أخبار محلية

كلمة‎ ‎الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله في ختام مراسم تقبل العزاء ‏بوفاة والدته في مجمع سيد الشهداء (ع) في الضاحية الجنوبية لبيروت

باسمه تعالى
‏ 28/05/2024 ‏

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين ‏والصلاة والسلام على ‏سيدنا ونبينا خاتم النبيين أبي القاسم محمد بن عبد الله وعلى ‏آله الطيبين الطاهرين وصحبه الاخبار ‏المنتجبين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ‏السلام عليكم جميعا ورحمة الله وبركاته.‏
‏ أرحب بحضوركم وأشكركم على ‏مواساتكم وعزائكم وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجزيكم كل خير ‏في الدنيا ‏والآخرة، يقول الله تعالى في كتابه المجيد، “الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله ‏وإنا اليه ‏راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة، وأولئك هم المهتدون”. ‏صدق الله العلي العظيم،
إن ‏شاء الله نحن وانتم ممن يسلم بمشيئة الله وقضاء الله ‏وقدره ويرضى برضاه وكل نفس ذائقة الموت.

‏إخواني وأخواتي الأعزاء انا لا ‏أريد اليوم أن أطيل عليكم كما هي العادة، لكن في ختام تقبل التعازي ‏في هذه الأيام ‏في كلمتي المختصرة، عدة عناوين مختصرة أيضا، العنوان الأول اعتزاز،
الثاني ‏شكر، ‏
الثالث حديث مختصر عن الفقيدة الوالدة،
وأخيراً لا بد من وقفة من المأساة ‏في رفح، أولا أنا أعتذر ‏بسبب الظروف الخاصة التي يعرفها الجميع ويقدرها ‏الجميع، ولذلك سواء في الساعات الأولى لتقبل ‏التعازي في روضة الشهيدين أو في ‏تشييع الجنازة وأشكر كل الذين حضروا أو في تقبل التعازي بعد ‏ذلك في الروضة ‏أو هنا في مجمع سيد الشهداء عليه السلام، أنتم جميعا تقدرون ظروفي، وإلا كان من ‏‏واجبي أن أكون انا في أول الصف الذي يستقبلكم ويتقبل مواساتكم ويشارككم هذا ‏العزاء، كذلك في ‏موضوع تلقي الاتصالات يعني الكثير من الأعزاء والشخصيات ‏والأحبة من داخل لبنان وخارجه ‏طلبوا التحدث هاتفيا وأن يقدموا العزاء، طبعا هذا ‏لم يكن متاحا لأنه منذ سنوات طويلة أيضا بسبب ‏الظرف الخاص أنا لا أستطيع أن ‏أتكلم لا على الهاتف الخليوي ولا على الهاتف المدني، نحن لدينا هذه ‏الشبكة ‏الصغيرة الداخلية، ولذلك كان الاتصال مع إخواني المسؤولين او مع الوالد أو مع ‏العائلة كاف ‏ليكون اتصال بي، على كل أيضا لكل الذين كانوا يريدون أو طلبوا أن ‏يتحدثوا معي هاتفيا أنا أعتذر ‏عن عدم الاتصال لأن الامر غير متاح لأسباب أمنية ‏معروفة ومنذ سنوات طويلة، يعني وعلى كل لو ‏أردت أنا ذلك الأخوة يمنعونني عن ‏ذلك، هذا أولا، أنا اعتذر عن الحضور المباشر واعتذر عن تلقي ‏الاتصالات ‏الهاتفية وأشعر وأعتز بحضوركم وبمواساتكم الأخوية لي ولعائلتنا وهذا يعني لنا ‏الكثير. ‏

في موضوع الشكر طبعا التعازي أخذت أشكالا مختلفة، هناك الحضور ‏المباشر في روضة الشهيدين ‏في تشييع الجنازة، في مجمع سيد الشهداء، في الأماكن ‏التي أقيم فيها عزاء أو تقبل تعازي، في طهران ‏وفي قم وفي النجف الاشرف، بعض ‏الاحبة وبعض الأصدقاء قاموا بذلك، هناك البيانات والبرقيات ‏والاتصالات الهاتفية ‏مع إخواني وعائلتنا والمسؤولين، ما كتب في مواقع التواصل الاجتماعي، على ‏كل ‏أخذ أشكالا مختلفة ومن دول مختلفة ومستويات مختلفة، الشكر لكل هؤلاء، أنا ‏بالنيابة عن جناب ‏السيد الوالد حفظه الله وإخواني وأخواتي وأقاربي وكل من ينتمي ‏لسبب أو نسب للوالدة وباسم عموم ‏عائلتنا آل نصر الله، وباسم عائلتيها أيضا السادة ‏الكرام من آل صفي الدين والعائلة الكريمة آل درويش ‏أتوجه بالشكر الى الجميع.‏
‏ ‏كنت أفكر في مقطع الشكر أن أفصل احتراما للمقامات وللشخصيات والمواقع ‏وحفظاً للحق، ولكن ‏وجدت أن اللائحة طويلة جداً والحمد لله أن المحبّون كثر ولذلك ‏سأعتذر عن اللائحة وأكتفي بالإجمال، ‏إجمال أسماء الدول، دون الدخول في ‏المواقع وفي الأسماء وفي التفاصيل وفي العناوين، لكل الذين ‏عزونا بكل الوسائل ‏المذكورة، من لبنان الى فلسطين الى سورية والعراق وايران والجمهورية ‏الإسلامية ‏وباكستان والهند شرقا وتركيا واليمن والبحرين والكويت ومصر وتونس وموريتانيا ‏والعديد ‏من الدول الافريقية والأردن والمغرب وجيبوتي، وأيضا الجاليات اللبنانية ‏في دول الاغتراب، أشكرهم ‏جميعا على مواساتهم وعلى عزائهم وعلى مشاعرهم ‏الطيبة والاخوية والمحبة التي عبروا عنها سواء ‏في برقياتهم او بياناتهم أو ‏اتصالاتهم، وأسأل الله سبحانه وتعالى لهم الاجر ولهم منا الشكر وأن لا يروا ‏‏مكروها في أحبائهم وفي أعزاءهم.‏
‏ أود أيضا في هذا المقطع أن أعبّر عن امتناني ‏الشخصي لإخواني المسؤولين في قيادتي حركة أمل ‏وحزب الله، أولا لأن القيادتين ‏أعلنتا عن تقبل التعازي وثانيا لحضورهما المباشر منذ الساعات الأولى ‏في روضة ‏الشهيدين إلى اليوم إلى هذه اللحظة، ووقوفهم لساعات طويلة في تقبل التعازي، ‏أشكرهم ‏شكرا كبيرا، في وقوفهم الى جانب الوالد والاقارب وأيضا كل من بذل ‏جهدا في إدارة وترتيب وتنسيق ‏وحماية هذه المراسم وتنظيمها من الاخوة سواء ‏الشباب والاخوة في حركة أمل او في حزب الله، كما ‏من واجبي أن أتوجه الى تلك ‏عوائل الشهداء الشريفة الذين أرسلوا تعازيهم من على جنائز شهدائهم في ‏اليومين ‏الماضيين، أنا اعزيهم وأبارك لهم بشهدائهم واعتز بمحبة كل عوائل الشهداء الذين ‏يعرفون ‏أننا نبادلهم هذه المحبة، الشكر للجميع.‏
‏ بالنسبة للوالدة ‏المرحومة أيضا كلمة مختصرة، لأنه نحن لا نستطيع ان نؤدي الحق لا للوالد ولا ‏‏للوالدة، في رسالة الحقوق المعروفة للإمام زين العابدين عليه السلام يقول سلام الله ‏عليه: وأما حق ‏أمك فأن تعلم انها حملتك حيث لا يحتمل أحد احداً وأعطتك من ‏ثمرة قلبها ما لا يعطي أحد احداً ووقتك ‏بجميع جوارحها ولا تبالي أن تجوع يعني ‏أن تجوع هي وتطعمك وتعطش وتسقيك، وتعرى وتكسوك ‏وتضحى “يعني تجلس ‏تحت الشمس” وتظلل عليك، وتهجر النوم لأجلك، ووقتك الحر والبرد لتكون ‏لها، ‏فإنك لا تطيق شكرها إلا بعون الله وتوفيقه، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا ‏وأن يعيننا على ‏شكرها وعلى شكرهما.‏

‏ الوالدة الفقيدة المرحومة منذ زواجها عُرفت بأم حسن، إسمها السيدة نهدية هاشم ‏صفي الدين، ولدت ‏من أبوين هاشميين حسينيين، يعودان بالنسب الشريف إلى ‏الشهيد زيد بن علي زين العابدين بن ‏الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام، ‏كانت امرأة مؤمنة طبية طاهرة هادئة قلما ما غضبت، ‏يعني خلال عشرات السنين، ‏لا أعرف إذا فعلت ذلك مرة أو إثنين أو ثلاثة، قلما غضبت، كانت قليلة ‏الكلام، ‏كثيرة الصمت، تتحدث إذا تكلمت بالقدر اللازم، تجيب على قدر السؤال، لا تتدخل ‏في شؤون ‏الاخرين، أنا لا أبالغ في كل هذا الوصف، كل من يعرف والدتي يعرف ‏هذه الصفات، لا تتدخل في ‏شؤون الاخرين، لا تسيء لأحد ولم تؤذي أحداً، لا بقول ‏ولا بفعل، لا تحمل في نفسها حقداً او كراهية ‏او غلاً او حتى حسداً لأحد، كانت ‏عائلتها أولويتها المطلقة، العناية بهم، تربيتهم، حمايتهم، خدمتهم، ‏الزوج والأولاد، ‏وكان لها تسعة أولاد، أربع شباب وخمسة صبايا، اليوم أصبحوا كبارا بالسن طبعاً، ‏‏والدتي كانت امرأة قنوعة لم تجادل يوماً حول مسكن او ملبس او مأكل، أغلب ‏عمرها مع الوالد ‏والعائلة قضته في غرفتين وغالباً في غرفة واحدة، من الممكن ‏بالسنوات الأخيرة أصبح لديهم ثلاثة ‏غرف، كانت معينة جداً في حمل الأعباء. في ‏البدايات كان لوالدي دكان يعمل فيه وكانت تعينه في ‏الدكان وتحضر معه صباحاً ‏ومساء، كانت معروفة بالصبر، امرأة صابرة محتسبة، كانت بارة ‏بوالديها، والدها ‏في سنواته الأخيرة كان كهلاً شيخاً عجوزاً كبيراً مريضاً وأبت إلا أن يكون في ‏بيتها، ‏لسنوات تجلس عند سريره وتخدمه في الليل وفي النهار، كانت تخدم الجميع ‏وتتأذى من أن يخدمها ‏أحد، وكانت محبة للجميع، امرأة عاطفية، كان الشهيد هادي ‏حفيدها الأول، أحبته وأحبها وتأثرت ‏كثيراً لشهادته وكانت تذكره على الدوام، ‏وكانت شاكرة لله سبحانه وتعالى حامدة له طول العمر، وفي ‏مرضها الطويل الذي طال سبع سنوات، ثماني سنوات، وكانت تُعاني من الآلام، دائمًا ‏عندما كانت ‏تُسأل كيفك يا حجة؟ الجواب الوحيد الحمد لله، الشكر لله. ‏
فضل الوالدة والوالد علينا أنا وإخواني وأخواتي لا يُوصف، نحن وُلدنا في حي من أحزمة البؤس من ‏أحياء ‏الفقراء في شرق بيروت المُسمى بحي “شرشبوك” في جوار منطقة الكرنتينا، وعشنا في ذلك ‏الحي تقريبًا ‏خمسة عشر سنة، لم يكن في حيّنا مسجد ولا مُصلّى ولا عالم دين ولا نشاط ديني، ولا ‏المدارس التي ‏ارتدناها من ابتدائية ومتوسطة وثانوية. لم يكن هناك تعليم ديني ولا نشاط ديني، ولكن ‏ببركة هذين الوالدين ‏مَنّ الله علينا أن هدانا للإيمان والتدين وعرفنا الصلاة والصوم وتلاوة القرآن ‏وخشية الله منذ الصغر، في ‏هذه البيئة، في هذا المحيط البعيد أو الأجنبي أو الحيادي عن كل ما له صلة ‏بالدين والتدين والنشاط الديني. ‏وأعظم نعمة بعد الوجود والذي واسطة الوجود هم الوالد والوالدة هي ‏نعمة الإيمان، ببركتهما وبفضلهما مَنّ ‏الله تعالى علينا بذلك. وكذلك نعمة الانتماء إلى الخط السياسي ‏الذي كُنّا فيه وما زلنا فيه، في ذلك الحي لم ‏نكن نعرف أحدا ولم يزرنا أحد، حي مسكين، بعيد، ‏معزول، حتى الذي يريد أن يقوم باستقطاب سياسي آخر ‏شيء يفكر بحي “شرشبوك”، ولكن ببركة ‏الوالد والوالدة وكُنّا شُبانًا صغارًا، تسع سنين، عشر سنين، أنا ‏وإخواني عرّفونا إلى سماحة الإمام ‏المغيب السيد موسى الصدر، حبّبونا به، كانت صورته أمام أعيننا، في ‏الدكان وفي البيت، وكانت ‏سيرته دائمًا على ألسنتهم، ومن الموقع التربوي والأبوي ومن البدايات انتمينا ‏إلى مدرسته وإلى خطّه ‏وإلى حركته وما زلنا سواءً كٌنّا أنا وإخواني، سواءً كُنّا في حزب الله أو في حركة ‏أمل. ‏
كان ببالي أن أقول فكرة ولكن أنا لا أريد أن أطيل عليكم، لكن أذكرها بشكل مختصر جدًا، من ذكرى ‏الوالدة ‏والوالد في حي “شرشبوك”، هذا الحي لم يكن حيًّا كبيرًا ولكنه كان مُتنوّعًا، كان فيه لبنانيون ‏وفلسطينيون، ‏وكلهم طبعًا فقراء، وكان هناك في الحي عرب من العشائر العربية الذين يسمّونهم الآن ‏عرب المسلخ، ‏عرب الكرنتينا، كانوا عندنا في الحي، وأكراد، هجّروا من بلدانهم ولاحقًا حصلوا على ‏الجنسية اللبنانية، ‏وأرمن، وكان في الحي شيعة وسنة، وكان في الحي فقراء من مختلف المناطق ‏اللبنانية، وكله مختلط، ‏جيران، ليس مثل الآن أحياء مفروزة طائفية، لا، يعني هذا البيت هنا شيعي ‏وفي البيت الآخر سني أو ‏أرمني وكردي، هكذا، حي مختلط، الجيران كلهم جيران مختلطين، وكان ‏هذا الحي وأهله في الستينات ‏وبداية السبعينات قبل الحرب الأهلية يعيشون مع بعضهم كجيران، أنا ‏أذكر ذلك جيدًا، طبعًا الوالد والأهل ‏يتذكرون أحسن مني، سلام وأمن وجيران ومحبة ومودة وتكافل ‏ولهفة، إذا أحد مرض، إذا أحد جُرح، إذا ‏أحد صار عليه شيء، لم يكن بلحظة من اللحظات أنّه مسلم ‏ومسيحي وسني وشيعي ولبناني وفلسطيني ‏وأرمني وكردي وعربي يمكن أن يُشكّل حاجزًا أو مانعًا ‏بين هؤلاء، جاءت الحرب الأهلية، مزّقت البلد. ‏
لكن أنا أريد أن آخذ من تجربة هذا الحي عِبرة للمستقبل وحتى في الحاضر أنتم تجدون عندما يحصل ‏‏خصومات بين قوى سياسية وتيارات سياسية ثمّ يتصالحون نجد أنّ الناس يُسارعون إلى بعضهم ‏البعض، ‏الناس مسلمين ومسيحيين، كلّ الناس في هذا البلد هم يريدون حقيقة أن يعيشوا مع بعضهم ‏بسلام وأن ‏ينسجموا وأن يألفوا ويتآلفوا، وعندما يُتاح لهم أدنى فرصة لذلك يُسارعون إلى ذلك. ‏المشكلة عندنا هي في ‏الصراع السياسي، هي في أداء بعض الزعامات والقيادات السياسية التي تُحوّل ‏الصراع السياسي إلى ‏صراع طائفي، التي تُحوّل الخلاف السياسي إلى أحقاد تُنشر بين الناس وتراكم ‏بين الناس. ‏
في ذكرى الوالدة وقد عادت الذاكرة إلى حي “شرشبوك” أتمنى أن نعود إلى تلك الأيام التي يعيش فيها ‏‏الناس جميعًا بوئام وسلام وأن يُنظّموا اختلافاتهم السياسية بعيدًا عن التحريض والتجييش وإشاعة ‏مشاعر ‏وعواطف الحقد والبغضاء بين الناس، وهذا أمر متاح وممكن. ‏
في موضوع رفح لا يمكن أن أتكلم وأخطب وإن كان في ذكرى عزيزة دون أن نقف ولو لدقائق أمام ‏المذبحة ‏التي حصلت في رفح والتي تكشف عن وحشية هذا العدو من جديد، هي لا تكشف، هي تُؤكّد، ‏تُبيّن أكثر من ‏أي وقت مضى وحشية هذا العدو وغدره وخيانته، هذا عدو غادر، هناك عدو لكن يمكن ‏ان يكون عنده القليل ‏من القيم والشهامة والضوابط، هذا عدو بلا قيم، بلا ضوابط، بلا شرف، بلا ‏أخلاق، بلا إنسانية، بلا ضمير، ‏البعض يُحاول أن يقول نازيين، أصلًا أكثر من نازيين. ‏
ما هو هذا المشهد؟ أنّه أنت الإسرائيلي يأتي ويقول للناس لأهل رفح واللاجئين إلى رفح اذهبوا إلى ‏المنطقة ‏الفلانية “المواصي” وغيرها وهذه منطقة آمنة، هو أعطاهم الأمان وقال لهم اذهبوا إلى تلك ‏المنطقة، فذهبوا ‏إلى تلك الأرض وأقاموا خيامًا لهم، ليست خيامًا، هي من القماش، وفي وسط الليل ‏والناس نيام، أطفال ‏ونساء وأعداد كبيرة في كل خيمة وعائلات مجتمعة مع بعضها البعض يتم قصفهم ‏بهذه الطريقة الوحشية، ‏من هم هؤلاء؟ من هي هذه إسرائيل؟ أنّه هم في البدايات كانوا يقولون عن ‏الفلسطينيين تعابير غير ‏لائقة، حيوانات وما شاكل، أنتم الوحوش، بل قياسكم إلى الوحوش يمكن فيه ‏إساءة إلى الوحوش، لأنّه يمكن ‏الوحوش ان يكون عندهم بعض العادات والتقاليد، أنتم ليس عندكم ‏شيء، هم جدّدوا أمام ناظرينا صفة قتلة ‏الأنبياء، هذا مشهد مهول، مروع، أناس يقطنون بخيم قماشية ‏يُقصفون مُباشرة، أجساد مُحترقة، أطفال ‏قُطّعت رؤوسها، أشلاء مُجزّأة ومُقطّعة، هذه مجزرة مهولة ‏ويجب أن يُوقظ هذا الدم كلّ الغافلين والنائمين ‏والساكتين في هذا العالم. ‏
هذه الحادثة أسقطت وأزالت وتلاشت معها كلّ مساحيق التجميل الكاذبة لهذا الكيان على مدى عهود ‏من ‏الزمن في محاولة لتقديمه كيان إنساني طبيعي قانوني مُؤدّب مُلتزم بالقانون، هذا انتهى. ‏
للمطبعين يجب أن نقول مع من ستُطبّعون غدًا؟ مع هؤلاء المتوحشين؟ مع هؤلاء الغدارين الخونة؟ مع ‏‏هؤلاء الذين لا حدود لوحشيتهم وإجرامهم ونازيتهم؟
‏ ‏أمر آخر، من هذه إسرائيل؟ من هذه الدولة التي تتحدّى العالم ولا تحترم العالم وتخرج على إرادة ‏العالم ‏ظاهرًا، على ما يظهر من إرادة العالم والمجتمع الدولي. خلال كل الأسابيع الماضية سمعنا دولا ‏أوروبية، ‏دول العالم يُطالبون إسرائيل بعدم القيام بعملية عسكرية في رفح ويُحذّرون إسرائيل من ‏المس بالمدنيين، ‏والنفاق الأمريكي لعب علينا كثيرًا أيضًا بالأسابيع الماضية وأنه غير موافق على ‏عملية في رفح ويريد ‏الخطة ويريد ضمان المدنيين ويريد أن يكون المدنيين في اماكن آمنة، وخرجوا ‏إلى الأماكن التي قيل عنها ‏آمنة، البيت الأبيض مضى عليه 48 ساعة وما زال يُقيّم المعلومات، هو ‏يدرس الحدث، هو قلق ممّا حصل، ‏مع العلم أنّ المجزرة بُثّت بشكل مباشر وفي كل شاشات التلفزة في ‏العالم، في مواقع التواصل الاجتماعي، ‏المناظر المهولة. ‏
على كل تتحدى إرادة العالم وإرادة المجتمع الدولي، محكمة العدل الدولية قبل أيام تأمر بوقف الهجوم ‏على ‏رفح فيكون الجواب الغارات الشديدة ثمّ المجازر ثمّ المجزرة اليوم، ماذا أوقف؟ أمس نتنياهو ‏يقول حادث لا ‏أعرف ماذا نريد أن نُحقّق، لكن لم يأسف ولم يعتذر ولن يفعل ذلك وليس هذه طبيعته، ‏ولكنهم أكملوا اليوم ‏بالمجازر، هذه دولة عصية على من؟ هل يمكن أن نُصدّق أنها دولة عصية على ‏العالم وعلى المجتمع ‏الدولي. ‏
على كل يجب أن نُدين هذه المجازر المُروّعة، يجب أن تكون هذه المجازر سببًا قويًا يدفع العالم ‏ونجعل ‏جميعًا العالم يندفع باتجاه ضغط لوقف الحرب والعدوان على أهل غزة، وأيضًا يجب أن نأخذ ‏العبرة، كل ‏شعوب المنطقة وخصوصًا عندنا هنا الشعب اللبناني، للبعض الذين يقولون هذه إسرائيل ‏جارة وتريد أن ‏تعيش بسلام ونحن نعتدي عليها ولم تضربنا بوردة، لا أعرف هؤلاء في أي عالم ‏يعيشون، أي كون، أو ‏الذين يُراهنون أنه من سيحمي لبنان؟ المجتمع الدولي؟ من سيحمي لبنان؟ ‏القرارات الدولية؟ فقط علينا نحن ‏أن نُصغي للمجتمع الدولي يطلب منا أن ننسحب فلننسحب، أن نُسلّم ‏سلاحنا فلنُسلّم سلاحنا والباقي يتكفّل به ‏المجتمع الدولي. لكل الغافلين والجاهلين – في حال كانوا ‏غافلين وجاهلين – ولكل المنفصلين عن الواقع ‏ولكل المتنكرين للحقائق اليومية تصرخ في آذانكم ‏أطفال غزة ونساء غزة وأشلاء الأطفال والنساء في كل ‏غزة وفي رفح قبل أيام، تصرخ في آذانكم، ‏تُلطّخ وجوهكم بالدم، تُخاطبكم برؤوس مقطوعة وأشلاء مُجزّأة ‏ومُتناثرة وتقول لكم: يحميكم قوتكم، ‏وحدتكم، سلاحكم، مقاومتكم، رجالكم، قبضاتكم، دماء شهدائكم، ‏تضحياتكم، شجاعتكم، أما الخضوع ‏والاستسلام والتسوّل على أبواب المجتمع الدولي، هذا هو المجتمع ‏الدولي، انظروا إليه، انظروا إليه ‏وهو عاجز، ضعيف، فقط يُصدر بيانات الإدانة والاستنكار ويُعبّر عن ‏القلق، هل يحمينا قلقه ‏واستنكاره وبيانات إدانته؟ أم تحمينا سواعدنا وبنادقنا؟ ‏
نحن في أيام التحرير، في أيام أيار التحرير، استعدنا أرضنا بهذا الطريق، بهذا النهج، بهذا السلوك، ‏بهذه ‏القبضات، بهذه الدماء، بهذه التضحيات، طبعًا هذا فيه تضحيات كبيرة وجسيمة، آلاف الشهداء ‏من كل ‏فصائل وحركات وأحزاب المقاومة. ‏
وعلى كل هذه الحادثة، هذه المجزرة ومُجمل ما يرتكبه العدو من حماقات أنا أقول لكم هذه الدماء ‏المظلومة ‏الزكية ستُعجّل إن شاء الله في هزيمة هذا الكيان، في انهيار هذا الكيان، في زوال هذا الكيان، ‏نحن لا نرى ‏لهذا الكيان المجرم المتوحش القاتل النازي أي مستقبل في منطقتنا على الإطلاق. ‏
أشكركم على مواساتكم، على حضوركم، عظّم الله أجوركم، لا أراكم أي مكروه، تقبل الله منكم والسلام ‏عليكم ‏ورحمة الله وبركاته.‏

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى