أخبار محلية

جولة الراعي: غطاء ديني لتفاهم جعجع-بري

جولة الراعي: غطاء ديني لتفاهم جعجع-بري

كانت لافتة جداً الزيارة التي قام بها ​البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي​ الى عين التينة، ولو انها اتت ضمن سياق اشمل كونها سبقت زيارة الى السراي الكبير وقصر بعبدا. وفي حين ان الزيارتين الى رئيسي الجمهورية والحكومة يمكن وضعهما في خانة “العادي” نظراً الى ان رئيس الحكومة ​نجيب ميقاتي​ سبق وزار البطريرك الراعي، وبالتالي يمكن اعتبار الامر بمثابة “ردّ زيارة”، كما ان تواجد البطريرك في قصر بعبدا بات امراً طبيعياً، ولقاءاته مع رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ تصب ايضاً في سياق “الروتين”، فإن زيارته الى عين التينة ولقائه رئيس مجلس النواب ​نبيه بري​، ليس ابدا بالامر العادي. فالعلاقة بين الطرفين يمكن وصفها في احسن الظروف بالهادئة، ولم تتميّز بالودّية الزائدة، كما انّ التوتر ساد منذ فترة بينهما على خلفية قضايا اساسية وجوهرية ومنها على سبيل المثال لا الحصر، دعوة الراعي الى مؤتمر دولي لبحث الوضع اللبناني. على اي حال، اتت الزيارة في ظلّ تنامي التوتر القائم على خلفية تداعيات ​انفجار مرفأ بيروت​ من جهة وطلب كف يد ​القاضي طارق البيطار​ في الملف، واحداث الطيونة الدموية التي ادت الى اصدار مذكرة استدعاء لرئيس القوات اللبنانية ​سمير جعجع​ للاستماع اليه. ووضع الكثير من المراقبين الزيارة البطريركية، في خانة “الغطاء” الديني المسيحي لتفاهم معراب-عين التينة، حيث عارض البطريرك استدعاء جعجع دون سواه من المسؤولين، وهو لا يعني بذلك حتماً وجوب استدعاء بري والامين العام ل​حزب الله​ ​السيد حسن نصر الله​، انما الوصول الى نقطة تفاهم واستيعاب لما يحصل، وعرض ما يمكن ان يقدّمه بري من حلول لهذه المعضلة التي قد تشعر شريحة لبنانية انها مستهدفة دون سواها. ووفق المراقبين، فإن توجّه البطريرك الى بري من اجل هذه المسألة، انما يؤمّن اولاً “صك براءة” ديني مسيحي لرئيس مجلس النواب، وافساح المجال امامه كي يدخل الى الساحة بقوّة. ولم يشأ الراعي ان تكون زيارته “فاضحة” الى هذا الحدّ، بل أعطاها غطاء سياسياً آخر، فجال على عون وميقاتي واطلق من على كل منبر موقفاً حول قضيّتين اساسيتين هما احداث الطيونة والجمود الحكومي. وفي الواقع، فالمواضيع الثلاثة (أي انفجار المرفأ واحداث الطيونة والشلل الحكومي) مرتبطة ببعض، واحداث خرق في أيّ منها يعني حتماً حصول خروقات على الجبهتين الباقيتين، مع الاشارة الى الترابط الوثيق بين مشكلة الطّيونة وقضية المرفأ. واستغرب الكثيرون ان يكون البطريرك قادراً على تحقيق خرق على الجبهة السياسية، وهو الذي حاول لعب مثل هذا الدور في موضوع تشكيل الحكومة حين كانت الامور مأزومة، وفشل رغم كل مساعيه وجولاته المكوكيّة، لذلك رجّحوا ان يكون العمل الفعلي للراعي قد انحصر في تأمين مخرج لمشكلة احداث الطّيونة، وبالتالي تأمين الغطاء المسيحي الوحيد لتفاهم بري-جعجع، في ظلّ الانقسام الكبير في الطائفة، والذي ليس هناك ما يبشّر في امكان تذليله، خصوصاً في ظلّ تصاعد حماوة الانتخابات التي من شأنها ان تؤزم الخلافات بدل تخفيفها. ولم يتأخر برّي لاطلاق بادرة حسن نية، واعطاء دفع معنوي للبطريرك، فكانت “هديّة” تعليق الاضراب والتحرّكات التي كانت مرتقبة اليوم، واطلق عليها “يوم الغضب” إذ تحول الى “يوم تأمّل” على ما يبدو، وهو أمر إيجابي طبعاً انما يظهر مدى عدم عفويّة هذه التحرّكات للاسف.

ويعوّل الراعي على برّي لإيجاد مخرج لمسألة جعجع التي ستنعكس ايجاباً على الوضع برمّته، وتجنّب القلق في صفوف المسيحيين، وتضمن عدم اعتراض المذهب الشيعي على هذه المخارج بضمانة برّي نفسه، ولكن السؤال يبقى حول ما اذا كان تحصيل الثمن سيكون في الانتخابات النيابية…

المصدر : النشرة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى