نتنياهو يدخل متاهة الأهداف المتخيّلة.. كيف صادرت المقاومة خياراته في غزة؟
أهداف رئيس الوزراء الاحتلال الإسرائيلي من الحرب على غزة، وعلى رأسها “تدمير حركة حماس”، تصطدم بصمود المقاومة في قطاع غزة، فيما يقف بين خيارين، توسيع الحرب أو الخروج من السلطة.
منذ بدء الحرب على غزة، ردّد رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى جانب مسؤولين إسرائيليين آخرين، أهدافاً يسعون لتحقيقها، وعلى رأسها ما أسموه “سحق” حركة المقاومة الإسلامية، حماس. وفي الـ25 من كانون الأول/ديسمبر الجاري، كتب نتنياهو مقالاً في صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، أعاد فيه تأكيد أهدافه، وهي تتمثّل بتفكيك حماس وتدميرها، نزع السلاح من قطاع غزة واستئصال ما سمّاه “التطرّف من المجتمع الفلسطيني كله”.
لكنّ أهداف رئيس وزراء “إسرائيل” تصطدم بالواقع الذي أثبت على مدى 84 يوماً استحالة تحقيق أي منها. فحتى الآن، لا يزال الاحتلال عاجزاً عن الوصول إلى أحد قادة حماس الكبار واغتياله، أو السيطرة على مراكز قيادة للحركة، أو إلحاق ضرر كبير في البنية التحتية للمقاومة بما يعوّق عملياتها، أو إخلاء أي من مناطق القطاع من المقاومين الذين يستهدفون الجنود الإسرائيليين وآلياتهم في مناطق يدّعي “الجيش” سيطرته عليها، حيث لا تزال المقاومة تشتبك بضرواة مع القوات المتوغّلة.
وبينما يواجه نتنياهو وحكومته عُقداً في الحرب ضدّ المقاومة في قطاع غزة، يجد نتنياهو نفسه أمام خيارين، فإما أن يلجأ إلى تسخين الجبهات وتوسيع نطاق الحرب، بما يجرّ الولايات المتحدة الأميركية إليها، أو القبول بخيار الخروج من السلطة، الذي قد يعطي “إسرائيل” فرصة التخلّص من نتنياهو والخروج بحرج أقلّ من الحرب في الوقت نفسه.
حماس “جيش” يصعب تفكيكه
لدى حديثه عن الهدف الأول، أي “تدمير حركة حماس”، أشار نتنياهو إلى الدعم الغربي الذي تحظى به “إسرائيل” من الولايات المتحدة الأميركية، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا وغيرها من الدول التي تدعم الهدف عينه، لافتاً إلى أنّ تحقيق ذلك يتطلّب “تفكيك قدراتها العسكرية وإنهاء حكمها السياسي في غزة”.
وفيما يتحدّث الاحتلال عن هذا الهدف، يقرّ بنفسه بصعوبة تحقيق ذلك، فالحرب “لا مثيل لها، وهي تجري في منطقة معقّدة، ولها ثمن باهظ ومؤلم”، حيث سيستمرّ “الجيش” بمواجهة المقاومين، بتأكيد رئيس الأركان الإسرائيلي، هرتسي هليفي. وعلى حدّ وصف اللواء في الاحتياط، غيرشون هكوهين، فإنّ حماس “جيش مبدع وفريد للغاية، الحرب ضده صعبة”.
ووسط الحديث عن طول أمد الحرب، تساءل اللواء في الاحتياط، إسحاق بريك، “عمّن سيحلّ محل جنود الاحتياط بعد ثلاثة أشهر من الحرب”، فيما يقدّم قادة “الجيش” صورةً خاطئةً عن آلاف الشهداء من المقاومة. وفي مقابل الخشية الإسرائيلية مما تحمله الفترة المقبلة، تؤكد المقاومة جاهزيتها لخوض الحرب مهما طالت، بمقاوميها وأسلحتها المصنّعة محلياً، حتى تحقيق أهدافها.
أما على صعيد العتاد، فتحتاج “إسرائيل إلى كل ألغام الأرض من أجل تفكيك بنية حماس تحت الأرض”، بحسب تعبير أحد ضباطها، وبين الحاجة والرغبة الإسرائيليتين، يضطر “جيش” الاحتلال إلى الاقتصاد في ذخيرته، واللجوء إلى مستودعات الأسلحة الأميركية لدى “إسرائيل”، على الرغم من أنّها معدات أميركية للاستخدام الأميركي.
وبينما يواصل الغرب دعمه الاحتلال، وخصوصاً الولايات المتحدة، تتصاعد أصوات منتقدة لاستمرار هذا الدعم، ومن ذلك ما طرحه الصحافي الأميركي المقرّب من دوائر صنع القرار في الولايات المتحدة، توماس فريدمان، في صحيفة “نيويورك تايمز”، إذ رأى أنّ “الوقت حان لتقول واشنطن لتل أبيب إنّ محو حماس لن يتحقّق”.
وإذ يخشى نتنياهو تكرار “السبت الأسود” الإسرائيلي، كان الهدف الثاني نزع السلاح من قطاع غزة. وفي حين يجهد نتنياهو لتحقيق هذا الهدف المستحيل باعتراف الإسرائيليين أنفسهم نظراً لتطوير المقاومة الفلسطينية، بمختلف فصائلها، قدراتها العسكرية على صعيد العتاد والمقاتلين، حتى باتت تصنع في القطاع المحاصَر ما تسبّب بإلحاق خسائر فادحة لـ”جيش”الاحتلال، على مستوى الآليات والجنود. كما أنّها تمتلك ترسانةً صاروخيةً ضخمةً، إلى جانب أنواع مختلفة من الأسلحة والذخائر.
وبعد شهرين ونصف الشهر من الحرب، كشفت كتائب الشهيد عز الدين القسّام، الجناح العسكري لحركة حماس، استخدامها للمرة الأولى صاروخ “RPO-A” المضاد للتحصينات، وهو صناعة روسية، ويُعرف باسم “شميل”. وهذا الصاروخ هو قاذف محمول على الكتف، يُستخدم من أجل الهجوم على مواقع إطلاق النار المخفية، أو استهداف قوات المشاة، وتعطيل المركبات المدرعة الخفيفة. ويصل مداه الأقصى إلى 1000 متر، ويبلغ نطاق الرؤية فيه 600 متر، بينما يبلغ مداه الفعّال 300 متر.
الشعب الفلسطيني مقاوم بالفطرة
أما فيما يتعلق بالهدف الثالث، وهو استئصال المقاومة من المجتمع الفلسطيني ككل، ودفع أفراده إلى الاستسلام، فتحدّث نتنياهو عن “تغيّر ثقافي” يجب أن يحصل. إلا أنّ الشعب الفلسطيني، منذ احتلال بلاده وصولاً إلى اليوم، مقاوم بالفطرة، حيث فشلت كل المعارك والحروب التي تعرّض لها في إزالة فكرة المقاومة والاشتباك مع الاحتلال من ثقافته.
وكما أنّ المقاومة، بكل فصائلها، راسخة في قطاع غزة عسكرياً، فإنّها راسخة فكرياً وسياسياً أيضاً في المجتمع الفلسطيني، في قطاع غزة خصوصاً، وفي سائر أماكن وجود الشعب الفلسطيني عموماً. ففي قطاع غزة، حيث كل منزل فيه سلاح ومقاومون، عملت المقاومة بحرية على مدى نحو عقدين، وأنشأت مؤسسات وإدارات وهيئات حكوميةً.