“نيوزويك”: “إسرائيل” والهند نموذجاً.. واشنطن تقول شيئاً وتفعل شيئاً آخر
الولايات المتحدة تفرض معاملة تفضيلية على ما ينبغي أن يكون قيمة عالمية، وتتعامل مع حلفائها وشركائها بشكل مختلف كثيراً عن تعاملها مع منافسيها وخصومها.
مجلة “نيوزويك” الأميركية تنشر مقال رأي للكاتب دانيال ديبتريس، وهو باحث في أولويات الدفاع، يتحدث فيه عن المعايير المزدوجة التي تنتهجها الولايات المتحدة في ما يخص حقوق الإنسان، مستنداً إلى حالتين هما “إسرائيل” والهند.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرف:
خلال رحلته السابعة إلى الشرق الأوسط منذ بدء “طوفان الأقصى”، سلّم وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن رسالة لحرم جامعة كولومبيا في مانهاتن كان يأمل أن يتردد صداها في الشرق الأوسط، وجاء فيها أنّ “الولايات المتحدة تأخذ التزاماتها في مجال حقوق الإنسان على محمل الجد”.
وأصرّ بلينكن على الصحافيين المسافرين معه قائلاً: “عندما يتعلق الأمر بحقوق الإنسان، اسمحوا لي أن أكون واضحاً للغاية: لا توجد معايير مزدوجة”.
ربما يصدق المسؤولون الأميركيون حقاً ما يقوله بلينكن. ليس الأمر كأن الولايات المتحدة قاسية في ما يتعلق بحقوق الإنسان؛ فهناك مكتب كامل في وزارة الخارجية يركز بشكل حصري على هذه القضية، وتنشر وزارة الخارجية أيضاً تقريراً سنوياً عن ممارسات حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم مع تحليل لكل دولة على حدة.
لكن ما تقوله الولايات المتحدة لا يتوافق دائماً مع ما تفعله بالفعل. وبموجب القانون، يتعين على الولايات المتحدة وقف المساعدة الدفاعية لأي وحدة من قوات الأمن الأجنبية يتبين أنها ترتكب انتهاكات لحقوق الإنسان.
في الواقع، الولايات المتحدة تفرض معاملة تفضيلية على ما ينبغي أن يكون قيمة عالمية. وبصراحة، تتعامل الولايات المتحدة مع حلفائها وشركائها بشكل مختلف كثيراً عن تعاملها مع منافسيها وخصومها.
ولنأخذ إسرائيل التي شنّت على قطاع غزّة أكبر حملة عسكرية لها منذ الحرب في لبنان مطلع الثمانينيات بعد عملية “طوفان الأقصى” كمثال.
لقد خلقت الحرب نفسها ما يمكن أن يكون أسوأ كارثة إنسانية في العالم. وقد قُتل أكثر من 34 ألف فلسطيني، ثلثاهم من النساء والأطفال. نزحت عائلات في غزة عدة مرات، ويقيم أكثر من نصف سكان القطاع الآن في رفح التي أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنّها ستكون هدفاً بغض النظر عما إذا كانت “إسرائيل” وحماس قد توصلتا في نهاية المطاف إلى اتفاق لإطلاق سراح الرهائن.
ووفقاً لمنظمة العفو الدولية، شاركت القوات الإسرائيلية في هجمات غير قانونية ضد المدنيين، وغالباً ما تستخدم الأسلحة الأميركية في انتهاك للقانون الإنساني. ومع ذلك، واصلت إدارة بايدن الدفاع عن دعمها لحرب “إسرائيل”.
وفي حين أن هناك تعاطفاً مع الفلسطينيين في غزة وقدراً متزايداً من القلق داخل الحكومة الأميركية بشأن التكتيكات الإسرائيلية، لم تحدث أي تغييرات في السياسة الأميركية، ولا يعتقد أيّ مراقب للحرب أنّ بايدن سيخفض المساعدات العسكرية الأميركية لـ”إسرائيل”.
والهند مثال آخر، إذ لا تتطابق القيم مع المصالح. الهند هي أكبر ديمقراطية في العالم، ولكن في عهد رئيس الوزراء ناريندرا مودي، اتخذت البلاد منحى استبدادياً. ويحظى السكان المسلمون البالغ عددهم نحو 200 مليون نسمة على الحد الأدنى من حقوقهم في عهد مودي، الذي يستخدم لغة مثيرة للانقسام خلال خطاباته الانتخابية التي تصوّر المسلمين على أنّهم متسللون يسرقون ثروة الهند ويقوّضون أمنها.
وفي مارس/آذار، أعلنت حكومة مودي أنّها ستبدأ بتطبيق قانون كان خاملاً سابقاً يمنح الهندوس والسيخ والبوذيين المضطهدين في البلدان المجاورة الجنسية الهندية، فيما تم استبعاد المسلمين بشكل واضح.
ومع تنامي قوة الهند في جنوب آسيا على مدى العقد الماضي، تزايدت أيضاً طموحاتها، وأصبحت نيودلهي الآن أكثر عدوانية في الدفاع عن مصالحها الأمنية مقارنة بما كانت عليه في الماضي. وفي يونيو/حزيران الماضي، تورطت الحكومة الهندية في اغتيال معارض من السيخ في كندا. وقد تجاهلت واشنطن الأخبار إلى حد كبير، وتمسكت بالنص العام: “ندعو إلى إجراء تحقيق”.
وفقاً لتقرير استقصائي حصري نشرته صحيفة “واشنطن بوست” هذا الأسبوع، وجّه جهاز المخابرات الهندي محاولة اغتيال شخصية أخرى من السيخ في نيويورك. أرسل البيت الأبيض مدير وكالة المخابرات المركزية بيل بيرنز لتحذير نيودلهي على انفراد. ولكن في العلن، لم يكن هناك إجراء واحد للمساءلة؛ حتى إن لائحة الاتهام الصادرة عن وزارة العدل الأميركية أزالت أي إشارة إلى جناح الأبحاث والتحليل الهندي.
ولا يتطلب الأمر الحصول على شهادة جامعية في العلاقات الدولية لفهم ما يجري هنا؛ ففي حالة كل من “إسرائيل” والهند، تعدّ الاعتبارات الاستراتيجية أكثر أهمية بالنسبة إلى الولايات المتحدة من القيم. ويُنظر إلى العلاقات بين الولايات المتحدة و”إسرائيل” على أنّها لا يمكن المساس بها، إذ تتم إدارة أي خلافات شخصية أو خلافات سياسية من أجل الحفاظ على الشراكة.
قد لا تكون الهند شريكاً مقدساً بالنسبة إلى واشنطن مثل “إسرائيل”، لكن ليس هناك خلاف على أنّ قيمة العملاق الجنوب آسيوي في الاستراتيجية الكبرى للولايات المتحدة زادت، إذ رأى الرئيس السابق دونالد ترامب والرئيس بايدن على حد سواء أنّ الهند عنصر أساسي في تحالف واشنطن ضد الصين. ويتبنى المسؤولون الأميركيون على نحو متزايد عقلية مفادها أن العلاقات الأميركية الهندية أكبر من أن تفشل، ويستفيد مودي من هذا الأمر بشكل كامل.