أخبار محلية

✳️زيارة “روتو”: ما ملامح تطور العلاقات الأمريكية–الكينية؟✳️


شيماء محمود ـ إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية
تشهد العلاقات الأمريكية–الكينية دفعة جديدة على مستوى طبيعة المضامين الخاصة بالتفاعلات البينية القائمة بين الطرفين، ويرتبط ذلك في الأساس بالزيارة التي أجراها الرئيس الكيني “وليام روتو” إلى الولايات المتحدة الأمريكية، والتقى خلالها نظيره الأمريكي “جو بايدن” في 23 مايو 2024. وتتزامن هذه الزيارة مع الذكرى الستين لتأسيس العلاقات بين البلدين. وتأتي هذه الزيارة لتعكس حالة من التطور في ملامح العلاقات المشتركة بين الجانبين، ولا سيما في ضوء ديناميات التنافس الدولي القائم في أفريقيا، في ظل تحركات عدد من القوى الدولية، وخاصةً روسيا والصين،
سياقات حاكمة
ثمة العديد من السياقات الحاكمة لتطور العلاقات الأمريكية–الكينية في ضوء زيارة الرئيس الكيني “روتو” إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وهي السياقات المتمثلة فيما يلي:
1– محاولة واشنطن ترميم نفوذها في أفريقيا: فقد تراجع النفوذ الأمريكي في عدد من المناطق، وعلى رأسها منطقة الساحل الأفريقي. وعلى الرغم من محاولة الولايات الأمريكية تعزيز وجودها في دول هذه المنطقة من خلال بوابة المساعدات العسكرية – وذلك بموجب أداة سياسة الشراكة عبر الصحراء لمكافحة الإرهاب Trans–Sahara Counterterrorism Partnership (TSCTP) التي أُنشِئت في عام 2005 لتقديم نهج شامل يعالج التحديات السياسية والتنموية والاجتماعية والاقتصادية والحوكمة، وكذلك من خلال دعم الجهود الفرنسية لمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل منذ عام 2013 بما في ذلك توفير جسر جوي للقوات الفرنسية إلى مالي، وتوفير التزود بالوقود الجوي وتبادل المعلومات الاستخبارية – رغم هذه المحاولات فإن نفوذها قد تراجع بشكل ملحوظ، خاصةً عقب الانقلابات العسكرية الأخيرة في عدد من دول الساحل؛ وذلك نتيجة تعليق إدارة “بايدن” وصول التجارة الحرة للدول إلى الأسواق الأمريكية، وإصدار قوانين تحظر تقديم المساعدة العسكرية أو التدريبية الأمريكية إلى البلدان المعنية.
ولعل هذا التراجع قد دفع “واشنطن” في البداية إلى عدم توصيف ما حدث في النيجر في 26 يوليو 2023 على أنه انقلاب؛ وذلك لأن هذا التوصيف من شأنه، وفقاً للقانون الأمريكي، إنهاء المساعدات الأمنية والتدريب، فيؤثر ذلك على الجهود الأمريكية لمجابهة التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل، ويفتح المجال أمام التوسع الروسي في المنطقة، ولكن نتيجة الضغوط المفروضة على الإدارة الأمريكية تم توصيف أحداث النيجر بأنها انقلاب بعد ما يقرب من ثلاثة أشهر في أكتوبر 2023، وقد ترتب على ذلك تعليق التعاون الأمني وعمليات مكافحة الإرهاب. ولعل هذا الموقف قد دفع المجلس العسكري في النيجر، في مارس 2024، إلى إلغاء الاتفاق الدفاعي الذي وُقِّع بين البلدين عام 2012.
2– تنامي مساحات تأثير روسيا في القارة الأفريقية: قد تكون منطقة الساحل الأفريقي من أهم مناطق تصاعد نفوذ روسيا؛ وذلك من خلال مجموعة “فاجنر”، وقد استفادت في ذلك من أخطاء السياسة الغربية، وتزايد المشاعر المعادية لأوروبا، والفشل الطويل الأمد للجهات الفاعلة الدولية والمحلية في معالجة الأسباب الجذرية لعدم الاستقرار الإقليمي. وبوجه عام، تتمركز قوات “فاجنر” في بعض الدول، مثل مالي، وبوركينا فاسو، وجمهورية أفريقيا الوسطى. ويستخدم التنظيم ليبيا أيضاً كمركز عبور لعملياته في أفريقيا؛ حيث يوفر خدمات الحماية للحكومات المحلية مقابل الحق في استخراج الموارد من البلدان الفقيرة، ومن المحتمل أن تحاول المجموعة الروسية تعزيز وجودها في النيجر عقب الانقلاب الأخير؛ نظراً إلى ما تمتلكه الدولة من احتياطات غنية من اليورانيوم تشكل نحو (5%) من إمدادات العالم وتجعلها المزود الرئيسي لأوروبا.
والجدير بالذكر في هذا الشأن أن روسيا تُعتبَر بوجه عام المورد الأساسي للأسلحة إلى القارة الأفريقية؛ حيث تستحوذ – وفقاً لبيانات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI) – على نحو (24%) من صادرات القارة من الأسلحة؛ وذلك خلال الفترة (2019–2023)، يليها كل من الولايات المتحدة بنسبة (16%)، والصين بنسبة (13%)، وفرنسا بنسبة (10%)، فضلاً عن تركيا بنسبة (5%).
3– موازنة الدور الصيني المتصاعد في القارة الأفريقية: حيث تُعتبَر العلاقات الصينية الأفريقية حجر الأساس للسياسة الخارجية للصين، وقد استفادت الصين من هذه العلاقات بالفوز بمقعد في الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن في عام 1971 وريثة للصين الموحدة، متغلبةً بذلك على “تايوان”. وتحافظ الصين على حضور قوي في القارة الأفريقية؛ إذ يتمتع المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني بعلاقات رسمية مع (35) برلماناً أفريقياً، كما أن إدارة الاتصال الدولي التابعة للحزب الشيوعي الصيني لديها علاقات مع نحو (110) أحزاب سياسية في (51) دولة أفريقية.
وعلى صعيد التبادل التجاري والاستثمار اللذين يُعَدَّان بمنزلة بوابتَي الصين الرئيسيتين للتغلغل إلى القارة، بلغ إجمالي حجم التجارة بين الطرفين في عام 2023 نحو (282.1) مليار دولار بزيادة قدرها (1.5%) مقارنة بعام 2022. وفيما يتعلق بالاستثمارات الصينية في أفريقيا فقد بلغت (1.8) مليار دولار في النصف الأول من 2023. وتدين الدول النامية – ونسبة كبيرة منها في أفريقيا – للمقرضين الصينيين بما لا يقل عن (1.1) تريليون دولار.
4– توظيف أفريقيا ورقةً لكسب التأييد الشعبي في الانتخابات الأمريكية: حيث تحمل هذه الزيارة أهمية كبيرة للعلاقات الأمريكية الأفريقية على نطاق أوسع، وخاصةً بعد أن نكث الرئيس “بايدن” تعهده بزيارة أفريقيا خلال فترة ولايته الأولى في منصبه؛ لذلك ينظر العديد من المراقبين إلى هذه الزيارة على أنها ورقة يقدمها البيت الأبيض كدليل على التزام الرئيس المستمر تجاه القارة، خاصةً أن آخر زيارة لرئيس أمريكي إلى أفريقيا كانت في عام 2015 عندما قام الرئيس “باراك أوباما” بزيارة كل من إثيوبيا وكينيا.
والجدير بالذكر أنه على الرغم من عدم زيارة الرئيس الأمريكي الحالي أفريقيا خلال فترة ولايته الأولى، فإن إدارته قد بذلت جهوداً متضافرة لإصلاح العلاقات الأمريكية الأفريقية التي توترت في عهد إدارة “ترامب”؛ حيث تم إصدار الاستراتيجية الأمريكية تجاه أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى في أغسطس 2022، داعيةً إلى تحويل العلاقات الأمريكية الأفريقية إلى شراكات متساوية تعمل على تعزيز المصالح الاستراتيجية لكل من الأمريكيين والأفارقة، كما استضافت إدارة “بايدن” قمة القادة الأمريكيين الأفريقيين في ديسمبر 2022، وهي الأولى التي تُعقَد منذ عام 2016، ونجحت في جمع وفود من (49) دولة أفريقية.
دعم الشراكة
ثمَّة جملة من المؤشرات الرئيسية الدالة على تطور العلاقات الأمريكية–الكينية، وهي المؤشرات التي عكستها زيارة الرئيس الكيني “روتو” إلى الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تبلورت في الأساس من خلال البيان الرسمي المشترك للزيارة، وتتمثل فيما يلي:
1– تصنيف كينيا حليفاً استراتيجياً من خارج حلف “الناتو”: تبلور ذلك من خلال إعلان الرئيس الأمريكي “جو بايدن” في 23 مايو 2024 كينيا حليفاً رئيسياً للولايات المتحدة من خارج حلف “الناتو”، لتعد بذلك أول دولة تُمنَح هذا التصنيف في إطار إقليم أفريقيا جنوب الصحراء، وهو ما يمنحها إمكانية الوصول إلى المزايا العسكرية والمالية التي يتمتع بها الدول الأعضاء في الحلف؛ وذلك بالرغم من عدم وجودها طرفاً في إطار اتفاقية الدفاع المشترك للحلف. ومن المزمع أن تقوم القيادة السياسة الأمريكية بإبلاغ الكونجرس بهذا التصنيف ليصبح ساري المفعول في غضون شهر تقريباً. وتأتي هذه الخطوة الأمريكية في ضوء التعاون الوثيق بين البلدين بشأن مكافحة الإرهاب في منطقة القرن الأفريقي، وتنسيق المواقف المشتركة بشأن الحرب الروسية–الأوكرانية التي بدأت منذ أواخر فبراير 2022.
2– تعزيز الشراكة الأمنية بين الدولتين: تنظر الولايات المتحدة الأمريكية إلى كينيا باعتبارها شريكاً أمنياً استراتيجياً على الصعيدين العالمي والإقليمي، وهو ما دللت عليه زيارة وزير الدفاع الأمريكي “أوستن” إلى كينيا ولقاؤه وزير الدفاع الكيني “أدن باري دوالي” في العاصمة الكينية “نيروبي” في سبتمبر 2023؛ حيث شهدت هذه الزيارة توقيع الطرفين إطار عمل مدته خمس سنوات للتعاون الدفاعي وتعزيز قابلية التشغيل البيني بين الجيشين.
وقد أسفرت زيارة الرئيس الكيني “روتو” إلى الولايات المتحدة عن توقيع الطرفين عدداً من الاتفاقيات التي تضمنت فرص التدريب والتدريبات العسكرية المساعدة في إدارة اللاجئين، والاستثمارات الأمريكية في جهود مكافحة الإرهاب في قطاع الأمن في كينيا من خلال زيادة تبادل المعلومات وتقديم نحو (16) طائرة هليكوبتر وعربات مدرعة.
3– التنسيق بين الدولتين في مواجهة التحديات الأمنية الإقليمية والعالمية: فقد شهدت زيارة الرئيس الكيني إلى الولايات المتحدة الاتفاق بين الجانبَين على تعزيز الصلات في مواجهة التحديات الإقليمية والأمن العالمي؛ حيث أكد الجانب الأمريكي أهمية مشاركة كينيا في الجهود المتعددة الأطراف لتهدئة الصراع في جنوب السودان والسودان، والتنسيق المشترك بين الطرفين بشأن دعم الخيارات الدبلوماسية لتسوية الصراع الدائر في جمهورية الكونغو الديمقراطية؛ إذ يعتمد الجانب الأمريكي على كينيا في الاضطلاع بمهمة صنع السلام في هذا الشأن، بالإضافة إلى الاتفاق على تعزيز التعاون البيني من أجل دعم الحكومة الصومالية في حربها ضد حركة الشباب المجاهدين؛ حيث تنظر الولايات المتحدة إلى كينيا على أنها شريك لمكافحة الإرهاب في الصومال؛ وذلك من خلال استضافتها القاعدة الأمريكية الموجودة في خليج “ماندا” الواقعة بالقرب من الحدود الصومالية، كما أن ثمة مناقشات ثنائية بين الطرفَين قائمة بشأن بحث الخيارات المتاحة لإنشاء بعثة متعددة الأطراف تتبع بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال (ATMIS).
فضلاً عن ذلك، يوجد تنسيق وثيق بين الطرفين لمواجهة الاضطرابات السياسية والأمنية المتصاعدة في “هاييتي” خلال الآونة الماضية، ولا سيما في ضوء قيادة كينيا قوة دعم أمني متعددة الجنسيات لمساعدة “هاييتي” تابعة الأمم المتحدة. وقد تشكلت هذه القوة بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم (2699) الصادر في أكتوبر 2023. وهدفت هذه البعثة إلى مواجهة حالة العنف المتصاعد في الدولة بفعل تنامي وجود الجماعات المسلحة، وقد تم الاتفاق بين الطرفين على بلورة خطة لإرسال كينيا نحو ألف ضابط أمن إلى “هاييتي” خلال الفترة المقبلة، وكذلك تعهدت الولايات المتحدة بدعمها بنحو (300) مليون دولار.
4– دعم التفاعلات البينية في مجال التجارة والاستثمار: وهو ما يعد من أبرز المجالات التي تحتل اهتمام الطرفين؛ فعلى مستوى التجارة البينية، تعد الولايات المتحدة من الشركاء التجاريين الرئيسيين لكينيا؛ حيث جاءت كرابع أكبر شريك تجاري وخامس أكبر سوق تصديرية لها؛ إذ إنها مسؤولة عن نحو (6%) من الصادرات إلى كينيا؛ علماً بأن الصين تعد بمنزلة أهم شريك تجاري لكينيا؛ حيث تعد مسؤولة عن نحو (18%) من واردات كينيا ونحو (3%) من صادراتها في عام 2023، كما توفر الولايات المتحدة معاملة الإعفاء من الرسوم الجمركية من جانب واحد لمعظم الصادرات الكينية من خلال نظام الأفضليات المعمم (GSP) وقانون النمو والفرص في أفريقيا (AGOA)؛ حيث نجد أن نحو (56%) من الواردات الأمريكية من كينيا كانت معفاة من الرسوم الجمركية بموجب قانون “أجوا” في عام 2023. أما النسبة المتبقية من الواردات الأمريكية فقد كانت إلى حد كبير معفاة من الرسوم الجمركية بموجب نظام الأفضليات المعمم أو على أساس الدولة الأولى بالرعاية.
والجدير بالذكر أن الولايات المتحدة وكينيا بدأت المفاوضات المتعلقة باتفاقية التجارة الحرة في عام 2020 في عهد الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب”، والرئيس الكيني السابق “أوهورو كينياتا”، بيد أنها عُلِّقت في ظل إدارة الرئيس الأمريكي الحالي “بايدن”، التي ركزت بدلاً من ذلك على إطلاق ما تُسمَّى “الشراكة الاستراتيجية الأمريكية الكينية في مجال التجارة والاستثمار” (STIP) في يوليو 2022، التي تهدف إلى تأسيس التزامات عالية المستوى بين الجانبين بشأن مختلف القضايا التجارية غير الجمركية، وتشمل الزراعة وجهود مكافحة الفساد والتجارة الرقمية والقضايا البيئية وحقوق العمال، وتسهيل التجارة.
وعلى مستوى الاستثمارات البينية، بلغ الاستثمار الأجنبي المباشر الأمريكي في كينيا نحو (277) مليون دولار في عام 2022، كما وظفت شركات أجنبية تابعة لشركة أمريكية متعددة الجنسيات نحو (4300) شخص في كينيا في عام 2021، وكذلك أعلنت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) عن صفقات لرفع محفظتها الاستثمارية في كينيا إلى أكثر من مليار دولار في مايو 2024، كما تم توقيع العديد من الصفقات على مستوى القطاع الخاص، ومنها استثمارات لشركة “كوكاكولا” في كينيا بقيمة بلغت نحو (175) مليون دولار.
5– توثيق التعاون في مجال العمل المناخي والتصنيع الأخضر: وهو ما شكَّل أحد مجالات الاهتمام المشترك بين الطرفين خلال زيارة الرئيس الكيني إلى الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث تم إطلاق الشراكة الصناعية بين الجانبين لرفع مستوى العمل المناخي والتصنيع الأخضر كركيزة أساسية لتعزيز العلاقات الثنائية، التي سيتم من خلالها إعطاء الأولوية للتعاون في ثلاثة مجالات رئيسية؛ هي: نشر الطاقة النظيفة، وسلاسل توريد الطاقة النظيفة، والتصنيع الأخضر. وقد أكد الطرفان أهمية الاستفادة من المزايا النسبية التي يمتلكها كل طرف في قطاع الطاقة النظيفة، وتطوير سلاسل القيمة المرنة للسلع المنخفضة الانبعاثات والخدمات المناخية، بما في ذلك سلاسل توريد السيارات الكهربائية، والتنقل الإلكتروني، وتقنيات احتجاز الكربون وتخزينه، والمعالجة الزراعية الخضراء، ومراكز البيانات الخضراء.
والجدير بالذكر أن كلا الطرفين يخططان للعمل مع المؤسسات المالية الدولية والصناديق الائتمانية المتعددة الأطراف والشركاء الآخرين لتحديد آليات فعالة لحشد الاستثمار لدعم مبادرة “التصنيع الأخضر في أفريقيا” (AGII)، التي أطلقها الرئيس الكيني “روتو”؛ وذلك على هامش فعاليات مؤتمر الأطراف الموقعة على اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP28) الذي انعقد في الإمارات العربية المتحدة في 2023. وهدفت هذه المبادرة إلى توظيف الموارد الأفريقية بشكل يضمن تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة. ويعزز التقاربَ الأمريكي–الكيني في هذا المنحى نظرةُ الولايات المتحدة إلى كينيا باعتبارها نموذجاً في مجال الطاقة النظيفة؛ إذ إن أكثر من (90%) من الطاقة في كينيا من مصادر متجددة.
6– تطوير الصلات المشتركة في مجال المعرفة والبحث العلمي: جسد هذا الجانب أحد محاور النقاش لزيارة الرئيس الكيني “روتو” إلى الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث ركزت المناقشات بين الطرفين على مناقشة الاستثمارات في مجال التعليم العالي، والشراكات في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات على مستوى ما بعد المدرسة الثانوية، ودور هذه المجالات في تعزيز النمو الاقتصادي في كينيا. وقد أسفرت المباحثات عن تبني برنامج جديد للتبادل التعليمي في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM) كمجالات للمستقبل. وقد أعلنت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في هذا السياق عن استثمار ما يقرب من نحو (32) مليون دولار في نظام التعليم في كينيا، ويشمل ذلك تخصيص مبلغ (850) ألف دولار لدعم مبادرة (Edtech Africa)، التي ترتكز على الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
7– تنمية الشراكة في مجال الصحة: وهي التنمية التي عكست أحد جوانب الاهتمام بين الطرفين في إطار زيارة الرئيس الكيني “روتو” إلى الولايات المتحدة؛ حيث تم تأكيد التعاون المشترك في مجال الصحة العامة الأساسية، بما في ذلك القوى العاملة ذات القدرات العالية، ومراقبة الأمراض، والعمل المختبري، وإدارة الطوارئ والاستجابة لها، وقطاع التصنيع الطبي، كما تم الاتفاق على استمرار التنسيق البيني بشأن القضاء على فيروس نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) باعتباره تهديداً للصحة العامة في كينيا بحلول عام 2027؛ وذلك في إطار خطة الرئيس الأمريكي الطارئة للإغاثة من مرض الإيدز (بيبفار) التي تم تبنيها في عام 2003، كما تعهد الجانب الأمريكي بتحسين خبرات وأنظمة الصحة العامة، من قبيل المساهمة في بناء المعهد الوطني الكيني للصحة العامة (NPHI) من خلال شراكة مع المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها (NPHI) ودعم رقمنة الأنظمة الصحية في المجتمعات، والمرافق في جميع أنحاء كينيا.
8– تأكيد الولايات المتحدة دعم الديمقراطية في كينيا: وتبلور ذلك من خلال المخرجات النهائية لزيارة الرئيس الكيني إلى الولايات المتحدة؛ حيث أكد الجانب الأمريكي تقديم المساعدة لكينيا في جهودها الرامية إلى تعزيز المؤسسات ومكافحة الفساد، بما في ذلك الاستثمار في ضوابط مكافحة الفساد، وخلق مساحة للإدارة الشرطية المستقلة والرقابة عليها، وكذلك أشار الجانب الأمريكي إلى ضمان استفادة كينيا من المبادرة الرئاسية للولايات المتحدة المعنية بالتجديد الديمقراطي المعنية بتنظيم الانتخابات والعمليات السياسية بشكل ديمقراطي، وزيادة المشاركة السياسية للمرأة وقيادتها، ومكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي عبر الإنترنت وخارجه، وتعزيز الديمقراطية الرقمية، كما تم الإعلان عن التزام الجانب الأمريكي بدعم تدابير الحماية للمجتمع المدني وحقوق الإنسان، وخاصةً المرأة والفئات المهمشة في كينيا.
9– التركيز على طرح ملف إعادة هيكلة الديون الأفريقية: حيث ناشد الرئيس الكيني، خلال جولته الولايات المتحدة، مضاعفة التزاماتها للمساعدة في إعادة هيكلة ديون الدول الأفريقية، وخاصة ديونها المستحقة للصين التي تُعَد أكبر دائن في العالم. والجدير بالذكر في هذا السياق أن الولايات المتحدة أكدت حرصها على تكثيف دعمها للمؤسسات المالية الدولية للمساعدة في تحقيق هذا الهدف، وقد تعاونت بالفعل مع كينيا ومساهمين آخرين خلال عام 2023 لتأمين الإصلاحات لتوفير ما يزيد عن 250 مليار دولار من الإقراض الجديد في هذه المؤسسات.
وبالإضافة إلى ذلك تعتزم الولايات المتحدة أن تتيح خلال الفترة المقبلة قروضاً تصل إلى (21) مليار دولار لصندوق النقد الدولي لدعم احتياجات التمويل للدول الأكثر فقراً، كما دعمت توسيع البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير (EBRD) ليشمل دولاً مختارةً في منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا، وعملت الولايات المتحدة وكينيا على تأمين عضوية الأخيرة بنجاح في البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية لتعزيز تنمية القطاع الخاص في البلاد.
ختاماً، يمكن القول إن العلاقات الأمريكية–الكينية تشهد حالة ملحوظة من التطور الإيجابي على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية وغيرها، وهو ما تجلى بوضوح عبر المضامين المباشرة التي انطوت عليها زيارة الرئيس الكيني “روتو” إلى الولايات المتحدة الأمريكية خلال الآونة الأخيرة. وتشير الرؤية المستقبلية إلى استمرار المنحنى التصاعدي في وتيرة التفاعلات البينية؛ وذلك في ضوء منظومة الأهداف والمصالح المشتركة القائمة بين الطرفين، وهو ما سينعكس على وجود مزيد من خطوط التعاون القائم على التنسيق الوثيق حيال القضايا محل الاهتمام المشترك على المستويَين الدولي والإقليمي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى