جهاد التبيين بالقرآن المبين خاص Bawwababaalbeck. بقلم أ.زينب البزال.
الجزء الاول .
الصلاة والسلام علی المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا وشفيع ذنوبنا أبي القاسم محمد وعلی آله الأطهار الميامين.
قال تعالی:
بسم الله الرحمن الرحيم
}فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرً}.سورة الفرقان 52
مقدمة
كثيرا ما نقرأ في القرآن الكريم بعض المفردات القرآنية والتي يلتبس علينا المراد منها، اللهم الا اذا استنرنا بالقرآن نفسه حول بيانها، وبكلام الأطهار عليهم السلام في بيانها، ومفردة الجهاد هي من المفردات القرآنية التي تعرض لها علماء التفسير عند الشيعة الإمامية بالبحث والتدقيق هادفين من بحوثهم الشيقة لبيان المعنی المراد منها في القرآن الكريم والإستنارة بالذكر المبين وبما ورد علی ألسن الأطهار الميامين محمد وآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين لبيان مفهوم الجهاد المراد إرساء معالمه عند المسلمين.
إن مفردة الجهاد مأخوذة من المشقَّة كما يشير اللغويون، وتدل علی العمل الشاق حيث إنه كل من بالغ في شيء فقد جهد واجتهد، وهذا ما ذهب إليه العلامة الشيخ حسن المصطفوي في سياق تحقيقه لمفردات القرآن الكريم، حيث قال: هو بذل الطاقة والسعي البليغ إلى أن ينتهي إلى النهاية الممكنة ويبلغ غاية وِسعه، وقد دل علی هذا المعنی الدقيق قوله تعالی : }وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ}، سورة التوبة 79
أما الشيخ الطوسي قدس سره الشريف قال في هذا السياق “الجهد هو الحمل على النفس بما يشق.
الجهاد لغة واصطلاحا:
الجهاد مصدر جاهد أما جَهَدَ فمصدره جُهدًا فالجهاد ملاحظ فيه الجهة التي يبذل فيها الجهد.
ونحن عندما نتطرق للمعنی الاصطلاحي للجهاد، لابد من ملاحظة ما ورد في الروايات الشريفة حول الجهاد الأكبر والجهاد الأصغر،أورد صاحب تحف العقول عن سيد الشهداء ع الإمام الحسين ( عليه السلام ) أنه قال :
الجهاد على أربعة أوجه : فجهادان فرض ، وجهاد سنة لا يقام إلا مع فرض ، وجهاد سنة ، فأما أحد الفرضين فجهاد الرجل نفسه .
وورد عن رسول الله ص وآله أنه قال:أفضل الجهاد من أصبح لا يهم بظلم أحد وورد عن سيد المتقين الإمام علي ( عليه السلام ) قوله :جهاد المرأة حسن التبعل .وقال أيضا :جهاد النفس مهر الجنة . وقال: جهاد الهوى ثمن الجنة ، وقال :أول ما تنكرون من الجهاد جهاد أنفسكم ، آخر ما تفقدون مجاهدة أهوائكم وطاعة اولي الأمر منكم . وفي بيان جهاد النفس قال عليه السلام :إن المجاهد نفسه على طاعة الله وعن معاصيه عند الله سبحانه بمنزلة بر شهيد .وفي موضع آخر قال :مجاهدة النفس شيمة النبلاء .
وها هو الإمام الكاظم ع يشيد بجهاد النفس حيث قال: جاهد نفسك لتردها عن هواها ، فإنه واجب عليك كجهاد عدوك . من هنا يتبين ما لجهاد النفس من أهمية بالغة في كلام المعصومين عليهم السلام حتی أنهم عدوه الجهاد الأكبر، وقد ورد هذا التأكيد علی لسان الإمام علي عليه السلام حيث قال: إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بعث سرية فلما رجعوا قال : مرحبا بقوم قضوا الجهاد الأصغر وبقي عليهم الجهاد الأكبر ، قيل : يا رسول الله ! وما الجهاد الأكبر ؟ قال : جهاد النفس ، وقال ( عليه السلام ) : أفضل الجهاد من جاهد نفسه التي بين جنبيه.
قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) :اجعل نفسك عدوا تجاهده وعارية تردها ، فإنك قد جعلت طبيب نفسك وعرفت آية الصحة وبين لك الداء ودللت على الدواء ، فانظر قيامك على نفسك ..
وفي سياق آخر يتطرق أهل البيت عليهم السلام للحديث عن الجهاد الأصغر والذي ورد فيالاستعمال القرآني باصطلاح القتال في سبيل الله، وورد أيضًا اصطلاح الجهاد بهذا المعنى خصوصًا عندما كان مقيدًا بكونه في سبيل الله مثل قوله تعالى }وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، { أي قاتلوا الكفار في طاعة الله، علی أن مفردة الجهاد وردت في بعض الآيات بمعنی أعم من الجهادين ففي قوله تعالی:
}وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا{ يعني جاهدوا الكفار بأنفسهم، وجاهدوا نفوسهم بمنعها عن المعاصي وإلزامها فعل الطاعة لوجه الله.
قال العلامة الطباطبائيفي بيان تفسيره لقوله تعالی: {وَ جاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ{ مطلق الجهاد الذي يعم جهاد النفس وجهاد الكفار”.
وهنا لابد من الاستنارة بالقرآن الكريم حول معنی آخر للجهاد أعم من جهاد النفس وجهاد الكفار وذلك قوله تعالی:{فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا }.
وههنا نحن بصدد تعريف هوية الجهاد المراد في هذه الآية الكريمة حيث إنها مكية ولا جهاد آنذاك فكون المعنی المقصود جهاد النفس بعيد جدا وذلك لأنها توضح جهاد الكافرين به، فما المقصود بالهاء في الآية المباركة .
من الطبيعي أنه نوع من الجهاد لابد من إيضاح معالمه في سياق هذه المقالة.
والكلام يدور حول مرجع الضمير الهاء في الآية المباركة، فالجهاد المذكور مقيد بالضمير ، لذلك كان لابد من البحث في السياق القرآني التي وردت ضمنه هذه الآية المباركة، حيث سبقتها آية هي معيار تفسير الجهاد المراد ومرجع الضمير، فهذه الآية سبقت بقوله تعالی:}وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً }، ويتبين رجوع الضمير إلى القرآن الكريم بشهادة السياق .
من هنا لابد من ملاحظة بيان آخر في الآية وهو عطف الأمر بالجهاد على النهي عن طاعة الكافرين، فيتضح المعنى أن جاهدهم جهادًا كبيرًا بعدم طاعتهم.
ولعل المتدبر في سورة الأحزاب وما ورد فيها حول جهاد الكافرين والمنافقين وعدم طاعتهم أبين دليل علی ما حوته الآية موضع البحث.
ففي بداية سورة الأحزاب قال تعالى ماطبا نبيه الكريم:{يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً * وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً {.
ورد في سبب النزول لهذه الآيات المباركة حصول مساومة من الكفار على بعض المعتقدات فأنزل الله النهي عن ذلك، وبذلك يتضح أن المراد الذي لا لبس فيه هو جهاد الكافرين بالقرآن الكريم والنهي عن طاعتهم، بل أكثر من ذلك جهادهم بالقرآن الكريم، ليتصدر الحق علی الباطل.
ولقد تناول علماؤنا الأجلاء هذه الآية في تفاسيرهم العظيمة، فها هو العلامة السيد الطباطبائي يقول: ابذل مبلغ جهدك ووِسعك في تبليغ رسالتك وإتمام حجتك بالقرآن المشتمل على الدعوة الحقة وجاهدهم به مجاهدة كبيرة.
وقال الشيخ ناصر مكارم الشيرازي (حفظه الله): لا شك أن المقصود من الجهاد في هذا الموضع هو الجهاد الفكري والثقافي.
ولا يخفی علی القاصي والداني ما قاله قائد الثورة الإسلامية المباركة الإمام الخامنئي دامت فيوضه المباركة في هذا السياق حيث قال:
الجهاد الكبير جهاد لعدم تبعية واتباع الأعداء، وقال هناك جهاد سماه الله تعالى الجهاد الكبير وهو عدم طاعة الأعداء والخصوم الذين يحاربونك، يعني لا تكن تابعًا لهم في الميادين المختلفة سواء في السياسة أو الاقتصاد أو الثقافة أو الفن هذا يكون الجهاد الكبير.
وها نحن بصدد تبيان الجهاد بالقرآن فهو جهاد حضاري حيث يجب ويلزم على المسلم رفض ما يمليه عليه الكافر في شؤون الدين والدنياوعليه يجب مواجهته ومجابهته بالحقائق النظرية والوصايا والأوامر العملية والعمل بمقتضى كل هذا في بناء حضارة الخلافة الإلهية وفق ما يريده الله تعالی.
وهذا الجهاد يتبلور بخصائصه ومنها شموليته لكافة الأبعاد في الحياة فالغرب لم يترك منفذا الا ويحاول التسلل منه تماما كما هو مراد الشيطان الرجيم، ومن خصائص هذا الجهاد المبارك هو اقتضاؤه لبذل الجهود المباركة في سبيل الدفاع عن الاسلام المحمدي الاصيل، فنبينا الكريم صلوات الله عليه واله جابه الكفر وكانت معجزته الخالدة السبيل للرد علی الأفكار الغربية المسمومة التي نحن بصدد مواجهتها في زمننا الحالي، وهذا ما يستفاد من قوله تعالى }وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وأَحْسَنَ تَفْسِيراً{. ولعل تسرب الأفكار المسمومة في هذا الوقت وما نراه بأم أعيننا يحتاج إلى بصيرة في الأمور ليستطيع المؤمن فهم الحقائقالنيرة.
وهذا الأمر يحتم علی المسلمين جميعا في كل بقاع الأرض أن يسعوا بجهد لترسيخ بنيان هذا الجهاد بل تبيينه بأفضل الطرق والوسائل فإن
الجهاد بالقرآن أو الجهاد الحضاري فريضة إلى جانب الجهادَين، وهو معيار ترسيخ النموذج الإسلامي علی البسيطة، وعليه فإن قيام الدولة الإسلامية وترسيخ دعائم الإسلام المحمدي الأصيل لن يتم ما لم نبذل جميعا الجهود في مجابهة الاستكبار العالمي، والمتمثل بقوی الكفر والشرك الكبری أميركا وربيبتها اسرائيل، فمقاتلة هذه القوی الواهنة هو واجب حتمي علی كل مسلم ومسلمة، ومحاربتهم فكريا وعسكريا هو معيار هذا الجهاد، وها نحن أمام معترك سياسي وفكري يتمثل بشكل جلي بما يقوم فيه الغرب من محاولات بائسة لتضليل الحقائق النيرة، إن من خلال محاربتهم وحرقهم للقرآن الكريم، وإن من خلال سيطرتهم علی مقدساتنا وفلسطين الجريحة انموذجا يحتذی به، وهنا يتبين أهمية دور المسلمين جميعا دور في بلورة هكذا مفهوم للجهاد إلى جانب جهادَي السيف والنفس، فقتال القوی الاستكبارية هو المعيار، وسبيل قتالهم سيكون حتما بارساء ركائز الحضارة الالهية، كي لا تكون فتنة، ويكون الدين لله جل وعلا، وبهذا فإنالجهاد العسكري سيكون حتما بخدمة الجهاد الحضاري وجهاد النفس وتطويعها علی الحق وردع الباطل هو معيار نجاح هذا الجهاد، وبذلك تكون النفس مَظهرًا ومُظهرًا للاستخلاف الإلهي هدف الخلق والبعث الإلهي العظيم، وفي الخاتمة نسأل الله سبحانه وتعالی أن نكون ممن جاهدوا أنفسهم حق جهاد، لنكون أول السالكين والممهدين لإرساء بنيان الاسلام المحمدي الأصيل .
زينب حسن البزال
حوزة السيدة الزهراء ع
جامعة المصطفی العالمية.