كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله في ختام مراسم تقبل العزاء بوفاة والدته في مجمع سيد الشهداء (ع) في الضاحية الجنوبية لبيروت
باسمه تعالى
28/05/2024
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا خاتم النبيين أبي القاسم محمد بن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه الاخبار المنتجبين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، السلام عليكم جميعا ورحمة الله وبركاته.
أرحب بحضوركم وأشكركم على مواساتكم وعزائكم وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجزيكم كل خير في الدنيا والآخرة، يقول الله تعالى في كتابه المجيد، “الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا اليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة، وأولئك هم المهتدون”. صدق الله العلي العظيم،
إن شاء الله نحن وانتم ممن يسلم بمشيئة الله وقضاء الله وقدره ويرضى برضاه وكل نفس ذائقة الموت.
إخواني وأخواتي الأعزاء انا لا أريد اليوم أن أطيل عليكم كما هي العادة، لكن في ختام تقبل التعازي في هذه الأيام في كلمتي المختصرة، عدة عناوين مختصرة أيضا، العنوان الأول اعتزاز،
الثاني شكر،
الثالث حديث مختصر عن الفقيدة الوالدة،
وأخيراً لا بد من وقفة من المأساة في رفح، أولا أنا أعتذر بسبب الظروف الخاصة التي يعرفها الجميع ويقدرها الجميع، ولذلك سواء في الساعات الأولى لتقبل التعازي في روضة الشهيدين أو في تشييع الجنازة وأشكر كل الذين حضروا أو في تقبل التعازي بعد ذلك في الروضة أو هنا في مجمع سيد الشهداء عليه السلام، أنتم جميعا تقدرون ظروفي، وإلا كان من واجبي أن أكون انا في أول الصف الذي يستقبلكم ويتقبل مواساتكم ويشارككم هذا العزاء، كذلك في موضوع تلقي الاتصالات يعني الكثير من الأعزاء والشخصيات والأحبة من داخل لبنان وخارجه طلبوا التحدث هاتفيا وأن يقدموا العزاء، طبعا هذا لم يكن متاحا لأنه منذ سنوات طويلة أيضا بسبب الظرف الخاص أنا لا أستطيع أن أتكلم لا على الهاتف الخليوي ولا على الهاتف المدني، نحن لدينا هذه الشبكة الصغيرة الداخلية، ولذلك كان الاتصال مع إخواني المسؤولين او مع الوالد أو مع العائلة كاف ليكون اتصال بي، على كل أيضا لكل الذين كانوا يريدون أو طلبوا أن يتحدثوا معي هاتفيا أنا أعتذر عن عدم الاتصال لأن الامر غير متاح لأسباب أمنية معروفة ومنذ سنوات طويلة، يعني وعلى كل لو أردت أنا ذلك الأخوة يمنعونني عن ذلك، هذا أولا، أنا اعتذر عن الحضور المباشر واعتذر عن تلقي الاتصالات الهاتفية وأشعر وأعتز بحضوركم وبمواساتكم الأخوية لي ولعائلتنا وهذا يعني لنا الكثير.
في موضوع الشكر طبعا التعازي أخذت أشكالا مختلفة، هناك الحضور المباشر في روضة الشهيدين في تشييع الجنازة، في مجمع سيد الشهداء، في الأماكن التي أقيم فيها عزاء أو تقبل تعازي، في طهران وفي قم وفي النجف الاشرف، بعض الاحبة وبعض الأصدقاء قاموا بذلك، هناك البيانات والبرقيات والاتصالات الهاتفية مع إخواني وعائلتنا والمسؤولين، ما كتب في مواقع التواصل الاجتماعي، على كل أخذ أشكالا مختلفة ومن دول مختلفة ومستويات مختلفة، الشكر لكل هؤلاء، أنا بالنيابة عن جناب السيد الوالد حفظه الله وإخواني وأخواتي وأقاربي وكل من ينتمي لسبب أو نسب للوالدة وباسم عموم عائلتنا آل نصر الله، وباسم عائلتيها أيضا السادة الكرام من آل صفي الدين والعائلة الكريمة آل درويش أتوجه بالشكر الى الجميع.
كنت أفكر في مقطع الشكر أن أفصل احتراما للمقامات وللشخصيات والمواقع وحفظاً للحق، ولكن وجدت أن اللائحة طويلة جداً والحمد لله أن المحبّون كثر ولذلك سأعتذر عن اللائحة وأكتفي بالإجمال، إجمال أسماء الدول، دون الدخول في المواقع وفي الأسماء وفي التفاصيل وفي العناوين، لكل الذين عزونا بكل الوسائل المذكورة، من لبنان الى فلسطين الى سورية والعراق وايران والجمهورية الإسلامية وباكستان والهند شرقا وتركيا واليمن والبحرين والكويت ومصر وتونس وموريتانيا والعديد من الدول الافريقية والأردن والمغرب وجيبوتي، وأيضا الجاليات اللبنانية في دول الاغتراب، أشكرهم جميعا على مواساتهم وعلى عزائهم وعلى مشاعرهم الطيبة والاخوية والمحبة التي عبروا عنها سواء في برقياتهم او بياناتهم أو اتصالاتهم، وأسأل الله سبحانه وتعالى لهم الاجر ولهم منا الشكر وأن لا يروا مكروها في أحبائهم وفي أعزاءهم.
أود أيضا في هذا المقطع أن أعبّر عن امتناني الشخصي لإخواني المسؤولين في قيادتي حركة أمل وحزب الله، أولا لأن القيادتين أعلنتا عن تقبل التعازي وثانيا لحضورهما المباشر منذ الساعات الأولى في روضة الشهيدين إلى اليوم إلى هذه اللحظة، ووقوفهم لساعات طويلة في تقبل التعازي، أشكرهم شكرا كبيرا، في وقوفهم الى جانب الوالد والاقارب وأيضا كل من بذل جهدا في إدارة وترتيب وتنسيق وحماية هذه المراسم وتنظيمها من الاخوة سواء الشباب والاخوة في حركة أمل او في حزب الله، كما من واجبي أن أتوجه الى تلك عوائل الشهداء الشريفة الذين أرسلوا تعازيهم من على جنائز شهدائهم في اليومين الماضيين، أنا اعزيهم وأبارك لهم بشهدائهم واعتز بمحبة كل عوائل الشهداء الذين يعرفون أننا نبادلهم هذه المحبة، الشكر للجميع.
بالنسبة للوالدة المرحومة أيضا كلمة مختصرة، لأنه نحن لا نستطيع ان نؤدي الحق لا للوالد ولا للوالدة، في رسالة الحقوق المعروفة للإمام زين العابدين عليه السلام يقول سلام الله عليه: وأما حق أمك فأن تعلم انها حملتك حيث لا يحتمل أحد احداً وأعطتك من ثمرة قلبها ما لا يعطي أحد احداً ووقتك بجميع جوارحها ولا تبالي أن تجوع يعني أن تجوع هي وتطعمك وتعطش وتسقيك، وتعرى وتكسوك وتضحى “يعني تجلس تحت الشمس” وتظلل عليك، وتهجر النوم لأجلك، ووقتك الحر والبرد لتكون لها، فإنك لا تطيق شكرها إلا بعون الله وتوفيقه، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا وأن يعيننا على شكرها وعلى شكرهما.
الوالدة الفقيدة المرحومة منذ زواجها عُرفت بأم حسن، إسمها السيدة نهدية هاشم صفي الدين، ولدت من أبوين هاشميين حسينيين، يعودان بالنسب الشريف إلى الشهيد زيد بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام، كانت امرأة مؤمنة طبية طاهرة هادئة قلما ما غضبت، يعني خلال عشرات السنين، لا أعرف إذا فعلت ذلك مرة أو إثنين أو ثلاثة، قلما غضبت، كانت قليلة الكلام، كثيرة الصمت، تتحدث إذا تكلمت بالقدر اللازم، تجيب على قدر السؤال، لا تتدخل في شؤون الاخرين، أنا لا أبالغ في كل هذا الوصف، كل من يعرف والدتي يعرف هذه الصفات، لا تتدخل في شؤون الاخرين، لا تسيء لأحد ولم تؤذي أحداً، لا بقول ولا بفعل، لا تحمل في نفسها حقداً او كراهية او غلاً او حتى حسداً لأحد، كانت عائلتها أولويتها المطلقة، العناية بهم، تربيتهم، حمايتهم، خدمتهم، الزوج والأولاد، وكان لها تسعة أولاد، أربع شباب وخمسة صبايا، اليوم أصبحوا كبارا بالسن طبعاً، والدتي كانت امرأة قنوعة لم تجادل يوماً حول مسكن او ملبس او مأكل، أغلب عمرها مع الوالد والعائلة قضته في غرفتين وغالباً في غرفة واحدة، من الممكن بالسنوات الأخيرة أصبح لديهم ثلاثة غرف، كانت معينة جداً في حمل الأعباء. في البدايات كان لوالدي دكان يعمل فيه وكانت تعينه في الدكان وتحضر معه صباحاً ومساء، كانت معروفة بالصبر، امرأة صابرة محتسبة، كانت بارة بوالديها، والدها في سنواته الأخيرة كان كهلاً شيخاً عجوزاً كبيراً مريضاً وأبت إلا أن يكون في بيتها، لسنوات تجلس عند سريره وتخدمه في الليل وفي النهار، كانت تخدم الجميع وتتأذى من أن يخدمها أحد، وكانت محبة للجميع، امرأة عاطفية، كان الشهيد هادي حفيدها الأول، أحبته وأحبها وتأثرت كثيراً لشهادته وكانت تذكره على الدوام، وكانت شاكرة لله سبحانه وتعالى حامدة له طول العمر، وفي مرضها الطويل الذي طال سبع سنوات، ثماني سنوات، وكانت تُعاني من الآلام، دائمًا عندما كانت تُسأل كيفك يا حجة؟ الجواب الوحيد الحمد لله، الشكر لله.
فضل الوالدة والوالد علينا أنا وإخواني وأخواتي لا يُوصف، نحن وُلدنا في حي من أحزمة البؤس من أحياء الفقراء في شرق بيروت المُسمى بحي “شرشبوك” في جوار منطقة الكرنتينا، وعشنا في ذلك الحي تقريبًا خمسة عشر سنة، لم يكن في حيّنا مسجد ولا مُصلّى ولا عالم دين ولا نشاط ديني، ولا المدارس التي ارتدناها من ابتدائية ومتوسطة وثانوية. لم يكن هناك تعليم ديني ولا نشاط ديني، ولكن ببركة هذين الوالدين مَنّ الله علينا أن هدانا للإيمان والتدين وعرفنا الصلاة والصوم وتلاوة القرآن وخشية الله منذ الصغر، في هذه البيئة، في هذا المحيط البعيد أو الأجنبي أو الحيادي عن كل ما له صلة بالدين والتدين والنشاط الديني. وأعظم نعمة بعد الوجود والذي واسطة الوجود هم الوالد والوالدة هي نعمة الإيمان، ببركتهما وبفضلهما مَنّ الله تعالى علينا بذلك. وكذلك نعمة الانتماء إلى الخط السياسي الذي كُنّا فيه وما زلنا فيه، في ذلك الحي لم نكن نعرف أحدا ولم يزرنا أحد، حي مسكين، بعيد، معزول، حتى الذي يريد أن يقوم باستقطاب سياسي آخر شيء يفكر بحي “شرشبوك”، ولكن ببركة الوالد والوالدة وكُنّا شُبانًا صغارًا، تسع سنين، عشر سنين، أنا وإخواني عرّفونا إلى سماحة الإمام المغيب السيد موسى الصدر، حبّبونا به، كانت صورته أمام أعيننا، في الدكان وفي البيت، وكانت سيرته دائمًا على ألسنتهم، ومن الموقع التربوي والأبوي ومن البدايات انتمينا إلى مدرسته وإلى خطّه وإلى حركته وما زلنا سواءً كٌنّا أنا وإخواني، سواءً كُنّا في حزب الله أو في حركة أمل.
كان ببالي أن أقول فكرة ولكن أنا لا أريد أن أطيل عليكم، لكن أذكرها بشكل مختصر جدًا، من ذكرى الوالدة والوالد في حي “شرشبوك”، هذا الحي لم يكن حيًّا كبيرًا ولكنه كان مُتنوّعًا، كان فيه لبنانيون وفلسطينيون، وكلهم طبعًا فقراء، وكان هناك في الحي عرب من العشائر العربية الذين يسمّونهم الآن عرب المسلخ، عرب الكرنتينا، كانوا عندنا في الحي، وأكراد، هجّروا من بلدانهم ولاحقًا حصلوا على الجنسية اللبنانية، وأرمن، وكان في الحي شيعة وسنة، وكان في الحي فقراء من مختلف المناطق اللبنانية، وكله مختلط، جيران، ليس مثل الآن أحياء مفروزة طائفية، لا، يعني هذا البيت هنا شيعي وفي البيت الآخر سني أو أرمني وكردي، هكذا، حي مختلط، الجيران كلهم جيران مختلطين، وكان هذا الحي وأهله في الستينات وبداية السبعينات قبل الحرب الأهلية يعيشون مع بعضهم كجيران، أنا أذكر ذلك جيدًا، طبعًا الوالد والأهل يتذكرون أحسن مني، سلام وأمن وجيران ومحبة ومودة وتكافل ولهفة، إذا أحد مرض، إذا أحد جُرح، إذا أحد صار عليه شيء، لم يكن بلحظة من اللحظات أنّه مسلم ومسيحي وسني وشيعي ولبناني وفلسطيني وأرمني وكردي وعربي يمكن أن يُشكّل حاجزًا أو مانعًا بين هؤلاء، جاءت الحرب الأهلية، مزّقت البلد.
لكن أنا أريد أن آخذ من تجربة هذا الحي عِبرة للمستقبل وحتى في الحاضر أنتم تجدون عندما يحصل خصومات بين قوى سياسية وتيارات سياسية ثمّ يتصالحون نجد أنّ الناس يُسارعون إلى بعضهم البعض، الناس مسلمين ومسيحيين، كلّ الناس في هذا البلد هم يريدون حقيقة أن يعيشوا مع بعضهم بسلام وأن ينسجموا وأن يألفوا ويتآلفوا، وعندما يُتاح لهم أدنى فرصة لذلك يُسارعون إلى ذلك. المشكلة عندنا هي في الصراع السياسي، هي في أداء بعض الزعامات والقيادات السياسية التي تُحوّل الصراع السياسي إلى صراع طائفي، التي تُحوّل الخلاف السياسي إلى أحقاد تُنشر بين الناس وتراكم بين الناس.
في ذكرى الوالدة وقد عادت الذاكرة إلى حي “شرشبوك” أتمنى أن نعود إلى تلك الأيام التي يعيش فيها الناس جميعًا بوئام وسلام وأن يُنظّموا اختلافاتهم السياسية بعيدًا عن التحريض والتجييش وإشاعة مشاعر وعواطف الحقد والبغضاء بين الناس، وهذا أمر متاح وممكن.
في موضوع رفح لا يمكن أن أتكلم وأخطب وإن كان في ذكرى عزيزة دون أن نقف ولو لدقائق أمام المذبحة التي حصلت في رفح والتي تكشف عن وحشية هذا العدو من جديد، هي لا تكشف، هي تُؤكّد، تُبيّن أكثر من أي وقت مضى وحشية هذا العدو وغدره وخيانته، هذا عدو غادر، هناك عدو لكن يمكن ان يكون عنده القليل من القيم والشهامة والضوابط، هذا عدو بلا قيم، بلا ضوابط، بلا شرف، بلا أخلاق، بلا إنسانية، بلا ضمير، البعض يُحاول أن يقول نازيين، أصلًا أكثر من نازيين.
ما هو هذا المشهد؟ أنّه أنت الإسرائيلي يأتي ويقول للناس لأهل رفح واللاجئين إلى رفح اذهبوا إلى المنطقة الفلانية “المواصي” وغيرها وهذه منطقة آمنة، هو أعطاهم الأمان وقال لهم اذهبوا إلى تلك المنطقة، فذهبوا إلى تلك الأرض وأقاموا خيامًا لهم، ليست خيامًا، هي من القماش، وفي وسط الليل والناس نيام، أطفال ونساء وأعداد كبيرة في كل خيمة وعائلات مجتمعة مع بعضها البعض يتم قصفهم بهذه الطريقة الوحشية، من هم هؤلاء؟ من هي هذه إسرائيل؟ أنّه هم في البدايات كانوا يقولون عن الفلسطينيين تعابير غير لائقة، حيوانات وما شاكل، أنتم الوحوش، بل قياسكم إلى الوحوش يمكن فيه إساءة إلى الوحوش، لأنّه يمكن الوحوش ان يكون عندهم بعض العادات والتقاليد، أنتم ليس عندكم شيء، هم جدّدوا أمام ناظرينا صفة قتلة الأنبياء، هذا مشهد مهول، مروع، أناس يقطنون بخيم قماشية يُقصفون مُباشرة، أجساد مُحترقة، أطفال قُطّعت رؤوسها، أشلاء مُجزّأة ومُقطّعة، هذه مجزرة مهولة ويجب أن يُوقظ هذا الدم كلّ الغافلين والنائمين والساكتين في هذا العالم.
هذه الحادثة أسقطت وأزالت وتلاشت معها كلّ مساحيق التجميل الكاذبة لهذا الكيان على مدى عهود من الزمن في محاولة لتقديمه كيان إنساني طبيعي قانوني مُؤدّب مُلتزم بالقانون، هذا انتهى.
للمطبعين يجب أن نقول مع من ستُطبّعون غدًا؟ مع هؤلاء المتوحشين؟ مع هؤلاء الغدارين الخونة؟ مع هؤلاء الذين لا حدود لوحشيتهم وإجرامهم ونازيتهم؟
أمر آخر، من هذه إسرائيل؟ من هذه الدولة التي تتحدّى العالم ولا تحترم العالم وتخرج على إرادة العالم ظاهرًا، على ما يظهر من إرادة العالم والمجتمع الدولي. خلال كل الأسابيع الماضية سمعنا دولا أوروبية، دول العالم يُطالبون إسرائيل بعدم القيام بعملية عسكرية في رفح ويُحذّرون إسرائيل من المس بالمدنيين، والنفاق الأمريكي لعب علينا كثيرًا أيضًا بالأسابيع الماضية وأنه غير موافق على عملية في رفح ويريد الخطة ويريد ضمان المدنيين ويريد أن يكون المدنيين في اماكن آمنة، وخرجوا إلى الأماكن التي قيل عنها آمنة، البيت الأبيض مضى عليه 48 ساعة وما زال يُقيّم المعلومات، هو يدرس الحدث، هو قلق ممّا حصل، مع العلم أنّ المجزرة بُثّت بشكل مباشر وفي كل شاشات التلفزة في العالم، في مواقع التواصل الاجتماعي، المناظر المهولة.
على كل تتحدى إرادة العالم وإرادة المجتمع الدولي، محكمة العدل الدولية قبل أيام تأمر بوقف الهجوم على رفح فيكون الجواب الغارات الشديدة ثمّ المجازر ثمّ المجزرة اليوم، ماذا أوقف؟ أمس نتنياهو يقول حادث لا أعرف ماذا نريد أن نُحقّق، لكن لم يأسف ولم يعتذر ولن يفعل ذلك وليس هذه طبيعته، ولكنهم أكملوا اليوم بالمجازر، هذه دولة عصية على من؟ هل يمكن أن نُصدّق أنها دولة عصية على العالم وعلى المجتمع الدولي.
على كل يجب أن نُدين هذه المجازر المُروّعة، يجب أن تكون هذه المجازر سببًا قويًا يدفع العالم ونجعل جميعًا العالم يندفع باتجاه ضغط لوقف الحرب والعدوان على أهل غزة، وأيضًا يجب أن نأخذ العبرة، كل شعوب المنطقة وخصوصًا عندنا هنا الشعب اللبناني، للبعض الذين يقولون هذه إسرائيل جارة وتريد أن تعيش بسلام ونحن نعتدي عليها ولم تضربنا بوردة، لا أعرف هؤلاء في أي عالم يعيشون، أي كون، أو الذين يُراهنون أنه من سيحمي لبنان؟ المجتمع الدولي؟ من سيحمي لبنان؟ القرارات الدولية؟ فقط علينا نحن أن نُصغي للمجتمع الدولي يطلب منا أن ننسحب فلننسحب، أن نُسلّم سلاحنا فلنُسلّم سلاحنا والباقي يتكفّل به المجتمع الدولي. لكل الغافلين والجاهلين – في حال كانوا غافلين وجاهلين – ولكل المنفصلين عن الواقع ولكل المتنكرين للحقائق اليومية تصرخ في آذانكم أطفال غزة ونساء غزة وأشلاء الأطفال والنساء في كل غزة وفي رفح قبل أيام، تصرخ في آذانكم، تُلطّخ وجوهكم بالدم، تُخاطبكم برؤوس مقطوعة وأشلاء مُجزّأة ومُتناثرة وتقول لكم: يحميكم قوتكم، وحدتكم، سلاحكم، مقاومتكم، رجالكم، قبضاتكم، دماء شهدائكم، تضحياتكم، شجاعتكم، أما الخضوع والاستسلام والتسوّل على أبواب المجتمع الدولي، هذا هو المجتمع الدولي، انظروا إليه، انظروا إليه وهو عاجز، ضعيف، فقط يُصدر بيانات الإدانة والاستنكار ويُعبّر عن القلق، هل يحمينا قلقه واستنكاره وبيانات إدانته؟ أم تحمينا سواعدنا وبنادقنا؟
نحن في أيام التحرير، في أيام أيار التحرير، استعدنا أرضنا بهذا الطريق، بهذا النهج، بهذا السلوك، بهذه القبضات، بهذه الدماء، بهذه التضحيات، طبعًا هذا فيه تضحيات كبيرة وجسيمة، آلاف الشهداء من كل فصائل وحركات وأحزاب المقاومة.
وعلى كل هذه الحادثة، هذه المجزرة ومُجمل ما يرتكبه العدو من حماقات أنا أقول لكم هذه الدماء المظلومة الزكية ستُعجّل إن شاء الله في هزيمة هذا الكيان، في انهيار هذا الكيان، في زوال هذا الكيان، نحن لا نرى لهذا الكيان المجرم المتوحش القاتل النازي أي مستقبل في منطقتنا على الإطلاق.
أشكركم على مواساتكم، على حضوركم، عظّم الله أجوركم، لا أراكم أي مكروه، تقبل الله منكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.