قطار الزمن…
الشاعر غازي منير قانصو
كَلِمَاتٌ إِلَى أُمِّي (رَحِمَهَا اللَّهُ)
كَأَنَّ الضَّوْءَ رَكِبَ قِطَارَ الزَّمَانِ
فَغَابَ الوُجُودُ فِي جَوْفِ الظَّلَامِ
وَالزَّمَنُ أَصْبَحَ طَرِيقًا مُتَجَدِّدًا،
يَسِيرُ مِنَ الْمَاضِي إِلَى لَحْظَتِي، وَالْبَاقِي غَيَاب.
وَالْعَالَمُ أَصْبَحَ لَوْحَةً بَيْضَاءً-سَوْدَاءَ،
لَوْحَةً بِلَا أَلْوَانٍ لمنزلٍ بلا جدران،
أَلْقَتْ أَقْدَامَهَا عَلَى شَاطِئِ الْفَقْدَانِ.
وَالْأَرْضُ أَصْبَحَتْ مَوْجَةَ هَوَاءٍ،
تُهْمِسُ فِي أُذُنِي بَيْنَ الْحِينِ وَالْحِينِ،
إِنَّ أَجْمَلَ مُعَزَّوْفَةِ حَيَاةٍ كَانَتْ أُمِّي.
وَالظِّلُّ أَصْبَحَ كالصَّمْتَ الرَّتِيبَ،
تُصَلِّي فِيهِ النَّفْسُ بِانتظار المرور.
اِسْتَقَلَّ الْوَقْتُ رَحِيلَكِ،
وَأَبْحَرَ إِلَى الْبَعِيد،
لِيُنْثِرَ أَثَرَكِ فِي مَحِيطِ الْخُلُود.
مَلَأَتِ دُنْيَانَا حُضُورًا بِحَيَاتِكِ،
وَذِكْرَاكِ لَمْ تَرَحَّلْ
هِيَ حَاضِرَةٌ تَأَبَى الرَّحِيل.
وَعَلَى شَاطِئِ الزَّمَنِ رَسَمَتْ سِيرَتُكِ
خِيُوطًا فِي نَسِيجِ قَلْبِي وَذَاتِي،
لم تُمحَوَاِسْتَقَرَّتْ فِي صَمْتِ الرُّوحِ،
وغَدَتَ أَنِينًا لَا يَزَالُ يُبُوح.
اِشْتَاقَتْ لَكِ سُنَابِلُ الْقَمْحِ فِي الزَّرْعِ وَالْحَصِيدِ، في الحقلِ والنّشيد.
وَتُرَابُ الْأَرْضِ يَنْتَظِرُ مَشْيَكِ عَلَيْهِ كَلَحنٍ جَدِيدٍ،
لَا زِلْتِ هُنَا، يَا “أُمِّ غَازِي” كَأَجْمَلِ نِدَاءٍ فِي الْوُجُودِ.
غَنَتْ لَكِ أَوْرَاقُ الْحِنَّاءِ،
وَاِسْتَقْبَلَتْكِ نَسَائِمُ السَّمَاءِ
تُسْتَيْقِظُ الذِّكْرَيَاتُ مَعِي،
وَنَتَشَارَكُ جَمَالَ الْحَيَاةِ،
حَيْثُ تَكُونِينَ أَنْتِ وَرْدَةُ صَلَاحٍ وَصَلَاةٍ.
تُضِيئِينَ النُّورَ فِي عُتْمَةِ الْفَرَاقِ،
فِي ظَلَامِ اللَّيْلِ عِنْدَمَا يَعُودُ الْقَمَرُ
نَصِبْحُ، مَعًا، أَقْرَبَ مِنْ لَحْمٍ وَدَمِ.
نَتَلاَقَى فِي الْقُرُبِ إِلَى الأَبَدِ،
عِنْدَمَا يَحِينُ السَّفَرُ،
كَمَا حَلِمْتُ بِهِ رَفِيقًا،
وَتَخَيَّلْتُهُ قَرِيبَ الْمَسَافَاتِ،
لَنْ أَعْتَرِضَ،
لَكِنَّ، رُبَّمَا، يَحِقُّ لِي أَنْ أُفَكِّرَ فَأُعْبِرَ،
أَنَّ الْقَوْلَ الَّذِي، دَوْمًا، يُرَاودُنِي:
أَمَا آنَ لِلْفَارِسِ أَنْ يَتَرَجَّلَ؟
وَإِلَى لِقَاءٍ قَرِيبٍ، بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَشِيئَتِهِ.
“رَحِمَكَ اللهُ وأبي، واخي، وابن عمي، وأهلنا، وموتانا أجمعين.”
مَعَ تَحِيَّاتِي،
غازي منير قانصو
صَبَاحُ الأَحَدِ فِي ١٧ أَيْلُولِ