أخبار محلية

طوفان الأقصى.. الرد المستمر والمتعدد

أحمد الدرزي.
جاءت العملية الاستشهادية الأخيرة المشتركة لحركتي حماس والجهاد في “تل أبيب”، عاصمة الكيان الصهيوني، بمنزلة تطور جديد في الحرب الممتدة منذ قرابة 10 أشهر، في عودة جديدة إلى الأسلوب السابق الذي تم الابتعاد عنه لأسباب تتعلق بصعوبات العمل بعد بناء جدار الفصل وقرار الحركتين تجميد هذا النوع من العمليات العسكرية. هذه العودة طرحت من جديد سؤالاً أمام مترقبي الرد الإيراني وحزب الله رداً على اغتيال كل من إسماعيل هنية وفؤاد شكر عن أسباب تأخر هذا الرد أم أن هناك تصورات مختلفة للرد؟
كثيرة هي الأسئلة التي تُطرح بثلاث كلمات “متى؟ وكيف؟ وأين؟”، رغم عدم وجود حالة توافقية عامة بين أصحاب الأسئلة، بحكم الانقسام المزمن في المجتمع العربي منذ أن نجح الإيرانيون بثورتهم 1979، وبناء دولة جديدة أكثر تصالحاً مع جذورها التاريخية، ما فرض على المجتمع العربي التعاطي مع نتائج هذه الثورة وفقاً للتموضعات الأيديولوجية والهوياتية (قومية وسياسية ودينية ومذهبية)، وهذا امتد بطبيعة الحال على مدى أكثر من 45 عاماً ليصل إلى الموقف من القضية الفلسطينية، وخصوصاً بعد معركة “طوفان الأقصى” المستمرة حتى الآن وإلى أجل غير محدد حتى الآن.
قد لا يدرك الكثير من المتابعين حساسية الموقف الإيراني ولا موقف حزب الله في كيفية التعاطي مع المحاولات الإسرائيلية لتفجير حرب إقليمية تدفع الولايات المتحدة، ومعها كل النظام الغربي، إلى التدخل المباشر في هذه الحرب، بعدما ثبت بالدليل القطعي ومنذ السابع من أكتوبر الماضي بأن هذا الكيان غير قادر على إدارة حروبه اعتماداً على قدراته الذاتية، كما كان يوحي بذلك، وهو بمكانته المركزية في بنية النظام الغربي وحلفه العسكري “الناتو” أهم من كل دوله، وهو المشعر الأساس لاهتزاز الهيمنة الأميركية في منطقة غرب آسيا، وهي منطقة محورية في الصراع على بنية النظام الدولي والكفَّة المُرجِحة لمستقبله.
ويدرك كلا الطرفين “إيران وحزب الله” حراجة الموقف الإسرائيلي النابع من إدراكهما، ومعهما بقية قوى المقاومة، لما يحصل من تآكل داخلي أكثر مما يمكن تصوره، فهناك وفقاً للأرقام المعلنة بالصحافة الإسرائيلية أكثر من 30 ألفاً من قمة النخبة العلمية ممن غادروا الكيان بحثاً عن عمل أكثر استقراراً وأمناً، ومثّل رحيلهم كارثة على بنية الكيان وأهم مؤشر على انحداره، وترافق ذلك مع خروج مليون إسرائيلي أيضاً، عدا عن الخسائر الاقتصادية المزمنة بإغلاق 46 ألف شركة وخروج استثمارات اقتصادية، وخصوصاً ما يتعلق بالتكنولوجيا. هذه المؤشرات تدفع الكيان إلى تجاوز كل الخطوط الحمر، وهذا ما لا يريده كلاهما، وبالتوافق مع حركتي حماس والجهاد الفلسطينيتين وأنصار الله في اليمن وفصائل المقاومة العراقية على عدم الانزلاق لما يريده الكيان والولايات المتحدة، والاستمرار بآليات العمل المقاوم المتراكم زمانياً ومكانياً.
انبثق هذا النمط من العمل المعتمد على النفس الطويل بعد الحرب العراقية الإيرانية التي دمرت البنية التحتية للدولة الإيرانية عدا عن ضحايا الحرب الذين وصلوا إلى مئات الآلاف، وخصوصاً بعد إسقاط البارجة الأميركية وينسنس لطائرة الركاب الإيرانية عام 1988 لإيقاف الحرب، ما دفع بالقادة الإيرانيين إلى وضع استراتيجية بعيدة المدى لهزيمة النظام الغربي في المنطقة اعتماداً على نقطتين أساسيتين؛ أولها عدم المبادرة إلى شنّ الحروب ابتداءً واللجوء إلى تكتيكات الدفاع المتقدم، والثانية بالعمل على إحاطة الكيان الصهيوني بطوق ناري محيط به يدفعه إلى التآكل الداخلي، بإنهاكه بالطعنات المتعددة غير القاتلة بانتظار سقوطه، وهي أشبه بمصارعة الثيران الإسبانية.
هذه الاستراتيجية من العمل طويل المدى لا تنسجم مع الحروب النظامية المدمرة، في ظل تأثير العقوبات الأميركية والأوروبية على كل دول وقوى المقاومة في منطقة غرب آسيا، والتفوق التدميري لحلف الناتو وما يمتلكه من أسلحة تدميرية محرمة دولياً له دور في رسم السياسات العسكرية لقوى المقاومة، مع الحرص على رفع مستوى قدرات قوى المقاومة والاستفادة من الحروب غير المتماثلة لتحقيق أهدافها.
قد يكون الرد قد تأخر لعوامل مختلفة، منها إسقاط كذبة مفاوضات الدوحة والقاهرة حتى لا يتم اتهامها بإسقاط الحل في غزة، إضافة إلى العامل الداخلي الإيراني الذي يمر بمرحلة الاستلام والتسليم على المستوى الحكومي، والعامل الثالث هو تأمين حماية المشروع النووي الإيراني وبقية المنشآت الحيوية بأنظمة دفاع جوي روسية متطورة، والاستعداد لاحتمالات تطور الردود المتبادلة لاستغلال الكيان وحتى الولايات المتحدة للقيام بعمليات تدمير واسعة للبنى التحتية الإيرانية واللبنانية، وقد يتطور الأمر إلى مواجهة دولية غير منضبطة حدودها ومستوياتها، وخصوصاً بعد تسريع التحالف الروسي الصيني الإيراني، والاستعداد لاحتمال الحرب الإقليمية الكبرى التي تقتضي وقوف روسيا والصين مع إيران ودعمها بكل أنواع الأسلحة المتقدمة التي تحتاجها لإفشال الحرب عليها، والمؤشرات على أهمية هذا التحالف هو تضخم حركة النواقل البحرية إلى إيران، استعداداً لاحتمال الحرب.
في كل الأحوال، رغم التباين الشديد بين المتابعين بانتظار الرد إيجاباً أم سلباً، فإن خيارات قوى المقاومة محددة بثلاثة خيارات، فإما الانسحاب التدريجي، كما يتم طرحه لدى البعض، وهذا سيقوض من مصداقيتها وهيبتها التي ارتفعت إلى مستويات عالية، وهذا ما رفضه استباقاً مرشد الثورة الإسلامية في إيران علي خامنئي باعتباره عدم الرد “غضباً من الله”، وإما الرد النوعي المماثل وما يحمله من مخاطر حرب إقليمية لا يريدها أحد سوى “الإسرائيليين”، ولا يمكن لهذه القوى أن تذهب إلى الفخ الذي نصب لها، وإما العمل على رد نوعي بطريقة مختلفة بالزمان والمكان، ولا يؤدي إلى اندلاع حرب مدمرة لا تُحتمل، ولا ينبغي أن يكون بعيداً.
وبانتظار الرد، فإن هناك مستوى آخر من الرد مستمراً حتى الآن مع تصعيد واضح بالتنسيق ضمن غرفة مركزية للعمليات، إن كان برفع مستوى الاستهداف للجيش الصهيوني والأميركي، وهذا المستوى يدفع بالمزيد من تآكل ثقة “الإسرائيليين” بدولتهم، والقلق يأكل من أعصابهم وحياتهم، إلى درجة تمنياتهم بأن يحصل الرد ليخرجوا من مخابئهم إلى شوارعهم في “تل أبيب” التي افتقدت حيويتها الحياتية بفراغها من مستوطنيها، وهذا هو الرد المستمر إلى حين إقرار الولايات المتحدة بعجزها عن تغير

مسار النظام الإقليمي الجديد بتوقيع هذه القوى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى