النهضة .. ليست ترفاً فكرياً.. كتب خالد المقداد . خاص Bawwababaalbeck.
يقول الفيلسوف الروسي ألكسندر دوغين: «عندما أشاهد وسائل الإعلام الغربية، أتساءل: كيف يمكن للناس أن يكذبوا بهذه الطريقة؟!».
في ضوء ذلك، نتساءل: كيف تحول المجتمع العربي من أحفاد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي.. إلى أحفاد الجولاني والبغدادي والقرشي؟! كيف تحول من رسول المحبة والسلام.. إلى قطع الرؤوس؟! كيف تحول من «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».. إلى اعتبار الشذوذ الجنسي والأخلاقي والفكري “وجهة نظر” و”حرية شخصية”؟!
في المقال السابق، كنت أعتقد أن مجتمعنا ما زال محصناً من الشذوذ الجنسي على أقل تقدير، وإن كان قد اخترق أخلاقياً في صور عدة، إلا أن نقاشاً جرى مع إحدى المربيات الفاضلات في مرحلة التعليم الأساسي /6 سنوات ل 12 سنة من عمر الطفل/، واعتبارها مصطلح الشذوذ الجنسي اضطهاداً لأنصار هذه الجريمة، قد دفعني لإعلاء الصوت، ومحاولة دق ناقوس الخطر في مجتمعنا، ومحاولة تسليط الضوء على واقعنا الحضاري الحالي دون تجميل، في محاولة لإيجاد مشروع مقاوم للهجوم على القيم والمبادئ والمسلمات الإنسانية..
أن تقول أن الحكومة بقيادة حزب ما أخطأت في موضوع ما هو حق طبيعي لك، أما أن تقول أن جمال باشا السفاح هو خليفة راشدي فهذه جريمة.
لماذا لجأت إلى هذه اللغة الهجومية، لأن المجتمع كان مفتوناً ب”الحضارة الغربية”، وهذا الافتتان كان مبرراً عند إقرار الماغنا كارتا 1215، وعند توقيع معاهدة ويستفاليا 1648، وعندما حدثت الثورة الفرنسية 1789، وعند انطلاق الثورة الصناعية الأولى والثانية والثالثة والرابعة.. وعند بدء الغرب بالدراسات الفضائية.. (وفي جميع هذه الأمثلة، كنا تحت الاحتلال العثماني، الذي كان مسؤولاً عن التخلف العربي من 1514 وحتى 1919)، فكيف نكون مفتونين بالإنجازات الغربية من جهة، ومدافعين عن من فرض علينا التخلف عن الركب الغربي من جهة ثانية؟
الافتتان السابق يمكن لنا تبريره، أما أن نفتتن بشذوذ الغرب الأخلاقي، فهذا يعني أن مجتمعنا قد تبرأ من واقعه المتخلف، وأصبح مرحباً لكل صور الغرب بنجاحاته وشذوذه.. وذلك كمحاولة للتبرؤ من الواقع العربي الحالي.
المتابع لمواقع التواصل الاجتماعي، يرى الشذوذ الجنسي والفكري والعقائدي حتى الوطني في دولنا العربية، من هنا فإننا لا نستطيع التسليم ببراءة هذه المواقع والأدوات لتظهير الشذوذ في مجتمعنا وتشجيع من يشاهد ذلك عليه.
من جهة ثانية، المتابع للدراما السورية والمصرية وحجم الشذوذ والعنف الموجود فيها يجد أنها قد ساهمت بقصد أو بدون قصد، وإن كنا نرجح الأولى استنادا إلى مصدر أموال الإنتاج الدرامي، فيما وصل له مجتمعنا.
وقبل ذلك، القاعدة المعروفة إعلامياً وفنياً أن السينما تعكس واقع المجتمع، وتناقش قضاياه عموماً، مع بعض الحالات الفنية الخيالية، وعليه فهل المتابع للسينما المصرية القديمة مع حجم الانحلال الأخلاقي فيها يرى أنها تعكس واقع المجتمع المصري المحافظ والمتمسك بأخلاقه؟ أم أنها أداة لنشر أفكار الانحلال؟
أذكر في طفولتي أغنية شهيرة في تسعينات القرن الماضي. بعض كلماتها “أبو يوسف كعكة بعجوة..”، انتشرت في المجتمع مثل النار في الهشيم، وقد كانت تحد من أحد الإعلاميين الأردنيين في ذلك الوقت، لإثبات تدني المستوى الفكري للمجتمع.. أعتقد الآن، أن التساهل مع ذلك المستوى، أدى إلى وصولنا إلى المستوى الحالي.
نظرة سريعة على وسائل الإعلام حالياً، نجد أن لكل دولة أجنبية فضائية ناطقة باللغة العربية، وكذلك مواقع على شبكة الانترنت، وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، ومدونين، واليوتيوبرز، هذا التنوع في الوسائل يهدف إلى مخاطبة جميع مستويات الجماهير المكونة للرأي العام، المؤلف من الرأي العام القائد، والمثقف، والجماهيري.
فوسيلة إعلامية واحدة، أو نوعية واحدة من الإعلام، غير قادرة على مخاطبة جميع المستويات والفئات السابقة.
بناء على ما سبق، فإننا نعتقد أن هنالك حرباً بين قوى النور الأخلاقية، وبين قوى الظلام الشاذة، ولذلك فإننا بحاجة إلى مشروع مناهض ومقابل لمشروع الشر، وهذا المشروع يجب أن يتصف بالحزم والجدية بعيداً عن التساهل والتراخي، ويبدأ من إعداد الأطفال إعداداً عقائدياً وطنياً وأخلاقياً.. من جهة، ومن جهة ثانية، إصلاح فكر الكبار من ما دخله من شوائب، ويترافق ذلك مع برنامج اقتصادي يحقق الرخاء والاكتفاء الذاتي، مع محاسبة جدية للفاسدين والمفسدين السياسيين والاقتصاديين والاجتماعيين، لنعيد للمواطن العربي ثقته بحضارته وبمجتمعه وبنفسه.. فأبو فراس الحمداني الذي رفض تناول الطعام أثناء أسره في اسطبل للخيول، لا يزيد بشيء عن المواطن العربي الذي ما زال يمتلك الإرادة والتصميم لبعث حضارته من جديد..