أخبار محلية

‏سقوط النظام في سوريا، هل يفيد القضية الفلسطينية أم يضرها

‏سقوط النظام في سوريا، هل يفيد القضية الفلسطينية أم يضرها. ‏سؤال تشكل الإجابة عنه نافذة تشرف على مستقبل صراع يجري في منطقتنا منذ عقود، بل منذ قرون، ودائما محوره القدس و عنوانه القضية الفلسطينية.‏لنحدد، هي قضية أمة العرب، الشعب الذي ينتشر من المحيط إلى الخليج، وعمليا الشعب المقسم بفعل إرادة الغرب إلى شعب مصري، وآخر أردني ولبناني وفلسطيني وسوري… وفعليا الأمة الرازحة تحت تأثير سياسات الغير، تلك الأمة التي ظنت يوما بأن استقلالها سينتهي عند حدود إخراج المستعمر الفرنسي والبريطاني من أرضها دون أن تفقه ‏‫بأن‬ الاستقلال هو معنى خاضع لثنائية التحرر من الاحتلال العسكري والهيمنة السياسية على قرارات الأمة.‏وبالتوازي، هي كذلك قضية أمة الإسلام، الشعوب التي تنتشر من طنجة إلى جاكرتا، والتي نالها ما نال الشعب العربي من تقسيمات لحدود نفوذها السياسي في خارطة رسمها الاستعمار ذاته، وبالتالي تلك التي عانت وما تزال من انقسام في المواقف السياسية حول قضايا الأمة والتي منها القضية المركزية الفلسطينية.‏لنكون منصفين، ففي الواقع لا يوجد انقسام فكري في الإطار النظري حول مفهوم هذا الصراع القديم والمتجدد، ولا حول مفهوم الأمة العربية والإسلامية، ولا حتى حول مفهوم الاستقلال الحقيقي و الناجز، بل واكثر من هذا، انه لا يوجود في الواقع إنقسام عملي في إطار الدائرة العملانية لا لدي أمة العرب التي تمتلك ما يسمى بجامعة الدول العربية، ولا لدى أمة الملياري ‏مسلم التي تمتلك ما يسمى بالمؤتمر الإسلامي ، واللذين يتناديان على الدوام كل ما استدعت الحاجة لبلورة أو اتخاذ موقف مشترك حيال قضية من قضايا الأمة العربية والإسلامية.‏في حقيقة الأمر، ليست المشكلة في الأقوال بل في الأفعال، وليست المشكلة في الوعي العام إزاء القضايا المصيرية بل في القدرة المسلوبة عمليا، المشلول فعليا عن القيام بما يوجبه العقل والضمير العربي والإسلامي.‏انه ليس من المستغرب أن نشهد حضورا فاعلا وقويا للعقل والضمير الإنساني الذي تمثل في المظاهرات المعترضة على ما يحصل في غزة والعالم من جرائم صهيونية بحق الإنسانية، أو ذلك الذي تبلوره الهيئات المنضوية تحت قبة الأمم المتحدة والتي تضع نفسها في مواجهة مباشرة مع إرادة ‏الأمريكي وعقوباته بحقها، بينما نرى في المقلب الآخر صمتا عربيا و إسلاميا مريبا، ليس سببه – بدون أدنى شك – قلة في الوعي بمخاطر الساحة وبهول ما يعصف بها من مؤامرات صهيونية، ‏وليس السبب غياب الرؤية التي من شأنها أن تحكم أداء المؤسسات الممانعة على مستوى نخب ومؤسسات الأمة العربية في إطار الممانعة القومية، أو على مستوى نخب الأمة الإسلامية في إطار الحمية الرسالية التوحيدية، أن سبب ما يجري في حقيقة الأمر يتعدى الجانب الفكري في إطار نظرية الممانعة، ويتعدى جانب الأداء ‏في الإطار العملاني، بل هو كلام في الجانب الفعلي الذي يعاني من خلل في نظم هذا الأمر، ولعله ما شاهدناه في الساحة السورية مؤخرا لأكبر دليل حسي على هذا الاختلال.‏لقد صمدت سوريا لعدة عقود كقلعة عربية وحيدة في الساحة، وقدمت للأمتين العربية والإسلامية كل ما يلزم من الدعم المطلوب في المواجهة، بينما انهارت قلاع أخرى لاسيما عند دول الطوق، ولعل السر الأبلغ في ذلك الصمود هو خطابها اللاإنعزالي، الذي وجد من الشعب ‏السوري جزء أن لا يتجزأ من الشعب العربي، والذي رأى أن الدولة السورية ليست اكثر من قطر من أقطار الأمة العربية الواحدة تكوينيًا.‏أن هذا الخطاب وهذا الوعي الذي يتم اليوم تغييبه باستهداف النظام السوري الذي تمثل فيه، هو وعي حاضر وخطاب ماثل في العقل والضمير العربي، لكن في غير انتظام ومن دون آلية ترعاه حتى يجد طريقه نحو الفعل، هذا ما إرادته الإدارة ‏الأمريكية وتعاونت معها الدولة الجارة لسوريا على خلفية قومية صرفة، وهي التي تدعي بأنها دولة إسلامية يجمعها مع شعوب المنطقة العربية والإسلامية مسار مشترك وقضايا مصيرية مشتركة، وهي التي تدعي بمركزية قضية القدس الشريف.‏بعيدا عن توصيف ما حدث وتحليل ما جرى وسيجرى، فإنه بعد خطاب مرشد الثورة الإسلامية في إيران لم يعد هناك من غموض يلف المشهد، اما ما يعنينا فهو التشخيص الصحيح للمشكلة والذي قلنا انه في مجال التطبيق والفعل لما هو قائم وحاضر في الوجدان العربي والإسلامي وفي العقل والضمير الجمعي لشعوب امتنا العربية والإسلامية.‏لقد استندت شعوب امتنا على الركن السوري والركن الإيراني في ترجمة أفعالها الممانعة، ولقد أبلت حتى الآن بلاءات حسنة في مواجهة الأعداء، فيوم كان لها من عدو ها حينما افشلت ثوراته الملونة، وحينما واجهت توسعاته الاحتلالية، ويوم كان لعدوها منها ‏حينما استهدف ركنها العربي الوحيد ‏المتمثل في النظام السوري، ‏وهي اليوم مستمرة من خلال إرتكازاها فقط على ركنها الإسلامي المتمثل في النظام الإيراني، وطالما أن هذا الركن بخير فإن حالة الممانعة ورعاية طريقها نحو البلورة العملية بخير أيضا.‏بعد هذا التوصيف والتحليل الذي طال مركبات الأمة الذاتية والموضوعية، وبعد الاعتراف بخطر ما حصل وما سيليه من تحولات ضرورية في مسار الأداء المقاوم الذي يوجب الالتفات والنظر لأهمية العمليات المقاومة التي من شأنها أن تحافظ على ركنها الثاني الذي مازال قائما ومنيعا، وبالالتفات لأهمية النظام الذي يرعى الحالة الطبيعية الممانعة ‏الموجودة تكوينيا لدى كل شعب و أمه، والتي أسهب المرشد الإسلامي القائد علي الخامنئي في تفاصيلها واشرحها، ولكي لا نخسر تلك الرعاية إن على مستوى القيادة والإدارة وإن على مستوى الدعم و اللوجستية، أصبحت الحاجة اليوم أكثر مما ‏مضى أن نهتم ونحافظ على تلك القلعة بكل ما أوتينا من قوة، ودون أن نسمح للطابور الذي يعمل على خط المواجهة الداخلية إيهامنا أن دفاعنا عن القدس وعملنا في هذا الإطار، هو دفاع عن إيران وليس عند القدس ومن أجل القضية الفلسطينية.‏برغم أن التفريط بإيران الإسلام قد لا يؤثر على روح المقاومة بل سيخلق فراغ لجهة الرعاية والدعم، قد تملؤه الصين مثلا، لكن بثمن طبعا، إلا أن هذا الثورة الصادقة في شعاراتها والراعية لأمانة الحق في وجه الاستكبار الباطل، هي نعمة وقيمة لا يمكن لشعوب امتنا العربية ولا الإسلامية التنكر لها، بل يتعين عليها الدفاع ‏عنها صونا للقدس وحفاظا على فلسطين.

https://bawwababaalbeck.com/wp-admin

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى