من تفجير “المارينز” إلى تشكيل “السرايا اللبنانية”: معادلات جديدة للمقاومة
“التاريخ يعيد نفسه”… فبين عامَي 1983 و2023 أربعة عقود، وفي إثر تفجير “المارينز” في بيروت كرّت سبحة مقارعة العدو عبر جبهات مقاومة متلاحقة متكاملة، منها “السرايا اللبنانية لمقاومة الاحتلال” الجامعة لكل أطياف الشعب… فكيف أحيتها ملحمة “طوفان الأقصى”؟
خلطت ملحمة “طوفان الأقصى” الأوراق. أعادت تصويب البوصلة، ووضع النقاط على حروفٍ ضائعة متناثرة منذ عقود. “الكلمة للمقاومة هذه المرة، ومتى؟ في توقيت له دلالاته، وفي الذكرى الـ 50 لحرب أكتوبر، ها هو المحور المساند للمقاومة في فلسطين على أهبة الاستعداد العملياتي للمساندة.
لبنان كان أول الرافدين. مدد من الحدود مع فلسطين منذ الأيام الأولى. “المقاومة الإسلامية” تقصف مواقع الاحتلال في فلسطين المحتلة ومزارع شبعا وكفرشوبا المحتلة، وها هي تفرض معادلة ردع جديدة، فيها عدد من الرسائل إلى الإسرائيلي والأميركي.
وفي لبنان الحافل بالأحداث، هنالك حدثان يحملان دلالة، برزا خلال اليومين الماضيين. الأول مرور ذكرى 40 عاماً على تفجير مقر قوات المارينز الأميركيين، ومقر القوات الفرنسيةـ، الأمر الذي أفضى إلى انسحاب ما كان يسمى “القوات المتعددة الجنسيات” على الفور. وثانيهما إعلان “السرايا اللبنانية لمقاومة الاحتلال” قيامها بعملية ضد موقع للعدو وارتقاء شهداء لها.
مشاهدات من عام 1983
مع إرسال الأميركيين والغرب للسفن وحاملات الطائرات، وعلى رأسها ” آيزنهاور”، اليوم، لم تبرح مخيلة قادتهم وقياداتهم الثقيلة صدمة سقوط مبنى المارينز في بيروت، ليس فقط لجهة دقّة التخطيط والتنفيذ لهاتين العمليتين، بل إنّ أعداد الخسائر كانت مفاجئة أيضاً. ففي يوم واحد فقط، قُتل 241 عنصراً من مشاة البحرية الأميركية، و66 جندياً من جنسيات أخرى.
لم ينس اللبنانيون مشهد انسحاب المصفحات البرمائية الأميركية إلى البوارج الحربية من شاطئ منطقة الأوزاعي قرب بيروت. مدافع بارجة “نيوجيرسي” الأميركية، التي كانت تقصف الضاحية والجبل وغيرهما، لملمت نفسها وانسحبت خوفاً من شكيمة اللبنانيين ومقاومتهم، قبل أن ينسحب ذلك على فرار ألوية نخبة جيش الاحتلال من بيروت وغيرها. لن ينسى اللبنانيون تلك العبارة التي صدحت بمكبرات الصوت بعد عملية مقهى”الويمبي”: “يا أهل بيروت لا تطلقوا النار، نحن منسحبون”. هي جملة مفصلية تاريخية بحق، حيث تتالت بعدها عمليات جبهة المقاومة اللبنانية والإسلامية في المناطق وخاصة الجنوب اللبناني.
بين الأمس واليوم
في تشرين الأول/أكتوبر الحالي، تحدثت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية عن “ذهول إسرائيلي من مقتل أكثر من 300 جنديّ، وهو رقم مرجّح للارتفاع، من جراء هجوم طوفان الأقصى المباغت”.
وفي سياق المقارنة، قالت الصحيفة إنّ الهجوم على “المارينز”، الذي وصفته الـ”أف بي آي” آنذاك بأنه “أكبر انفجار غير نووي في العالم”، كان “نصراً استراتيجياً على الولايات المتحدة، أدى إلى اعتقاد مجموعات المقاومة أنها قادرة على قتل الجنود الأميركيين”، مشيرةً إلى أنّ الرئيس الأميركي آنذاك، رونالد ريغان، “لم يردّ، بل اكتفى بسحب القوات من لبنان”.
بالتوازي، نورد قصة “السرايا اللبنانية”، الجديرة بالتعريف. فبعد استشهاد هادي، نجل الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، في أيلول/سبتمبر 1997، وعند استقباله الحشود المعزّية، جاء إلى السيد نصر الله شبّان من كل الطوائف، بعضهم من لبنان، وبعضهم الآخر من دول عربية وإسلامية، يطلبون الانخراط في صفوف المقاومة.
وعلى إثرها، تولّدت فكرة تشكيل سرايا خاصة، تسمح لكل لبناني، أيّاً كانت هويته السياسية أو الطائفية أو إمكاناته المادية والعلمية، بالتطوّع العسكري، تحت اسم “السرايا اللبنانية لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي”