الاغتيالات الكبرى.. العالم يترقب؟
Bawwababaalbeck
وصلت قوى المقاومة إلى نقطة حرجة لا بد منها، وعليها يتوقف مصير أخطر منطقة في العالم، وهي مركزه، ولا خيار لها إلا الاستمرار بمراكمة المزيد من أوراق القوة المُقررة لمستقبل المنطقة.
أحمد الدرزي
يقف العالم مترقباً حذراً وجلاً مما يمكن أن يحصل في منطقة غرب آسيا، خشية اندلاع الحرائق الكبرى المؤجلة منذ عام 1948، في إثر نجاح النظام الغربي بتعزيز تحطيم المنطقة والهيمنة عليها بإنشاء الكيان الصهيوني الوظيفي كقاعدة عسكرية متقدمة للغرب.
هذه الخشية تزايدت قابليتها للتحقق بعد 3 عمليات كبرى، في الضاحية الجنوبية باغتيال القائد الجندي الكبير فؤاد شكر “السيد محسن” الذي لم يكن معروفاً لأحد خارج الدائرة الأضيق، ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في قلب طهران، واغتيال مجموعة من قادة الحشد الشعبي “حزب الله العراق” في منطقة جرف الصخر في العراق، وهي كلها تحمل معنى تجاوز الخطوط الحمر التي لا ينبغي لأي من أطراف الصراع تجاوزها. وقد سبق ذلك تجاوز الخطوط الحمر في اليمن بضرب المنشآت النفطية والبنى التحتية في مدينة الحديدة اليمنية، فماذا بعد ذلك؟
وصل واقع المنطقة إلى حالة حرجة بعد حرب قاربت 10 أشهر من دون أن يستطيع النظام الغربي ومعه الكيان الصهيوني من تحقيق الأهداف التي وضعها لنفسه، وهو الآن أمام حد فاصل بين زمنين مختلفين.
ومن الطبيعي نتيجةً لتآكل قوة ورقة الردع الإسرائيلية أن يتم اللجوء إلى اتخاذ قرارات متهورة في صراعه على البقاء كقوة مهيمنة على غالبية المنطقة. وفي الوقت نفسه، وعلى الرغم من مراكمة قوى المقاومة مكاسبها، فهي في وضع يدفعها إلى أن تحافظ على نفسها الطويل في المواجهة باتباع أسلوب الاستنزاف اليومي لينعكس على الداخل الإسرائيلي بالمزيد من التآكل الداخلي، ولكنها أمام التصعيد الخطير للنظام الغربي برأس حربته وقاعدته المتقدمة تقف أمام اعتبارات جديدة وضرورة الانتقال إلى مرحلة جديدة من المواجهات قد تأخذ العالم أجمع إلى نقطة اللاعودة.
كان من الملاحظ عدم إعلان الكيان الصهيوني تبنيه المباشر لهذه العمليات ولا تبني الولايات المتحدة لعمليتها. في المقابل، لم ينفِ الكيان دوره ومسؤوليته عن الاغتيالين مع نفي الولايات المتحدة لدورها وعلمها باغتيال إسماعيل هنية، والكيان بهذا التعاطي مع الحدث يريد أن يرسل رسالتين، كي لا يحرج من يقفون خلفه من النظامين الغربي والعربي، ولا يتنكر لهما لأجل استعادته القوة الردعية وتحقيق انتصار يفتقد مقومات الواقعية، وهو في هذه الحال يؤكد بِصَمتِه تحديه لقوى المقاومة لأن تتجرأ على الرد الذي يريده كي يدفع بالولايات المتحدة إلى التورط في حرب إقليمية لا تريدها.
ولذلك، أعتقد أن من المبكر تقييم الوضع المستقبلي للمواجهة، وهي على الأغلب ستقوم بالرد على الجرائم التي قام بها دون الوصول إلى اندلاع حرب كبرى لا يريدها الجميع سوى الكيان.
قد يتهيأ للبعض أن عمليات الاغتيال تؤدي إلى وقف لإطلاق النار من مبدأ وجود الذريعة لنزول رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو عن الشجرة بعنوان تحقيق الانتصار، وهذا الأمر مرتبط بقرار قوى المقاومة بالرد على تجاوز الخطوط الحمر، وهي لا يمكنها بأي شكل من الأشكال أن تتجاوز هذه المسألة الخطيرة، مهما كانت الأثمان باهظة، فثمن عدم الرد أعظم من تداعيات الرد، لأنه يضعها أمام معادلة جديدة، وهي الانتقال من حالة القوة المتراكمة خلال أربعة عقود ونيف من الزمان، التي كلفت أرواحاً ودماءً وأموالاً لا يمكن حصرها، والتراجع عن أكثر تجربة تميزاً للمقاومة في تاريخ العرب والمسلمين منذ 800 عام ونيف، وتراجعها سيترجم بتفكك مجتمعات ودول، ليس دول ومجتمعات المقاومة فحسب، بل حتى النظام العربي المتواطئ مع النظام الغربي ممثلاً بالكيان، الذي سيستدير وينقض عليه بسهولة بالغة، وهو الآن بطبيعة الحال لقمة سائغة بين فكيه.
وفي الوقت نفسه، هل تستطيع قوى محور المقاومة، بعدما وصلت إلى هذه المرحلة المتقدمة من المواجهات المتنقلة التي جعلت منها رقماً صعباً في منطقة غرب آسيا، بل وفي مقدمة العالم المواجه للنظام الغربي، أن تقدم صورة نصر من حسابها الذاتي، وهي الأكثر حاجة إلى ترجمة ما أنجزته عبر دور إقليمي يتجاوز الدور الإسرائيلي؟
الرد تحصيل حاصل، ولكن لا يمكن التكهن به كما اعتدنا مع قادة غرفة العمليات المشتركة، وهو مرتبط بمعادلة خاصة بمحور المقاومة، فهناك حرص على عدم حدوث حرب كبرى ما دام الكيان في مأزق عسكري واجتماعي وسياسي يدفعه إلى التآكل المتسارع خلال سنوات كبديل أفضل من الانزلاق نحو حرب لا يمكن الإمساك بحدود توسعها وعمق تدميرها للبشر والحجر، رغم الاستعداد الكامل لهذه الحرب والقدرة على خوضها، والعالم أجمع لا يريد الذهاب نحو هذه الحرب التي قد تتحول إلى حرب متعددة المستويات تتداخل فيها العوامل الأيديولوجية والقومية والاقتصادية، بما يؤدي إلى الصدام، ولا يوجد سوى الكيان ومعه التيارات المتصهينة في الولايات المتحدة يعملون للوصول إلى هذه المرحلة بفعل المأزقين الاقتصادي والأيديولوجي في لحظات الجنون.
وفي الوقت نفسه، تشكّل عمليات الاغتيال التي هزت كلاً من بيروت وطهران، ومعهما جرف الصخر في العراق، والحديدة في اليمن من قبل، وفي وقت متقارب، أهم فرصة في تاريخ الصراع مع النظام الغربي في فلسطين المحتلة، فيمكن تنسيق الرد المتكامل من المناطق الأربع، باستهداف مباشر ومؤلم لمراكز عسكرية حيوية في “تل أبيب”، بشكل يدفع النظام الغربي إلى الإسراع لإطفاء مُولِد النيران في منطقة غرب آسيا والذهاب نحو الإقرار بالعجز عن تغيير خرائط الجغرافيا السياسية التي رسمتها قوى المقاومة.
نحن أمام أسئلة صعبة لما بعد الرد الذي سيحصل بالطريقة التي تخطط لها عقول المقاومة، فما بعد الرد وفقاً للمعادلات التي رسمها السيد حسن نصر الله رهن بتداعيات وأسئلة ما بعد وقف إطلاق النار الذي سيتأخر، فما هو مصير المستقبل السياسي لنتنياهو والتيار اليميني المتطرف على المستوى الشخصي؟ وما مصير حركة حماس وقطاع غزة؟ ومن سيدير هذا القطاع؟ والأبعد من ذلك، ماذا ستكون عليه صورة هذه المنطقة كمركز للعالم؟ نحن أمام صورة معقدة للصراع لا تظهر ملامحها القادمة بوضوح سوى أن الجنون الإسرائيلي والغربي تفلّت من عقاله بفعل فقدانه قوّته الردعية والصورة الأخلاقية الوهمية بعد تكشفهما في غزة وبقية ساحات مجتمعات المقاومة ودولها.
وصلت قوى المقاومة إلى نقطة حرجة لا بد منها، وعليها يتوقف مصير أخطر منطقة في العالم، وهي مركزه، ولا خيار لها إلا الاستمرار بمراكمة المزيد من أوراق القوة المُقررة لمستقبل المنطقة، وستقوم بذلك قريباً.