تحيَّةً لِرُوحِ الأُسْتَاذِ المَرْحُومِ ضَاهِرٍ حَمْدَانَ فِي عِيدِ المُعَلِّمِ
تحيَّةً لِرُوحِ الأُسْتَاذِ المَرْحُومِ ضَاهِرٍ حَمْدَانَ فِي عِيدِ المُعَلِّمِ
فِي هَذَا اليَوْمِ الَّذِي نُحْتَفَى فِيهِ بِحَمَلَةِ المَشَاعِلِ وَصُنَّاعِ الأَجْيَالِ، نَقِفُ إِجْلَالًا وَوَفَاءً لِذِكْرَى الأُسْتَاذِ المَرْحُومِ ضَاهِرٍ حَمْدَانَ، ذَاكَ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ كَالشَّمْسِ، يَبْعَثُ بِنُورِهِ فِي زَوَايَا العَتْمَةِ، فَلَا يَتْرُكُ مَكَانًا لِلْجَهْلِ أَنْ يَسْتَوْطِنَ. كَانَ مِنْ أَوَائِلِ مَنْ زَرَعَ بُذُورَ التَّعْلِيمِ فِي مِنْطَقَةِ بَعْلَبَكَّ، وَسَقَى تِلْكَ البُذُورَ بِجُهْدِهِ وَعَطَائِهِ حَتَّى أَيْنَعَتْ أَجْيَالًا نَهَلَتْ مِنْ عِلْمِهِ، وَحَمَلَتْ رَايَةَ المَعْرِفَةِ مِنْ بَعْدِهِ.لَمْ يَكُنْ مُجَرَّدَ مُعَلِّمٍ، بَلْ كَانَ مِنَارَةً تُضِيءُ دُرُوبَ السَّاعِينَ إِلَى العِلْمِ، وَسَفِينَةً قَادَتْهَا حِكْمَتُهُ إِلَى بَرِّ المَعْرِفَةِ. فَلَمْ يَقْتَصِرْ دَوْرُهُ عَلَى نَقْلِ الحُرُوفِ وَالكَلِمَاتِ، بَلْ غَرَسَ القِيَمَ وَالمَبَادِئَ فِي نُفُوسِ طُلَّابِهِ، كَغَارِسٍ يَعْتَنِي بِأَشْجَارِهِ حَتَّى تُثْمِرَ خَيْرًا. لَمْ يَكْتَفِ بِالعَطَاءِ دَاخِلَ الصُّفُوفِ، بَلْ حَمَلَ رِسَالَةَ التَّعْلِيمِ كَرِسَالَةِ حَيَاةٍ، فَأَسَّسَ المَدَارِسَ فِي البِقَاعِ وَبَيْرُوتَ، وَاضِعًا لَبِنَاتِ المُسْتَقْبَلِ بِيَدَيْهِ، وَمُمَهِّدًا الطَّرِيقَ أَمَامَ أَجْيَالٍ كَانَتْ أَحْلَامُهَا تَنْتَظِرُ مَنْ يَفْتَحُ لَهَا أَبْوَابَ الأَمَلِ.وَاليَوْمَ، إِذْ نَرْفَعُ أَسْمَى آيَاتِ التَّقْدِيرِ لِرُوحِهِ الطَّاهِرَةِ، نُعَاهِدُ أَنْفُسَنَا أَنْ نَبْقَى أَوْفِيَاءَ لِرِسَالَتِهِ، مُسْتَلْهِمِينَ مِنْ سِيرَتِهِ شُعْلَةَ العَزِيمَةِ، وَمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ كُلَّ حَرْفٍ خَطَّهُ، وَكُلَّ فِكْرَةٍ بَثَّهَا، سَتَبْقَى كَالنُّورِ الَّذِي لَا يَنْطَفِئُ، وَكَالغَرْسَةِ الَّتِي سَتَنْمُو وَتُزْهِرُ مَهْمَا تَعَاقَبَتِ الفُصُولُ.رَحِمَكَ اللَّهُ يَا أُسْتَاذَ ضَاهِرٍ، وَجَزَاكَ خَيْرَ الجَزَاءِ عَلَى كُلِّ عَقْلٍ أَنْرْتَهُ، وَكُلِّ قَلْبٍ فَتَحْتَ لَهُ أَبْوَابَ العِلْمِ، فَكُنْتَ حَقًّا مُعَلِّمًا لَا يُنْسَى، وَرَائِدًا سَيَظَلُّ اسْمُهُ مَحْفُورًا فِي ذَاكِرَةِ الزَّمَنِ.
