ازدواجية المعايير عند اليهود…
للإستاذة زينب حسن البزال
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام علی المبعوث رحمة للعالمين وعلی آله الأطهار الميامين
مما لا شك فيه أن اليهود ومنذ عهد النبي موسی عليه السلام يتعاملون مع الناس بازدواجية المعايير، وهانحن في هذه المقالة نلقي الضوء من خلال ما ورد في القرآن الكريم علی هذه الازدواجية، والتي ذكرتها الآيات الشريفة أيما ذكر بل أوضحت معالمها الكاملة .
قال الله تعالی في محكم كتابه الكريم وتحديدا في سورة البقرة
بسم الله الرحمن الرحيم
وَ إِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَ ذِي الْقُرْبی وَ الْيَتامی وَ الْمَساكِينِ وَ قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْكُمْ وَ أَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (٨٣) وَ إِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَ لا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَ أَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (٨٤) ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَ تُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ وَ إِنْ يَأْتُوكُمْ أُساری تُفادُوهُمْ وَ هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ أَ فَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَ تَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلی أَشَدِّ الْعَذابِ وَ مَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٨٥) أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَ لا هُمْ يُنْصَرُونَ (٨٦)
هذه الآيات الكريمة توضح بداية بنود العهد الذي أخذه الله علی بني اسرائيل، ثم تتطرق لنكثهم بهذه البنود وتتعرض للإزدواجية التي دأب عليها اليهود منذ عهد موسی عليه السلام.
يشير سبحانه في هذه الآيات إلی مواد هذا الميثاق، و هي بأجمعها- أو معظمها- من المبادئ الثابتة في الأديان الإلهية. و موجودة بشكل من الأشكال في كل الأديان السماوية.
القرآن يندّد في هذه الآيات بشدّة باليهود لنقضهم هذه العهود، و يتوعدهم نتيجة لهذا النقض بالخزي في الحياة الدنيا و العذاب في الآخرة.
وفي معرض الحديث عن هذا الميثاق وبنوده يتبين للقارئ تصرفات اليهود في زمننا هذا، وكيف أنهم يتصرفون بخلاف ما أمرهم الله تعالی والغاية مراعاتهم لمصالحهم الخاصة علی حساب غيرهم حتی لو كان هذا الغير اليهود أنفسهم.
بنود هذا العهد الذي أقرّ به بنو إسرائيل
١- التوحيد و إخلاص العبودية للّه وَ إِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ.
٢- الإحسان إلی الوالدين: وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً.
٣- الإحسان إلی الأقارب و اليتامی و الفقراء: وَ ذِي الْقُرْبی وَ الْيَتامی وَ الْمَساكِينِ.
٤- التعامل الصحيح مع الآخرين: وَ قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً.
٥- إقامة الصلاة: وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ.
٦- إيتاء الزكاة: وَ آتُوا الزَّكاةَ.
ثم تذكر الآية الكريمة نقض القوم للميثاق و عدم وفائهم بالعهد: ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَ أَنْتُمْ مُعْرِضُونَ.
٧- عدم سفك الدماء: وَ إِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ.
٨- عدم إخراج بني جلدتكم من ديارهم: وَ لا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ.
٩- إفداء الأسری، أي بذل المال لتحريرهم من الأسر (و هذا البند نفهمه من عبارة أَ فَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَ تَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ، و سيأتي ذكرها).
ثم تذكر الآية إقرار القوم بالميثاق: ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَ أَنْتُمْ تَشْهَدُونَ.
ثم يتعرض القرآن إلی نقض بني إسرائيل للميثاق، بقتل بعضهم و تشريد بعضهم الآخر: ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَ تُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ. و يشير القرآن إلی تعاون بعضهم ضد البعض الآخر: تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ.
ثم يشير إلی تناقض هؤلاء في مواقفهم، إذ يحاربون بني جلدتهم و يخرجونهم من ديارهم، ثم يفدونهم إن وقعوا في الأسر: وَ إِنْ يَأْتُوكُمْ أُساری تُفادُوهُمْ وَ هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ.
فهم يفادونهم استنادا إلی أوامر التوراة، بينما يشردونهم و يقتلونهم خلافا لما أخذ اللّه عليهم من ميثاق: أَ فَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَ تَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ؟! و من الطبيعي أن يكون هذا الانحراف سببا لانحطاط الإنسان في الدنيا و الآخرة:
فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلی أَشَدِّ الْعَذابِ.
و انحرافات أيّة أمة من الأمم لا بدّ أن تعود عليها بالنتائج الوخيمة، ذلك لأن اللّه سبحانه و تعالی أحصاها عليهم بدقّة: وَ مَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ.
الآية الأخيرة تشير إلی تخبط بني إسرائيل و تناقضهم في مواقفهم، و المصير الطبيعي الذي ينتظرهم نتيجة لذلك: أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَ لا هُمْ يُنْصَرُونَ.
من هنا لابد من الحديث عن ازدواجية المعايير عندهم
إن القرآن الكريم يوبّخ اليهود بشدّة علی التزامهم ببعض الأحكام الإلهية و تركهم لبعضها الآخر، و ينذرهم بخزي الدنيا و بعذاب الآخرة و خاصة في عملهم بالاحكام الجزئية، و مخالفتهم لأهم الأحكام الشرعية. أي قانون حرمة إراقة الدماء، و تهجير من يشاركهم في العقيدة من ديارهم و أوطانهم. هؤلاء في الواقع التزموا بالاحكام التي تنسجم مع مصالحهم الدنيوية من الأحكام، أما حين تقتضي مصلحتهم أن يريقوا دم الآخرين و يستضعفوهم، فلا يألون جهدا في ارتكاب كل ذلك مخالفين بذلك أهم أحكام ربّ العالمين.
التزامهم بفداء الأسری لا ينطلق من روح تعبّدية، بل من روح مصلحية تری أنّ من مصلحتها أن تفدي الأسری اليوم، كي تفدی هي حين تقع بالأسر في المستقبل.
العمل بالأحكام المنسجمة مع مصالح الإنسان الدنيوية، ليس دلالة علی طاعة اللّه و عبادته، لأن الدافع لم يكن الاستجابة إلی دعوة اللّه بقدر ما كان استجابة لنداء الذات و المصالح الذاتية. روح الطاعة تبرز لدی التزام الإنسان بما لا ينسجم مع مصالحه الآنية الذاتية. و هذا هو المعيار الذي يميّز به المؤمن عن العاصي، فالازدواجية في الالتزام بأحكام اللّه تعالی، تدلّ علی روح العصيان، بل أحيانا علی عدم الإيمان و بعبارة اخری، إن الايمان يظهر أثره فيما لو كان القانون علی خلاف مصالح الفرد و مع ذلك يلتزم به الفرد، و إلّا فان العمل بالاحكام الشرعية، إذا اتفقت مع المصالح الشخصيّة لا يعتبر افتخارا و لا علامة علی الايمان و لهذا يمكن تمييز المؤمنين عن المنافقين من هذا الطريق فالمؤمنون يلتزمون بجميع الأحكام، و المنافقون يذهبون إلی التبعيض.
و مصير هذه الامّة- بالتعبير القرآني- الخزي في الدنيا و أشدّ العذاب في الآخرة … و لا خزي أكبر من سقوط هذه الأمّة السائرة علی خط الازدواجية بيد الغزاة الأجانب، و هبوطها في مستنقع الذلة علی الساحة العالمية.
هذه السنّة الكونية لا تقتصر علی بني إسرائيل، بل هي سارية في كل زمان و مكان، و تشملنا نحن المسلمين أيضا. و ما أكثر الذين يؤمنون ببعض الكتاب و يكفرون ببعض في مجتمعاتنا اليوم! و ما أشقی هؤلاء في الدنيا و الآخرة!
وها نحن وعلی مرأی العالم كله نری معالم هذه الازدواجية بكلها وكلكلها ، فالحرب الضروس الذي يعاني منها أهلنا في فلسطين تدل علی اصرار هذا المحتل الفاجر علی اراقة دماء الأبرياء حتی لو كلفه ذلك اراقة دماء اليهود أنفسهم، بل يعمد الی ضرب كل المعايير الانسانية في التعامل مع أهل الأرض الأصليين لأن مصلحة بقائه تقتضي ذلك، هم لم يعيروا أي اهتمام لأسراهم عند المقاومة الفلسطينية، بل أصروا علی إبادة الجميع لأجل بقاء كيانهم المتزعزع والغاصب، بالرغم من أنه كان باستطاعتهم إطلاق سراح أسراهم عند المقاومة في مقابل الأسری الفلسطينين، وما كانت ستكلفهم المسألة إراقة دماء الأبرياء، الا أنهم لم ولن يرتدعوا عن ارتكاب المجازر الشنيعة والهدف بقاء كيانهم الغاصب، من هنا نجد أن القرآن الكريم ورغم كل ما يجري علی مرأی العلن يبشر المستضعفين بالنصر ويتوعد الظالمين بالخزي في الدنيا والعذاب في الآخرة.
وما النصر الا من عند العزيز الجبار
اللهم ارحم شهداءنا وسدد أقدام المقاومين الأبطال ، فبرغم كل الاستكبار ستبقی فلسطين أبية وسينصر الله أهل القرآن في كل بقاع الأرض.
بقلم زينب حسن البزال
جامعة المصطفی ص واله