أخبار محلية

ما زال شيطان المال هو الحاكم بأمره.

أحلام بيضون

مسألتان سنتطرق إليهما هنا، هما:

  • مسألة الارتفاع الجنوني لسعر الدولار حتى لامس 33 ألف ل.ل. في 13/1/2022
  • ومسألة انخفاض سعر الدولار خلال ساعات حتى وصل إلى 27 ألف ل.ل. في 14/1/2022

أولا: مسألة ارتفاع سعر الدولار الجنوني:
سنبدأ من الآخر، ونتناول فضيحة عدم التزام مكاتب الصيرفة بسعر المنصّة التي حددها البنك المركزي، والتي من المفترض تقيُّدْ مكاتب الصيرفة بها، والمفترض أنها تعمل تحت رقابة البنك المركزي مباشرة، الذي اعترف بشرعيتها، ومنحها التراخيص، وعددها يقرب من 300.
والفضيحة أثارها مشكورا الصحفي الاستقصائي رياض قبيسي مع فريقه، حيث اعترف نقيب الصيارفة من على شاشة الجديد، بوجوب التزامهم بتسعيرة المنصّة التي حددها البنك المركزي، لكن ذلك لا يحصل، تحت حجة أن المواطن هو من يفرض السعر، وأن الخليوي بين يديه وهو يعرف الأسعار. طبعا، المقصود هنا أسعار المواقع مجهولةِ المشغلين حتى الآن، والتي تساهم فيما يسمى بالسوق السوداء للدولار.
كيف أجاب رياض سلامة، حاكم البنك المركزي اللبناني، وحاكم لبنان والمتحكم بمصير اللبنانيين مع عصابة السلطة وحيتان المال؟
لقد قال بأنه وجّه إنذارا لمكاتب الصيرفة كي تلتزم بتسعيرة المنصّة التي حددها، خلال مدة أربعين يوما، فإذا لم تلتزم سيكون مصيرها الإقفال. هذه الوقائع تستثير ملاحظتين:
الأولى، أين كان البنك المركزي منذ أن بدأ بتحديد سقوف لسعر الدولار، ومنذ أن بدأ بابتكار المنصّات، من مراقبة مكاتب الصيرفة؟ ولماذا لم يتم التعاون بين البنك المركزي وحضرة الدولة العليّة من أجل وضع حدّ لتدهور قيمة الليرة اللبنانية، وذلك من خلال ملاحقة وإقفال المكاتب المخالفة؟
الثانية، لماذا منحَ مكاتب الصيرفة مهلة 40 يوما كي تلتزم بتسعيرة المنصّة بدل أن يفرض عليها التزاما فوريا؟ ألا يعني ذلك أنه متواطئ مع تلك المكاتب، وهو يمنحها المزيد من الوقت لمزيد من التلاعب بسعر الدولار، وما ينتج عن ذلك من أرباح طائلة لأصحاب الدولارات، وللتجار الذين يرفعون أسعار السلع ساعة بساعة، أو حتى دقيقة بدقيقة، كما تفعل البورصة، بينما حين ينخفض سعر الدولار لا تنخفض الأسعار معه بشكل تناسبي بل تبقى على ارتفاعها؟

ثانيا: مسألة انخفاض سعر الدولار بشكل متسارع خلال ساعات:
خلال ساعات انخفض سعر الدولار من 33 ألف ل.ل. إلى 27 ألف ل.ل.، ونحن في 14/1/2021. هل ذلك يعني أن سعر الدولار يرتفع في النصف الأول من الشهر وينخفض في نصفه الثاني، أم كان لتعميم مصرف لبنان الذي أنذر فيه مكاتب الصيرفة تأثيرا في ذلك؟ أم أن المسألة برمتها هي نتيجة لقرار اتخذ من الحاكم بغية التوصل إلى تسوية بشأن قيمة الدولار، أو ما يسمى توحيد سعر صرف الدولار؟
الأسباب كلها تشترك في رفع سعر الصرف أو خفضه، ولكن سنتكلم هنا تحديدا عن قرار حاكم مصرف لبنان الأخير، أي القرار 161، الذي أجاز فيه للموظفين بسحب رواتبهم الموطّنة في البنوك بالليرة اللبنانية، بالدولار الأميركي على سعر 22 ألف ل.ل. الدولار الذي لا زال سعره الرسمي 1500 ل. ل. وسعر استبداله لمودعيه ب 3500، ثم أصبح بثمانية آلاف، أجيز للموظفين أن يسحبوا رواتبهم به ولكن مقابل 22 ونصف لكل دولار. لقد اعتبر الحاكم أنه يساعد بذلك الموظفين التي أصبحت معاشاتهم لا تكفي لدفع فاتورة موتور الكهرباء، وذلك، بأن يذهب الموظف إلى السوق السوداء ويبيع المعاش الذي قبضه بالدولار مقابل سعر السوق، والذي كان وقتها يقارب 29 ألفا. لقد وصل سعر الدولار يوم أمس إلى أكثر من 33 ألف دولار، ونعتبر بعد مضي أسبوعين أن كل الموظفين قد سحبوا رواتبهم، وأكيد أنهم آثروا سحبها بالدولار، وذلك لسببين: إما الحاجة للدولار كعملة يستعملها بحدّ ذاتها، أو أن يذهب ويبيعها بالسوق السوداء ويربح الفرق بين سعر 22 ألف و29 ألف أو يزيد. ولكن، المفترض أن زيادة كمية الدولار في السوق يجب أن تؤدي إلى انخفاض سعره، فلماذا استمر سعره بالارتفاع حتى وصل إلى أكثر من 33 ألف؟ ربما يرمي حاكم مصرف لبنان، بعد أن استمر بتدريب اللبنانيين وتطويعهم على التعايش مع الفقر، إلى الوصول إلى توحيد سعر صرف الدولار على الأقل في التعامل، أي دون أن يعلن ذلك سعرا رسميا له، حيث أن السعر الرسمي للدولار لا زال 1570 ل.ل.، في حين يصبح سعر التداول يتراوح كحد أقصى حول 22 ألف ل.ل. لكل دولار، بعد أن حاول سابقا أن يكون حوالي 12 ألف ل.ل.
غير أننا سنترك كل ذلك جانبا ونلتفت إلى الأسباب الخارجية، والتي هي الأخرى تؤثر في الوضع النقدي والمالي في لبنان، فقد صرّح وزير الاقتصاد اللبناني أن لبنان سيوقع مطلع هذا العام اتفاقا مع صندوق النقد الدولي على خطة التعافي الاقتصادي، وأضاف أنه بعد ذلك سيتم ضخّ كمية كبيرة من العملة الصعبة في السوق، وسيتم هيكلة المصارف اللبنانية، وأنه سيتم تغيير الاقتصاد اللبناني من الريعي إلى الإنتاجي. أما حاكم مصرف لبنان فقد أكّد من جهته، يوم الثلاثاء الفائت أن لبنان بحاجة إلى دعم يتراوح بين 12 و15 مليار دولار، في حال تمّ التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، وأضاف أن مثل هذا الدعم سوف يساعد على إعادة تحريك الاقتصاد اللبناني واستعادة الثقة، وقد أوضح أن حصة لبنان في الصندوق هي 4 مليارات، وأنه يمكن أن تأتي دول وتضيف عليها ليصل الدعم إلى 12 أو 15 مليار دولار، وأن هذا المبلغ كفيل بالانطلاق من جديد.
خلاصة القول أن لعبة الدولار في لبنان، والتلاعب بمصير اللبنانيين إلى الحد الكارثي الذي وصلنا إليه له جوانب داخلية وخارجية عديدة، ولكن تبقى المسؤولية الأولى والأخيرة على من بيدهم إدارة البلد من سياسيين بالإضافة إلى حاكم مصرف لبنان، الذي تصرف منذ تعيينه بحرية تامة، دون الأخذ بعين الاعتبار إلى ماذا قد يؤدي استرساله في تضخيم الفوائد لجذب الودائع والعملة الصعبة، خاصة الدولار.
أحلام بيضون/ 14/1/2022

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى