حرب غزة ومستقبل اليمين الإسرائيلي
مستقبل نتنياهو محفوف بالمخاطر بعد حرب غزة، لكن هذه المرة ليس مستقبله وحده، وإنما مستقبل اليمين الإسرائيلي برمته.
حرب غزة ومستقبل اليمين الإسرائيلي
مستقبل نتنياهو محفوف بالمخاطر بعد حرب غزة، لكن هذه المرة ليس مستقبله وحده، وإنما مستقبل اليمين الإسرائيلي برمته.
- حسن لافي
- اليوم 06:25
استطاع نتنياهو، عبر سِنِيّ حكمه وسيطرته على حزب الليكود، أن يصبح القائد الأوحد لليمين الإسرائيلي، في كل توجهاته. وكل اتجاهات اليمين باتت تناقش هل ستكون جزءاً من حكومة بقيادة نتنياهو أم لن تشارك. وعلى رغم كل الانقسامات التي عصفت باليمين الإسرائيلي، والتي في أساسها خلافات شخصية مع نتنياهو، أو مع زوجته سارة نتنياهو، بدءاً بأفغيدور ليبرمان، مروراً بنفتالي بينت وجدعون ساعر وموشيه كحلون وبوغي يعلون، وليس انتهاءً بيوآف غالانت، فإن أياً من هؤلاء لم يفكر في أن يطرح نفسه بديلاً من نتنياهو، كمحور جديد يشكل حكومة، يتجمع حوله اليمين في “إسرائيل”، وخصوصاً حزب الليكود، بمعزل عن نتنياهو. وقد تكون هناك أسباب متعددة لذلك، أهمها:
أولاً، شخصية نتنياهو نفسها، والتي تمتلك قدرات هائلة من الفهم العميق للذهنية الإسرائيلية، كرستها خبرة الأعوام الطوال في الحلبة السياسية الإسرائيلية، بحيث يسجَّل لنتنياهو أنه قد يكون السياسي الوحيد في “إسرائيل”، والذي تم إقصاؤه عن منصب رئيس الوزراء مرتين (عام 1999م، وعام 2021م،) وعاد إلى كرسي رئاسة الوزراء من جديد، ناهيك بـ”مواهبه” الإعلامية، والتي يعزّزها تحدثه الإنكليزية بطلاقة، وحساسيته الهائلة تجاه استطلاعات الرأي الجماهيرية، ناهيك بتملّصه الدائم من المخاطرة في اتخاذ قرارات استراتيجية حاسمة، قد يُضطر إلى تحمل مسؤولية فشلها في المستقبل. أضف إلى ذلك علاقات قوية برأس المال اليهودي داخل “إسرائيل” وخارجها. كل ذلك جعل نتنياهو شخصية قوية سياسياً، ولا يمكن لأي بديل تجاوزها بسهولة.
ثانياً، الظرف السياسي الإسرائيلي الداخلي لم يكن متهيِّئاً لإيجاد كتلة سياسية يمينية جديدة من خارج حزب الليكود، تكون بديلة من نتنياهو والليكود، لأنه في حال تم ذلك، ستنقسم أصوات اليمين الإسرائيلي، ولن يتمكن هذا اليمين من تشكيل حكومة أو البقاء في سدة الحكم. وهنا سيُنظر إلى هذه الكتلة على أنها المسؤولة عن حكم اليمين الإسرائيلي، الأمر الذي حدث في حكومة ناتالي بينيت بالشراكة مع يائير لابيد، والتي صمدت أربعة عشر شهراً فقط.
ثالثاً، حزب الليكود، وقدرة نتنياهو وفريقه على الهيمنة على مراكز القوة المؤثرة داخل الحزب، ووأد أي محاولة لظهور “قائد” كاريزماتي ينافس نتنياهو من الداخل. وهذا حدث مع تيار موشي فيغلن، الذي نافس نتنياهو في رئاسة حزب الليكود في انتخابات الليكود الداخلية، وشكل تياراً من المستوطنين الدينيين داخل الليكود، أطلق عليه آنذاك تيار “الفيغليين”، للاستيلاء على الليكود.
وهذا حدث مع موشيه كحلون، بعد أن ارتفعت أسهمه بعد نجاحه كوزير للاتصالات في تخفيض أسعار اتصالات الأجهزة الخلوية، فيما عُرف بثورة كحلون للاتصالات آنذاك. أضف إلى ذلك نجاح نتنياهو في تشريع قانون في الكنيست يمنع الجنرالات، وخصوصاً رؤساء أركان “الجيش”، وجهاز الشاباك، وجهاز الموساد، من الانخراط في الحياة السياسية والترشح للكنيست، لفترة أربعة أعوام منذ لحظة تركهم مناصبهم، فيما يُعرف بقانون “الانتظار”.
رابعاً، وجود خلافات شخصية وأيديولوجية وسياسية بين منافسي نتنياهو، يغلب عليها روح الأنا المصلحية، الأمر الذي يجعل توحدهم في كتلة سياسية يمينية قوية قادرة على التحالف، فيما بينها، أو مع أحزاب الوسط لتشكيل حكومة مستقرة تُبعد نتنياهو عن الحكم، أمراً مشكوكاً فيه.
لكن، بعد فشل نتنياهو الكارثي في منع عملية طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وطريقة إدارته الحرب على غزة، والمليئة بالإشكالات، والحسابات السياسية الشخصية، وقبل ذلك قضية “الثورة القضائية” والانقسامات الحادة التي سببتها حكومة نتنياهو داخل الشارع الإسرائيلي، والتي ستجد، بصورة مؤكَّدة، أي لجنة تحقيق بشأن فشل السابع من أكتوبر، رابطاً قوياً بينها وبين عملية طوفان الاقصى، باتت هناك أصوات كبيرة داخل اليمين الإسرائيلي، وخصوصاً من التيار اليميني العلماني، وحتى من قلب ناخبي حزب الليكود نفسه، تشعر بأنها في أزمة لا تعلم لمن تمنح صوتها الانتخابي.