التسلل خلف المصطلحات..
*خاص * Bawwabatbaalback كتب الباحثالسياسي خالد المقداد.
من المعروف أن كل المستندات التي يتلقاها المخ البشري تدخل إليه دون وعي منا، وكذلك تتفاعل في داخله في مستوى اللاوعي، وبعد فترة تظهر في مستوى الوعي، وتؤثر في دوافعنا وحياتنا..
فعند قولك لي “مثلية”، سأقول لك شذوذاً جنسياً، لأن الجنس غريزة والغرائز تشذب ولا تطلق، فإنفاق المال دون رشد يسمى إسرافاً، والشح به يسمى بخلاً، وإنفاقه في وجه الحق يسمى كرماً.
وإذا قلت لي “منطقة آمنة”، سأقول لك احتلالاً وعدواناً. فالوظيفة الأولى للحدود هي حماية الدولة من الغزو المفاجئ، وفي هذا الصدد تقوم الدولة بخلق تحصينات داخل حدودها كسور الصين العظيم الذي أنشئ في القرن الثالث قبل الميلاد، ليحميها من هجمات الرعاة القادمين من الشمال، والجدار الذي أقامته الامبراطورية الرومانية على نهر الدانوب ليحميها من هجمات رعاة وسط آسيا، وخط ماجينو الذي ضم التحصينات الفرنسية على حدودها الشمالية الشرقية مع ألمانيا، وخط سغفريد الذي ضم التحصينات الألمانية على حدودها مع فرنسا. فحماية حدود الدولة تقع ضمن هذه الدولة، ولا تتعداها إلى خلق كيانات وكنتونات داخل إقليم الدولة المجاورة، وإلا كنا أمام عدوان وفق المادة الأولى من قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3314 لعام 1974، والتي تنص على أن: “العدوان هو استخدام القوة المسلحة من قبل دولة ضد السيادة أو الوحدة الإقليمية.. لدولة أخرى…”، ويستوي في ذلك أن تشن الدولة عدوانها بقوات جيشها النظامية أو بمجموعات أو عصابات مسلحة أو جماعات غير منظمة أو مرتزقة وذلك وفق المادة /3 – ز/ من ذات القرار.
فإذا قلت لي “الجدار العازل”، سأقول لك جدار الفصل العنصري، أقلَّه لأنَّه يخالف قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بتقسيم فلسطين.
وإذا قلت لي “الربيع العربي”، سأقول لك الخريف الجمهوري، لأن الأحداث التي شهدتها الأعوام 2010 _ 2022 من أخطر الأحداث التي شهدتها دول الجمهوريات العربية (كقطع الرؤوس، وإحراق الأحياء، وغيرها مما شاهده الجميع وتنكره الإنسانية).
وإذا قلت لي “معارضة مسلحة”، فإنك ستكون قد وصلت إلى درجة عالية من الانحراف القانوني وتشويه المصطلحات، فالمعارضة هي الجناح الثاني للنظام الدستوري في الدولة، فالمستقر في الأنظمة الدستورية المعاصرة أنَّ الانتخاب هو الوسيلة الشرعية الوحيدة للوصول إلى الحكم، وأنَّ الأحزاب السياسية هي التي تتولى مهمة الترشيح وخوض الانتخابات التشريعية، وبالتالي فإن الحزب أو الأحزاب الفائزة في الانتخابات التشريعية هي التي تتولى تشكيل الحكومة، وما يقابلها من حزب أو أحزاب خاسرة في الانتخابات ستنتقل إلى القيام بدور المعارضة السياسية، وهذه المعارضة في المملكة المتحدة على سبيل المثل تتمتع بوضع قانوني مميز، فهي تسمى “معارضة حكومة جلالة الملكة “، وتتلقى راتباً رسمياً من السلطة البريطانية. وبالتالي فالمعارضة هي عمل قانوني، بل هي أرقى أنواع العمل القانوني من ناحية الالتزام بالدستور والقوانين النافذة.
وأخيراً، أقول لك: شئت أم أبيت، الشرق عدو لحكومات الغرب، والأمة العربية جزء من هذا الشرق، والتاريخ أثبت الشهية الاستعمارية الغربية للعرب، والواقع المعاصر يثبت تعدد أساليب الاستعمار وتجددها، فالوعي العربي بأساليب المستعمر التقليدية فرض على الغرب تطوير أساليبه، وتحوله إلى ضرب هذا الوعي، لخلق نوع من البيئة المؤيدة له لتمرير سياساته. فيا صديقي.. انتبه دائماً لما يستعمله عدوك من مصطلحات، وكن مدركاً لأثرها، وما يهدف إليه من ورائها، فبدل أن نكون الأمة العربية أو الوطن العربي، أصبحنا الشرق الأوسط وشمال إفريقيا..