أخبار محلية

واقع العلاقة بين الإكتئاب وامراض القلب والشرايين في نهاية العام ٢٠٢١: تداعيات الإنهيار وارتفاع الأسعار؟! 
(الجزء الثاني)

كنا ‏قد شرحنا في القسم الأول من هذه المقالة تأثير الواقع الاقتصادي الاجتماعي والمعيشي على زيادة نسبة كلٍ من حالات الإكتئاب ومن أمراض القلب والشرايين و قاربنا بشكلٍ مهم ‏كيفيات حدوث هذه الزيادة المفرطة في اختلاطات أمراض القلب والشرايين والوفيات الناتجة عنها عند المصابين بمرض الاكتئاب. في هذه المقالة في هذا الجزء الثاني من المقال سوف نُكمل الحديث عن تأثير الاكتئاب على أمراض القلب والشرايين ‏وسنتحدّث بشكلٍ تفصيلي اكثر حول مرض تصلّب الشرايين الذي تُمثّل اعراضه ومشاكله حوالي 70 % من امراض القلب والشرايين. وسنتكلَم ايضاً عن تأثير الإكتئاب على أمراض قلبية اخرى وكيفيات هذا الترابط الوثيق بينها. وسوف نتناول في الجزء الأخير الأهم ‏مخاطر الأدوية التي نستعملها في علاج أمراض الاكتئاب على جهاز القلب والأوعية الدموية وسوف نجيب على سؤال اساسي ومهم جداً وهو هل من علاج مرض الاكتئاب بشكلٍ فعّال بواسطة الأدوية او الطرق العلاجية النفسية والسلوكية يؤدي ‏إلى تخفيف حالات الأحداث القلبية الجديدة والوفيات القلبية والعامة التي نعرف انها تزداد نسبتها بشكلٍ كبير عند المرضى المُصابين بالاكتئاب

١- عوامل وراثية او جينية قد تكون وراء التفاعل بين الإكتئاب و امراض القلب والشرايين:
تقول الدراسات المتوفرة حالياً أن 17 الى 27% من المرضى اللذين يعانون من مشاكل قلبية ( ذبحات قلبية او نوبات قلبية خطيرة او عمليات توسيع لشرايين القلب بواسطة تقنيات البالون والروسور) او من المرضى الذين خضعوا لعمليات قلب مفتوح وعمليات تجسير ابهري-تاجي، يعانون من أعراض أكتئاب شديد وخطير بينما هناك نسبة كبيرة من المرضى اللذين يعانون من بعض أعراض هذا المرض المتنوعة دون أن يصلو إلى مرحلة الإكتئاب الكامل.
وقد أكدت معظم الدراسات المتوفرة حتى اليوم أن الإكتئاب بالإضافة الى تأثيراته النفسية والعاطفية والسلوكية الكبيرة والخطيرة في معظم الأحيان، يزيد من خطورة أعراض هذه الأمراض بحيث ان امكانية حصول “اول حادث قلبي خطير” ناتج عن مشاكل تصلّب الشرايين تزداد بنسبة مهولة تصل الى 90% عند المرضى الذين يعانون كن هذا المرض. كذلك تزداد حالات الجلطات الدماغية عندهم بشكل كبير ايضاً. وهذه الزيادة موجودة حتى لو اخذنا بعين الإعتبار كل عوامل الخطورة الأساسية التي تزيد من امراض القلب والشرايين مثل التدخين والبدانة وقلّة الحركة اي ان الإكتئاب يُؤثّر كعامل مستقلّ بغضّ النظر عن تأثيرات هذه العوامل. كذلك فقد اظهرت دراسات اخرى ان المرضى الذين تعرّضوا لأزمة قلبية ناتجة عن مرض تصلّب الشرايين والذين يدخلون في حالة إكتئاب جديد او مُتجدد اي ان المرض يعود ويظهر عندهم بعد فترة من اصابتهم به في السابق، تزداد عندهم نسبة المخاطر القلبية بسنبة تصل الى 60%.
وفي المحصلة ليس هناك جدال اليوم بأن الإكتئاب هو عامل مؤثر جداً في مستقبل ومصير مرضى القلب والشرايين دون ان نتأكد بشكلٍ علمي ثابت عن “العلاقة السببية” والتي ذهب البعض من الخبراء الى القول انها قد تكون ناتجة عن “عوامل جينية او وراثية” تربط بين الإكتئاب وامراض القلب والشرايين وتقول بأن الإكتئاب ليس سوى “ظاهرة مُصاحبة لأمراض القلب والشرايين”. وهذه النظرية تستنج او توحي بأن الإكتئاب هو جزء لا يتجزّأ من اعراض المرض الأساسي الذي يصيب الشرايين ( نظرية شريانية او وعائية لأسباب مرض الإكتئاب) ومن هنا هذا الترابط والتفاعل الخطير بين المرضين الذين قد يكونان ناتجين عن ذات العوامل الوراثية والفيزيوباتولوجية.

2- معطيات تفصيلية حول تأثير الإكتئاب على بعض انواع امراض القلب والشرايين:
أ- مرض تصلّب الشرايين : الذي يؤدّي كما نعلم الى الذبحات القلبية الحادّة والنوبات القلبية الحادة الأخرى والذي يُعتبر من اكثر امراض القلب والشرايين رواجاً. كما قلنا سابقاً ان الإصابة بالإكتئاب تُعجل بشكل كبير من الإصابات والأحداث القلبية الناتجة عن هذا المرض. وقد تكون هذه الأحداث ناتجة عن خلل في عمل “الجهاز العصبي اللا إرادي” لمصلحة “الجهاز الودّي” على حساب “الجهاز الغير ودّي”، او عن خلل او هبوط في نسبة حساسية في وظيفة لاقطات بعض الهرمونات المُنظّمة لإستقلاب السكريّات في الدم مثل “الكورتيزول” مما قد يرفع من مستوياتها ومن مخاطرها على الجسم. كذلك هناك من يتكلّم عن زيادة في إفرازات مواد تتسبب في زيادة الإلتهابات داخل البطانة الداخلية للشرايين تسمى ال “سيتوكين”. واخيراً هناك عامل اساسي يساهم في زيادة هذه الأحداث القلبية وهو خلل في وظيفة عمل صفائح الدم وزيادة نسبة تخثّر الدم. كل هذه العوامل تزيد من مخاطر مرض تصلب الشرايين وتزيد من مخاطر حصول إضطرابات خطيرة في ضربات القلب ومن نسبة حالات الموت المفاجئ عند هؤلاء المرضى. وتجدر الإشارة هنا الى ان المرضى الذين يعانون من امراض نفسية خطيرة مثل “مرض إنفصام الشخصية” او من “الإكتئاب ثنائي القطبين” يعانون لا يتناولون ادويتهم القلبية بشكل طبيعي ولديهم صعوبات كبيرة في الإلتزام بالإرشادات والسلوكيات المطلوبة لعلاج امراض القلب والوقاية منها ولذلك ليس من المستغرب ابداً ان تزداد عندهم مخاطر امراض القلب بشكل ملحوظ.
ونشير ايضاً الى إن الإكتئاب يزداد بمعدل 3 أضعاف او اكثر عند المرضى اللذين تعرّضوا لذبحة قلبية حادة مقارنة مع نسبته عند الأشخاص الآخرين .كذلك تزداد عند هؤلاء المرضى أعراض الإكتئاب الأخرى والتوتر والقلق ومشاكل النوم.
نضيف الى ان الإصابة بالإكتئاب بعد الذبحة تؤدي إلى زيادة الوفيات بمعدل الضعفين تقريباً حسب آخر الدراسات الحديثة في هذا المجال. كذلك هناك بعض الدراسات التي تشير إلى خطورة الإكتئاب الذي يحيط أو يتبع مُباشرة الإصابة بالأزمة القلبية بينما هناك دراسات أخرى تشير الى خطورة أكبر للإكتئاب الذي يحصل في الشهر الأول من الإصابة. ورغم خطورة هذه الظاهرة التي تستدعي ان نكون حذرين وان نبحث مباشرة عن اوّل مؤشرات الإكتئاب عند من تحدث عنده ازمة قلبية حادة لكي نكشفها ونعالجها بسرعة لمنع إرتداداته، إلا ان الجمعيات العلمية المتخصصة في علاج امراض القلب لا توصي حالياً بإستشارة متخصصة لكشف اعراض الإكتئاب بعد الأزمة القلبية لأن المعطيات العلمية الحديثة وكما سنرى لاحقاً لم تُثبت بعد ان علاج الإكتئاب بالأدوية المناسبة له تأثير كبير على نسبة الأحداث القلبية اللاحقة خلال متابعة هؤلاء المرضى.

ب- قصور او فشل عضلة القلب :
تشير الدراسات إلى أن 40% تقريباً من المرضى اللذين يعانون من قصور عضلة القلب يعانون من الإكتئاب وهو يزداد 4 إلى 5 مرات أكثر عند هؤلاء المرضى من عند الناس العاديين .ويتصاحب الإكتئاب عند هؤلاء بتدهور نوعية الحياة لديهم وبزيادة نسبة حالات دخول المستشفى ونسبة الوفيات لديهم. وهذه ظاهرة من السهل فهمها اذ ان المريض الذي يعاي من قصور او ضعف في عضلة القلب يجد نفسه غير قادر على القيام بأي جهد جسدي مهم وهو يعاني من ضيق تنفس مزمن ومن عدم القدرة على القيام بأية نشاطات رياضية او ترفيهية مهمة لأنه يقضي معظم وقته في المستشفيات خاصة في المراحل الأخيرة المتقدّمة من مرضه. ولذلك فالإكتئب عنده تحصيل حاصل وشبه حتمي. كذلك ونحن نعرف ان “الجهاز العصبي الا إرادي الودي” يعمل بشكل غير طبيعي عنده اصلاً وهذا ما يُضاعف من مخاطر الإضطرابات الخطيرة في نبضات القلب ومن إمكانيات حصول حالات موت مفاجئ عندهم.
ج-إضطراب ضربات القلب( Atrial (fibrillation وغيرها من امراض كهرباء القلب الخطيرة : من السهل ايضاً هنا ان نفهم ان المرضى الذين يعانون من مشاكل خطيرة و او متكررة في ضربات القلب هم عُرضة اكثر من غيرهم للإصابة بالقلق والتوتر والإكتئاب لأنهم كما مرضى قصور القلب في حالة عدم إستقرار شبه دائم بسبب دخولهم المتكرر للمستشفيات وبسبب عدم قدرتهم على ممارسة حياة طبيعية لذات لخوفهم من تكرار ظهور اعراض هذه الأمراض.
ولذلك تشير الدراسات الى ان هناك علاقة وطيدة بين الإكتئاب وإضطرابات ضربات القلب خاصة عند المرضى اللذين يعانون من قصور في عضلة القلب وخاصة إذا كانت قوة قذف عضلة القلب الأيسر أقل من 35% بحيث تزداد لديهم الوفيات المفاجئة وتكرار الأحداث الخطيرة وحالات دخول المستشفيات بشكل كبير .
كذلك ويزيد وجود الأكتئاب من خطر تكرار أعراض هذه الأضطراب في المراحل اللاحقة وهو عامل مستقل لذلك. ويلعب التحفيز الغير طبيعي لعمل الجهاز العصبي اللا إرادي الودي الدور الإساسي في حصول هكذا إضطرابات قد تكون خطيرة جداً احياناً.

3- أسباب العلاقة بين الإكتئاب وأمراض القلب :
تشير الدراسات إلى عدة طرق لتأثير الأكتئاب على أمراض القلب والشرايين ومن أهمها :
أ- دور زيادة مادة Serotonin وتأثيرات مختلفة على عمل ووظيفة صفائح الدم : إذ إن المشاكل الناتجة عن خلل إفرازات هذه المادة لها دور كبير في مرض الأكتئاب بحيث هناك خلل في نقل هذه المادة بين الخلايا العصبية يؤدي إلى الأكتئاب ، كذلك لهذه المادة دور كبير في وظيفة صفائح الدم وهناك عدة دراسات تشير إلى مشاكل في نقل وفي التفاعل مع هذه المادة قد تكون من مسببات أمراض القلب والشرايين وهذا ماظهر جليا من خلال بعض الدراسات السريرية التي تظهر زيادة كبيرة في كميات هذه المادة عند المرضى المصابين بتصلّب الشرايين التاجية للقلب المستقر .
كذلك فأن فاعلية الأدوية التي تلعب على إفرازات هذه المادة في الجسم للحدّ من الإصابة بالذبحات القلبية تشير بشكل غير مباشر إلى تلك العلاقة عن طريق تحسن وظيفة صفائح الدم عند المرضى اللذين يتناولون هذه الأدوية Slective Serontonin Uptake Inhibitors –SSRI’s))

ب- دور الإلتهابات عامة ودور جهاز المناعة بشكل خاص :
يؤدي الأكتئاب إلى زيادة في بعض المواد التي تعتبر مؤشرات عامة للإلتهابات في الجسم مثل
(C-Reactive Protein : CRP) وومواد تسمى السيتومين (Cytokines) تفرزها بعض خلايا جهاز المناعة ومواد أخرى متنوعة لاداعي لتفصيلها وإلى إنخفاض في بعض المواد المضادة للإلتهابات. وبما أن هناك نظريات تقول بأن مرض تصلب الشرايين ناتج عن عملية إلتهابات بأمتياز فأن هذه النظرية قد تكون هي الرابط الأساسي بين الأكتئاب وزيادة أو ظهور أعراض أمراض القلب.

ج- دور المحور الوطائي النخامي الكضري( hypothalamic-pituitary-adrenal-axis) والجهاز الودي اللبي الكضري (Sympathetic-adreno-medular system):
تُشير الدراسات إلى إرتفاع مادة الكورتزول Cortisol وهرمونات الــCathecholamines في الجسم عند المرضى المصابين بالأكتئاب. ومن المعروف أن لهذه المواد دورها في زيادة الضغط الشرياني وضربات القلب وفي التسبّب في ضرر في جدار الشراين والأوعية الدموية الصغيرة وإلى تشنّجها. وفي زيادة “لزاجة الدم” عن طريق زيادة تخثّر صفائح الدم (Platelet activation).
كذلك هناك خلل في الجهاز الودي (Sympathetic system) تؤدي إلى تغيرات في ضربات القلب عند هؤلاء المرضى وإلى مشاكل في أجهزة التوازن في الجسم وأضطرابات في جهاز تحسس القلب أيضاً ومشاكل في كهرباء القلب .ومن المعروف أن كل الإختلالات المذكورة تؤدي إلى زيادة أمراض القلب وخطورتها خاصة عبر إرتفاع معدلات الضغط الشرياني .

د- العوامل النفسية : إن المرضى المصابين بالأكتئاب لديهم عوامل خطورة مثل زيادة الوزن والأصابة بمرض السكري وإرتفاع الدهنيات أكثر من غيرهم من الأصحاء ولديهم الأستعداد أكثر لعادات غذائية غير صحية للقلب (يدخنون أكثر ويأكلون أكل غير صحي ويشربون الكحول ولايمارسون الرياضة بسبب حالتهم النفسية) كذلك لديهم أستعداد أكثر لعدم التمسك بالعلاج الدوائي بشكل منتظم مثل المرضى الآخرين .وكل هذه العوامل تزيد من إنتشار وخطورة أمراض القلب لديهم ، كذلك هم يلجؤن إلى علاجات غير تقلدية ولديهم عادات إجتماعية مختلفة ومستوى عالي من التوتر والقلق وهذا أيضا مايضاعف من خطر أمراض القلب لديهم .

ه- عوامل أخرى مختلفة : هناك أيضا نظريات مختلفة تقوم على تغيرات في الأوعية الدموية التي قد تصاب أكثر التصلّب عند المصابين بالأكتئاب وتغيرات في محتوى جدارها وهذا ماقد يؤدّي الى إرتفاع الضغط الشرياني وهبوط مواد مُوسّعة للشراين مثل مادة الـ Nitric oxide وزيادة نسبة تخثّر الدم عبر تأثير هذه المادة الأخيرة على صفائح الدم. وهناك ايضاً نظريات أخرى تقول بأن هناك عوامل وراثية ووحدات وراثية مُتناقلة بين الأجيال تؤدّي إلى هذا التفاعل بين الأكتئاب وأمراض القلب كما شرحنا في النظرية الشريانية او الوعائية لمرض الإكتئاب .
وأخيراً هناك نظرية تقول بدور ما لبعض مُضادات الأكسدة مثل مادة الـOmega -3 Fatty acids التي قد يؤدي عدم تناول كميات مقبولة منها إلى التعرّض للأكتئاب وإلى زيادة أمراض القلب . لكن كل هذه النظريات تبقى بحاجة الى تأكيد عبر دراسات علمية واسعة وممنهجة .

٤- التشخيص، العلاج والوقاية :
أ- التشخيص: هناك عدة طُرق علمية لتشخيص الإكتئاب وأكثرها يعتمد على إسئلة يجيب عليها المريض بذاتة وتتعلق بحالته النفسية والجسدية. وتهتم الجمعية الأمريكية لأمراض القلب بأجراء هذا الفحص روتينياً لكل المرضى اللذين يعانون من مشاكل قلبية. لكن هذه التوصيات غير معتمدة بشكل روتيني في المستشفيات الفرنسية ومن قِبل الجمعية الأوروبية لأمراض القلب والشرايين وبعد ذلك يتمّ تصنيف حالة المريض. وإذا كانت درجة الأكتئاب خطيرة يجب الإستعانة بأخصائيين في هذا المجال. إما في الحالات الأخرى فيتولّى الطبيب العائلي المُعالج إعطاء العلاجات والنصائح اللازمة بعد أن يتلقّى تقرير طبيب القلب المُفصّل حول حالة المريض والذي يجب ان يتمّ فيه تحديد عدّة امور مهمة من ضمنها خطورة وانتشار المرض وهل الإصابات تُصيب كل الشرايين التاجية ام انها محصورة وما هي الأضرار التي اصابت عضلة القلب وهل هناك ضعف في وظيفة عضلة القلب والى اية درجة وهل هناك تغيّرات على تخطيط القلب وخاصة على مؤشر QT segment واخيراً هل حصلت عند المريض إضطرابات في كهرباء القلب.
ب-العلاج: لقد ظهرت في السنوات الأخيرة عدّة مُعطيات مُقلقة نسبياً حول امان إستعمال معظم أدوية الأمراض النفسية والخطيرة المزمنة ومرض الإكتئاب عند مرضى القلب والشرايين. وتشير هذه المعطيات ان معظم هذه الأدوية لها مخاطر قلبية قد تكون مُهمّة لأنها قد تؤثّر على وظائف اقنية نقل الأملاح في غلاف الخلايا العصبية الموجودة في جهاز المولّد الكهربائي الطبيعي الموجود في داخل القلب وفي الخلايا العضلية الموجودة في عضلة القلب. وخاصة اقنية نقل الصوديوم والبوتاسيوم في هذه الخلايا. وهذا ما قد يُؤثّر على وظائف هذه الخلايا ويؤدي الى تغييرات على تخطيط القلب، قد تظهر بشكل تباطؤ في سرعة مرور الذبذذات الكهربائية في شبكة كهرباء القلب، مما قد يتسبّب في تمدّد وإطالة وقت بعض المؤشرات المعروفة على تخطيط القلب مثل QT segment وال PR periode وال QRS duration. كل ذلك قد تكون له تداعيات مُهمّة قد تتسبّب احياناً في حدوث تسرّع في ضربات القلب او حصول إضطرابات في كهرباء القلب او احياناً حالات موت مفاجئ نادرة مع ادوية الأمراض النفسية المزمنة. وفي حصول حالات مُماثلة اقل خطورة مع إمكانية حصول “حاجز كُلّي لمرور الكهرباء في القلب” او حالات غياب عن الوعي او هبوط في الضغط الشرياني او صدمة قلبية مع بعض انواع الأدوية المُستعملة لعلاج الإكتئاب. لذلك علينا إستشارة طبيب القلب قبل بدء بعض انواع هذه الأدوية والبحث عن بعض عوامل الخطورة التي قد تُفاقم من هذه المشاكل مثل وجود مشاكل وامراض قلبية خلقية او تباطؤ في ضربات القلب او مرض تصلّب شرايين قلب غير مُستقرّ او ذبحة قلبية حادة او التهابات في عضلة القلب او تضخّم في عضلة القلب. كذلك يجب البحث عن مشاكل الأملاح خاصة الصوديوم والبوتاسيوم وغيرها من الأملاح في الدم. واخيراً يجب البحث في المعطيات الإجتماعية وقدرة المريض على فهم الأمور واستيعابها وعمر المريض المُتقدم او كونه من “العنصر النسائي” حيث تزداد هكذا مخاطر بحسب الإحصاءات والمعطيات الموجودة.
وبشكلٍ عام ومبسّط ف إن ادوية علاج الإكتئاب تنقسم الى قسمين منها ما هو “خطر جداً” ويجب عدم إستعماله الإ في الحلات الصعبة او المُتقدمة وفي آخر المراحل. وقسم آخر “آمن نسبياً” مع افضلية للعائلة الأجدد من هذه الأدوية وهي عائلة ال( SSRI’s) ولبعض الأدوية من هذه العائلة التي اثبتت فعلياً وبعد تجارب واسعة انها ليس لها آثار جانية كبيرة مثل دواء ال (Zoloft: Sertraline) الذي يُعتبر الدواء الأكثر اماناً بعد الإصابة بالذبحة القلبية كذلك ادوية ال Paroxetine
وال Fluoxetine وال Mitrazipine التي لم يظهر حتى اليوم ان لها آثار جانبية خطيرة.
وعادة ما نبدأ العلاج بواحد من هذه الادوية ولا نلجئ الى إستعمال أدوية الفصيلة الثانية لعلاج الإكتئاب الا في الحالات الحرجة التي لم تتحسّن مع الأدوية الأولى.
لذلك يمكن القول ان لامانع حالياً من علاج مرضى القلب بالأدوية الحديثة التي ذكرناها من عائلة( SSRI’s) لكن يجب فقط عندهم الإنتباه الى إمكانية زيادة حالات النزيف بسبب الأثار التي تؤدّيها هذه الأدوية على صفائح الدم التي تخفّ نسبة تخثرها .أما الأدوية الأخرى من عائلة (Tricyclic anti depressants) فلايجب أن تُستعمل عند مرضى القلب بسبب آثارها الجانبية ولأنها قد تزيد الوفيات لديهم عن طريق أضطربات خطيرة في ضربات القلب .

ج-الوقاية: السؤال الأهم الذي طُح في السنوات الأخيرة والذي ادّى الى إجراء عدة دراسات سريرية واسعة هو: هل ان علاج الإكتئاب المزمن عند المرضى يؤدي إلى ظهور الفائدة المرجوة في تحسن حالة القلب وفي تخفيف الأحداث والنوبات القلبية اللاحقة او الوفيات القلبية والوفيات العامة التي قلنا انها تزداد بشكل كبير عندهم؟ والجواب الصادم الذي ظهر من خلال مراجعة كل المعطيات المتوفرة حتى اليوم هو لا. إذ لم تظهر حتى اليوم اية فوائد قلبية على المدى البعيد من ان إعطاء دواء آمن على القلب مثل ال Sertraline حتى بعد متابعة المرضى لعدة سنوات.
أخيرا نشير الى أهمية دور العلاجات النفسية والسلوكية وإلى إعادة التأهيل والرياضة واعتماد الطرق المساعدة في الإسترخاء مثل سماع الموسيقى والقراءة والتآمل والخروج الى الطبيعة وغيرها من الوسائل عند هؤلاء المرضى المُصابين لأن ذلك له فوائد كثيرة ويعيدهم الى نمط حياة مقبول.كذلك يجب حثّهم على الإبتعاد عن إعتماد انماط الحياة الغير صحية والإبتعاد عن التدخين والكحول والمخدرات والأكل الغير صحي وما الى ذلك لأن كل هذه العوامل تُخفف من امراض القلب والشرايين ومن نسبة إنتشارها واعراضها. ومن الممكن تفصيل ذلك على الشكل التالي:
A- عدم إنتظام النوم: الذي يشكو منه العديد من المكتئبين والذي قد يتفاقم أكثر عند المرضى المصابين بمشاكل قلبية، وقد أظهرت دراسات متعددة أن ذلك يؤدي إلى خلل في الجهاز العصبي اللاإرادي وهذا ما يؤدي بالتالي إلى زيادة خطر الإصابة بمتلازمة الأيض والبدانة والسكري وإرتفاع الضغط الشرياني.
B- الخمول وعدم الحركة: وهو ظاهرة رائجة عند المكتئبين وعلاقته معروفة جدا مع أمراض القلب والشراين.
C- التدخين: حيث نلاحظ أن المكتئبين يلجئون إلى الأكثار من عدد السجائر يوميا ويصبحون أقل قدرة على الإقلاع عن هذه العادة وجميعنا نعلم العلاقة القوية بين التدخين وزيادة أمراض القلب.
D- التقصير بالنظافة:
حيث نُلاحظ أن المكتئبين يهملون أنفسهم بشكل كبير وخاصة فيما يتعلق بنظافة الفم والأسنان واللثة ونعلم جيدا أن مشاكل الأسنان واللثة تزيد بشكل كبير من نسبة وخطورة أمراض القلب والشرايين.
E- عدم تناول الأدوية بشكل منتظم: حيث أن المكتئبين لا يلتزمون بتناول جرعات الدواء بأوقاتها أو نسيانها بسبب مشاكل الذاكرة وهذا ما يزيد من خطورة أمراض القلب والشرايين، إضافة لذلك لدى المكتئبين تردد وعد ثقة بإمكانية الشفاء عبر تناول الأدوية ويتحسس كثيرا إتجاه الأعراض الجانبية لهذه الأدوية. وهذا ما يشكل عاملا إضافياً لتفاقم مشاكل القلب لديه.
F- العزلة الإجتماعية:
وهي ظاهرة رائجة جدا أيضاً عند المكتئبين وعدم إحساس المريض بوجود المساندة العائلية والإجتماعية وشبكة امان حاضنة يفاقم من أمراض القلب والشرايين بطريقة غير مباشرة عند اللجوء إلى عادات سيئة كالتدخين والكحول والأكل الغير صحي.
G- التوتر الدائم:
حيث أن بعض الدراسات أظهرت أن بعض المكتئبين لديهم تجارب سلبية ومتفاقمة مع عوامل التوتر الخارجية وهذا ما يؤدي إلى خلل في عمل الجهاز العصبي اللاإرادي ويزيد من تأثير هذا الأخير السلبي على القلب وهذا مايزيد بدوره من خطورة هذه الأمراض.
H- الإحباط وعدم الرضا عن النفس:
حيث نلاحظ كثيراً أن المصابين بالكآبة يفقدون ثقتهم بأنفسهم ويلجؤون إلى تقليل أهمية وجودهم الإجتماعي والمهني وهذا ما يفاقم لديهم الأحساس بالأعراض ويدفعهم إلى الخمول واللجوء إلى عادات غير صحية وعدم تناول أدويتهم بشكل صحيح ومنتظم وكل ذلك يزيد من خطورة أمراض القلب والشرايين لديهم.

في النهاية لايزال علينا عمل الكثير لفهم العلاقة بين القلب والعقل والبحث الدقيق عند المُصابين بالكأبة ومحاولة العلاج من خلال معالجة أسباب هذه الزيادة وليس بعلاج الأكتئاب بحدّ ذاته: الإكتئاب كظاهرة شريانية وعائية-الأسباب الوراثيه – جهاز المناعة – الإلتهابات – الهرمونات وغيرها والطريق هنا طويل وهناك أبحاث كثيرة يجب أن نقوم بها في المستقبل في هذا المجال لسبر آفاق كل هذا الترابط الكبير بين العقل والقلب والشرايين.

د طلال حمود- طبيب قلب وشرايين-
منسّق ملتقى حوار وعطاء بلا حدود

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى