المنازلة الكبرى مع الوحدة 9900 الإسرائيلية.. كيف واجه حزب الله “الحرب الذكية”؟
خلال العقود الماضية، مضت المقاومة الإسلامية، قدماً في مراكمة المزيد من الخبرات والقدرات الالكترونية، إلى حدّ أصبحت معه قادرة على خوض الجيل الجديد من “الحرب الالكترونية”.
- سياسة
- علي دربج
- اليوم 09:00
منذ اليوم الأول لحرب الإبادة الإسرائيلية على غزة، اتجهت أنظار العالم إلى حزب الله، الذي واجه سيلاً من الدعوات لإعلان الحرب الشاملة، فيما استغل خصومه، الفرصة ليصطادوا بالماء العكر، مشككين بجدوى الضربات التي نفذها الحزب ضد الاحتلال الإسرائيلي.
لكن ما يجهله الأصدقاء والخصوم على حد سواء، أن ما فعله حزب الله خلال هذه الفترة لم يكن مجرد معارك محدودة المكان، بل خاض حرباً حقيقة، كانت مختلفة تماماً، من نوع “الحروب الذكية” والتي تعد الأخطر والأصعب، والأكثر تعقيداً في عصرنا الحالي، كون الاحتلال الإسرائيلي استخدم فيها الذكاء الاصطناعي، بشكل غير مسبوق.
كيف انتقل حزب الله من المعارك التقليدية إلى الحروب الذكية؟
خلال العقود الماضية، مضت المقاومة الإسلامية، قدماً في مراكمة المزيد من الخبرات والقدرات الالكترونية، إلى حدّ أصبحت معه قادرة على خوض الجيل الجديد من “الحرب الالكترونية” والتي يطلق عليه اسم “الحرب اللاتماسية”.
ومع أن هكذا نوع من الحروب يتطلب تجهيزاً وتحضيراً كبيرين، إلا أن حزب الله تماهى وبسرعة لافتة مع الحروب الحديثة، خصوصاً تلك التقنيات التي تعتمد لمجابهة التدابير الالكترونية المعادية للعدو وإحباط فاعليتها.
ولهذه الغاية، وللمرة الأولى في تاريخها خاضت المقاومة الإسلامية، تجربة جديدة في حروبها على الجبهة الجنوبية (لدعم غزة) عندما دمجت بين المفهومين التقليدي والذكي، أي التركيز على الوسائل التقليدية كالصورايخ الموجهة (الكورنيت وأخواتها) والعبوات والمدافع، إضافة إلى استخدامها وسائط ومعدات الكترونية متطورة، لمواجهة هجمة التجسس والتنصت والمراقبة الإسرائيلية، لحجب أعين العدو عن كل ما يدور في جبهة لبنان. أما النتيجة، فكانت الآتي:
أ- تحقيق إنجازات بالجملة، وفي مقدمتها تعطيل النشاط التجسسي للاحتلال بشكل كبير (على امتداد الشريط الحدودي) وعماده: أجهزة التصنت، كاميرات المراقبة الحرارية وتحت الحمراء.
ب- إسكات معدات الاحتلال الالكترونية بالإعاقة الالكترونية.
ج- تدمير المعدات الالكترونية بالصواريخ الموجهة.
أما الإجراءات التي تمكّن الحزب من إعاقتها، والأهداف الالكترونية التي نجح بتدميرها فتتلخص بالتالي:
1- نظم ووسائل اتصالات الاحتلال اللاسلكية التي تعمل في نطاق التردد العالي، وفوق العالي، كتلك المنصوبة في موقعي جل العلام ورأس الناقورة.
2- نظم ووسائل الملاحة البحرية والجوية (الناقورة ومزارع شبعا).
3- الأجهزة والمحطات الرادارية المختلفة (على طول الشريط الحدودي).
4- أجهزة إدارة النيران، والتفجير باللاسلكي، ووسائل توجيه القذائف الموجهة (الموجودة في كافة الثكنات التي ضربتها أو دمرتها المقاومة).
أدوات الحرب الذكية التي استخدمتها “إسرائيل” ضد حزب الله
واجه حزب الله في الجنوب اللبناني، حرباً إسرائيلية ذكية ضروس، زجّ فيها جيش الاحتلال أحدث تقنياته الفريدة على مستوى الجيوش، من عتاد عسكري، وطائرات بدون طيار، فضلاً عن أجهزة الكشف والاستطلاع. أما الهدف فهو شلّ قدرة المقاومة على التحرك، ومنعها من استهداف جنود الاحتلال ومواقعه وثكناته، وبالتالي توجيه ضربات استباقية لعناصرها قبل قيامهم بأي عملية.
ولهذه الغاية، شغّل الاحتلال الإسرائيلي أنواع مختلفة من الرادارات الذكية، التي تقوم بعمليات مسح بزاوية 180 درجة، والأهم أن المدى الفعال لهذه الرادارات هو 6 كيلو مترات.
علاوة على ذلك، استعان جيش الاحتلال بأسطول متطور من طائرات بدون طيار (الاستطلاعية منها والمسلحة) وهي مزودة بأفضل وسائل الرؤية والتصوير، من أجل جمع المعلومات الاستخبارية الميدانية، والكشف عن نشاطات المقاومة العسكرية التي تمثل تهديداً لها، إضافة إلى مهمات المراقبة والرصد الدقيق لتحركات المقاومين وتصويب إطلاق النار عليهم.
من هنا، أعلنت “إسرائيل” عن بعض الاستخدامات لمنصاتها غير المأهولة لتنفيذ ضربات ضد أهداف حزب الله. صحيح أن الاحتلال استخدم طائرات بدون طيار متطورة لعقود من الزمن لأغراض المراقبة والتجسس، لكنه اعترف علناً مؤخراً فقط بأنه يزودها بالصواريخ للقيام بالاستهداف الفوري، وتشمل هذه الطائرات بدون طيار، الطرازات الأكبر حجماً مثل: Heron TP وHermes 900، والطائرة الأصغر ذات الأجنحة الثابتة Herman 450.
بالنسبة لطائرات (Heron TP) فهي لعبت دوراً رئيسياً في الحرب على المقاومة، (كونها تجمع بين مهام الهجوم والتصوير) عبر التحليق وعلى علو شاهق في سماء لبنان والجنوب على مدار 24 ساعة في اليوم. وتعتبر أيضاً، أكبر طائرة استطلاع بدون طيار في “إسرائيل”، وتتميز بأنها تغطي مساحة كغزة بأكملها من الشمال إلى الجنوب في غضون ثوانٍ. كما تستطيع الطيران لأكثر من 10 ساعات متواصلة، بسبب كمية الوقود الكبيرة التي تحملها.
وفقاً لموقع “القوة الجوية” الإسرائيلية IAF الإلكتروني، توفر طائرات Heron باستمرار أهدافًا لبنك الأهداف التابع للقوات الجوية حتى في الطقس العاصف، وقد قام سرب من هذه الطائرة بجمع الآلاف منها حتى الآن.
وبالرغم من ذلك، تغلب عناصر حزب الله، عبر تكتيكاتهم الخاصة، على تلك المميزات الذكية لهذه الطائرات، من خلال إجادتهم مهارات التخفي والتضليل والتمويه، وبالتالي المضي قدماً في ضرب الأهداف الثابتة والمتحركة للاحتلال، بل إنهم استطاعوا إسقاط بعضها من مختلف الطرازات مثل “هيرمز 450” بواسطة صاروخ أرض – جو.
ليس هذأ فحسب، فقد حقق حزب الله، نجاحاً منقطع النظير، بتعطيل وتخطي نُظم الاحتلال الذكية شمال فلسطين، المخصصة لكشف تحركات عناصر المقاومة في الميدان، ونتحدث هنا، عن النسخة الجديدة من نظام التصوير الحراري المصمم للاستخدام من قبل الجنود الأفراد، ويدعىLYNX (أي الوشق)، والذي كانت طرحته شركة ASIO Technologies الإسرائيلية مؤخراً.
وبحسب الشركة فقد استخدم الاحتلال النظام بين الوحدات الخاصة في الميدان اللبناني، لتحديد مواقع الحزب والتعرف عليها وتوجيه القوات الأخرى والقوة النارية بدقة تجاه عناصره في ساحة المعركة. والأكثر أهمية أن هذا النظام، يستعمل تقنية الواقع المعزز لاختصار الوقت بين المجموعة أو الموقع المستهدف وتفعيل القوة النارية. إضافة إلى ذلك، يحتوي النظام على مستشعرات تعمل ليلاً ونهاراً وهي مدمجة مع مستشعرات توجيه قوية للغاية.
دبابات ميركافا “باراك” والتقنيات الذكية
حوّل حزب الله خلال المعارك الأخيرة الجيل الخامس للميركافا المحدّثة وتدعى “باراك”، والتي دخلت الخدمة في أيلول/سبتمبر الماضي بعد 5 سنوات من التطوير، إلى فريسة سهلة تتطاير أجزاؤها (جراء ضربات صواريخه الموجهة) في كل اتجاه، على مرأى ملايين المشاهدين في العالم.
وعليه، فشلت كافة التقنيات التي زودت بها الدبابة، كتجهيز قائدها بخوذة طورتها شركة “إلبيت” – تشبه خوذة طيار الطائرة المقاتلة لمنحها رؤية كاملة لمحيطها وتعرض المعلومات ذات الصلة حول القتال المستمر – الحدّ من قدرة حزب الله على الوصول إليها واستهدافها، مع أن الخوذة، التي يطلق عليها اسم IronVision، تولّد صورة تمكن الطاقم من رؤية درع المركبة وتساعد الجنود على “التغلب على قيود الرؤية في الدبابات الكلاسيكية، مع تحسين كفاءة المهمة وسلامتها”. والكلام لشركة “إلبيت”.
والفضيحة الكبرى أن نظام الخوذة هذا، الذي يسمح بمسح 360 درجة عن طريق تحريك الرأس وتحديد الأهداف في الوقت الفعلي بمساعدة قدرات الذكاء الاصطناعي، لم يستطيع اكتشاف صواريخ المقاومة قبل انطلاقها.
أما القضية الأخرى، فتتمثل بالعجز الذي بدت عليه الدبابة لصدّ صواريخ حزب الله الآتية نحوها، خصوصاً وأنها جرى تزويدها بنظام Windbreaker، المعروف باسم نظام Trophy، وهو يؤمن كشفاً رادارياً للصواريخ القادمة ويتنبأ بمساراتها، ويحتوي على منصات إطلاق لكرات معدنية تشبه الطلقات، لإسقاط الصاروخ القادم نحوها، وتفجيره بعيداً عن الخزان.
الوحدة 9900 والأقمار الاصطناعية
بلغت حرب الأدمغة بين حزب الله وجيش الاحتلال ذروتها من خلال المنازلة الكبرى بين عناصر المقاومة، والنخب الاستخباراتية الإسرائيلية، بعدما اعتمد الاحتلال في ساحة المعركة في جنوب لبنان، على الذكاء الاصطناعي، وأصبحت بالتالي الحرب متعددة الأبعاد، وأكثر وضوحاً، مع دخول الوحدة السرية 9900 التابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي، المعركة، يسانده بذلك الطيارون في السماء.
وشهدت المواجهات بين الطرفين عصراً جديداً من التكنولوجيا، المطعمة بمجموعة واسعة من المنصات المدنية التي تم تكييفها للأغراض العسكرية، التي وفرتها الوحدة 9900.
كانت الوحدة خلال المعارك مسؤولة عن جمع المعلومات الاستخبارية البصرية بما في ذلك البيانات الجغرافية من الأقمار الصناعية وطائرات الاواكس (القيادة والسيطرة)، بالإضافة إلى رسم الخرائط ثلاثية الأبعاد، وتفسير هذه المعلومات الاستخبارية للقوات في ساحة المعركة وكذلك لصناع القرار.
سمحت الخرائط ثلاثية الأبعاد التي وضعتها قوات الوحدة 9900 للقوات على الأرض وكذلك للطيارين المقاتلين بالحصول على الصورة الكاملة لأراضي الجنوب، حتى قبل التوجه إلى ساحة المعركة.
علاوة على ذلك، أتاحت جودة هذه الصور والخرائط، لقوات الاحتلال رؤية جميع المعلومات الاستخبارية المجمعة على أجهزتهم اللوحية في الوقت الفعلي. ولهذا قال ضابط كبير في الوحدة: “يسمح لنا الذكاء البصري المستمر برؤية الحالات الشاذة والتغييرات”، مضيفاً أنه يتم بعد ذلك تحليل هذه التغييرات لتقديم صورة استخباراتية حديثة.
كيف تعامل حزب الله مع الوحدة 9900 وقدراتها الذكية؟
في الواقع، لم تشكل الوحدة 9900، بكافة أدوات الحرب الذكية المتوفرة لديها، عائقاً أمام تصميم حزب الله على ضرب جميع الأهداف الإسرائيلية المتاحة أمامه. لذلك فككت المقاومة جميع المصاعب والعقبات التي قد تمنعها عن تنفيذ خططها.
ومع أن المقاومين، قاتلوا في بيئة وظروف معقدة، افتقدوا فيها لأي غطاء جوي أو حتى طبيعي (كالأشجار) في أحيان كثيرة، غير أن مهماتهم العسكرية، كانت في الغالب أقرب إلى الاستشهادية، ورغم ذلك استطاعوا التكيف مع الأخطار المحدقة بهم، والإفلات من عيون الوحدة 9900 وقدراتها الذكية، وتمكنوا من خداعها في الغالب والحدّ من تعقبات وملاحقة وسائطها ووسائلها الجوية والفضائية والأرضية.
وكان المقاومون كالأشباح غير المرئيين، لا يعرف الاحتلال أين ومتى وكيف يظهرون عليه بمحاذاة الشريط الشائك، ثم يتوارون عن الأنظار بثوان، إلا عندما يرتطم الصاروخ ببدن الدبابة، أو يحّل ضيفا قاتلاً على تجمعات جنوده.
والأهم، أن حزب الله، قلب تباهي ضباط الوحدة 9900، من الاعتزاز بأن قواتهم تعرف في الوقت الحقيقي المكان الذي قد يستهدفه عناصر المقاومة، أو أن الطيار الإسرائيلي يعرف بالضبط إلى أي نافذة يوجه صاروخه، إلى خيبة ونكسة، زدات من أزماتهم، خصوصاً أن جميع أعضاء الوحدة يعانون من طيف التوحد ويتمتعون بقدرة مذهلة على تحليل وتفسير وفهم صور وخرائط الأقمار الصناعية.
وبالتالي بدل أن يساعد عملهم بشكل كبير في حماية المستوطنين الإسرائيليين، باتت المستوطنات الشمالية بالتحديد خالية من قاطنيها المغتصبين. وعليه انضمت هذه الوحدة – التي عرف عنها أنها لا تشبه أي وحدة أخرى في جيش الاحتلال – إلى باقي الوحدات المهزومة الفاشلة.
في المحّصلة، يلخص الخبراء الإسرائيليون والأميركيون نظرتهم للمقاومة بالقول: برهن حزب الله أنه منظمة متعلمة موهوبة في فهم البيئة التي يعمل فيها، وقادر على التكيف مع الظروف والمتغيرات، فضلاً عن معرفته وإدراكه لوجهة نظر العدو، وتحليل الأساس المنطقي لتوجيهاته. وعليه، تؤكد هذه الخصائص أن حزب الله لا يشبه الجيوش الأخرى المعروفة التي تميل إلى الحرب، بل إنه يعمل على تحضير نفسه بشكل مناسب للحرب المقبلة.