم أن يغادروا الطابق، حتى لو كانوا يحملون المبالغ المطلوبة، وبإمكانهم أن يدفعوا ما يطلبه المستشفى!
لبنان لسوء الحظ كله في حالة طوارئ! ولكن معالجة حالته تتم كمعالجة مريض الطوارئ بعد أن يؤدي ما عليه وأكثر. فمن يخرج المرضى من استبداد المستشفيات وعدم إنسانية القائمين عليها؟ ومن يخرج لبنان من استبداد المسؤولين عنه حرامية العصر، ومافيا كل العصور؟
أحلام بيضون
بيروت/13/8/2022

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى