كتب حسين عليق نزل الدولار” مليار دولار من مصرف لبنان: “لَعيون ميقاتي”… والمضاربين
حسن عليق ف
للمرة الاولى منذ بدء الانهيار، يتدخل مصرف لبنان بقوة في السوق، للجم ارتفاع “سعر الدولار” وتحسين سعر الليرة مقابل الدولار. وبحسب المعلومات المتداولة في السوق، يبدي رياض سلامة استعداده للتدخل الى حدود “التضحية” بمليار دولار من الدولارات الموظفة في مصرف لبنان (ما يسمى احتياطي). يسحب سلامة الدولارات من السوق (بواسطة “أو ام تي” بالدرجة الاولى، التي تحوّلت الى شركة صرافة تعمل لحساب مصرف لبنان)، ويردها الى السوق عبر منصة “صيرفة” والصرافين والمصارف. اليوم اضاف الى تلك الادوات التلويح بمليار دولار عبر المصارف (التلويح بالمبلغ لا يعني بالضرورة استخدامه)، اذ بات من حق أي زبون (نظريا) التوجه الى المصرف الذي يتعامل معه وشراء الدولارات بسعر “صيرفة” (أقل من ٢٥ ألف ليرة). بعض المصارف يعرض على الزبون تجميد جزء من ليراته (تصل الى نحو ٢٥ في المئة)، على ان يبدل الجزء الباقي من ليراته بدولارات نقدية بسعر ٢٥ ألف ليرة للدولار. مصرف لبنان يعطي الدولارات للمصارف، لتسحب الليرات من السوق. ثم يعطي الليرات لـ”أو ام تي” لتسحب الدولارات، ليعود ويعطي الدولارات للمصارف لتسحب الليرات… وهكذا دواليك.
هذا التدخل من قبل سلامة تم بناءً على طلب رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي تحوّل الى المدافع الأول عن سلامة، في العلن كما في الاجتماعات المغلقة. ميقاتي يدرك ان أي اتفاق مع صندوق النقد الدولي لن يُنجز قريبا، وقال لسلامة في اجتماعهما الأخير ان استمرار انهيار سعر الصرف غير محتمل، وسيؤدي الى انفجار اجتماعي، وأنه يريد منه التدخل لتهدئة السوق بأيّ كلفة. امتثل سلامة، وقرر التدخل. هذا التدخل سيؤدي الى تحسين سعر الصرف، واقتراب سعر السوق من سعر “صيرفة”، وسيفيد المضاربين والقادرين على تأمين ليرات لشراء الدولارات. وينبغي مراقبة ما اذا كان سيؤدي ذلك الى تجفيف الليرة من السوق وتراجع القدرة على الاستهلاك، مع ما يعنيه ذلك من مزيد من الانكماش.
- مصرف لبنان قادر على لجم سعر الصرف، لكنه اختار عدم التدخل سابقا. وتدخل بقرار سياسي من رئيس الحكومة الحالي. عندما طلب حسان دياب من رياض سلامة التدخل، اجابه سلامة: لا يمكنني التدخل. وعندما طلبت قوى سياسية (بلغة أقرب الى التهديد) من رياض سلامة التدخل في السوق اكثر مرة، رفض ذلك ايضاً. هذه الطلبات رفضها سلامة عندما كان سعر الدولار لم يصل بعد الى ١٠ الاف ليرة.
- مرة جديدة، تثبت لنا الطبقة الحاكمة (سياسياً ومالياً ودينياً وإعلامياً…) ان ترك البلد منذ العام ٢٠١٩ في حالة “سقوط حر”، من دون أي تدخل منها، كان قراراً متعمّداً. والسلطة السياسية، بفرعيها الحكومي والنيابي، كانت قد فوّضت صلاحياتها لرياض سلامة الذي يحميها وتحميه. وعندما طلب منه مَن يقود اليوم حزب حُماته التدخل، امتثل. وفي حزيران ٢٠٢٠، كذب سلامة على الرؤساء الثلاثة (عون وبري ودياب)، عندما وعدهم بأن سعر الدولار سيتراجع “يوم الاثنين المقبل” الى ٣٢٠٠ ليرة (يوم تحمّس الرئيس بري الى حد انه بشّر اللبنانيين بذلك). لكن سلامة لم يتدخّل حينذاك، لأسباب سياسية خارجية (راعيه الأميركي كان يمارس سياسة الضغوط القصوى) من جهة، ولأن حسان دياب كان يطالب – وحيداً – بإقالته من جهة ثانية، ولأن مصلحة المصارف كانت تقضي بانفلات سعر الصرف لتخفيف خسائرها من جهة ثالثة. والأهم أن سلامة لم يكن حينذاك يشعر بالضيق الذي يشعر به حالياً، نتيجة الملاحقات القضائية التي يتعرض لها محلياً وخارجياً، كما نتيجة تدمير صورته في لبنان والخارج. وفي العام ٢٠٢٠، لم يكن بحاجة لتقديم تنازل لأحد.
تبقى مسألة اساسية. هذا الاجراء، وغيره، ليس سوى مسكّنات، ولا يمكن التعويل عليه طويلاً. طالما ان أي خطة الانقاذ لم تُقر من قبل الحكومة ومجلس النواب، سنبقى في حالة انهيار شامل. وخطة الانقاذ يجب ان تُبنى على التوزيع العادل للخسائر (ولا توزيع عادلاً بلا تحديد للمسؤوليات الفردية للمسؤولين والمؤسسات والشركات). وأي خطة إنقاذ يجب ان تُبنى على إنشاء قطاع مصرفي جديد، يخدم الاقتصاد ويسمح بنموّ الثروة الوطنية، لا قطاعاً مصرفياً طفيلياً يمتص دم الاقتصاد والناس والدولة. وما في لبنان (ومصرفه المركزي) من أموال يكفي – من دون الحاجة لتمويل خارجي – لإقرار خطة انقاذية، وإطلاق قطاع مصرفي وإعادة تشغيل الاقتصاد والاستثمار في البنية التحتية. لكن ذلك غير ممكن أن يتم بأيدي الفشلة والسارقين الذين اوصلوا لبنان الى الانهيار الأسوأ في العالم التاريخ الحديث.