اقتصاد

الازمة الاقتصادية وارتداداتها على الشعب اللبناني

الشعب اللبناني يعاني لوحده من البطالة
تتفاقم الأزمة الإقتصادية بشدة حتى يخال للمرء أننا وصلنا الى الذروة، فإذا بها تشتد علينا أكثر من الذي مر بنا، فنرى ان الذي مضى كان نعيماً أمام ما وصلنا اليه للتو.ان تسارع الانهيار يشير الى أن الآتي أعظم، مع تعقيدات أكثر سلبية وآفاق مغلقة على الحلول واستنزاف لجميع الموارد المالية والنقدية.
جائحتان في وقت واحد
اجريت دراسات عديدة عالمية لمستوى البطالة إثر جائحة كورونا في العالم، إلا أن الشعب اللبناني وقع على رأسه جائحتين:
الأولى: الأشد إيلاما الأزمة الإقتصادية وتآكل الاجور والقدرة الشرائية التي أصبحت عصفاً مأكولا في جيوب المصارف ومهب السياسيين
والثانية: جائحة كورونا..
الشباب الجامعي تنتظره البطالة
نال الآلاف من الطلاب الجامعيين شهاداتهم من الجامعات اللبنانية الرسمية والخاصة وحتى من الخارج، وهناك عدد ضئيل منهم فقط حظي بفرصة عمل توافق شهادته، أما العدد الأكبر فلم يكن لهم حظوة بفرصة عمل وأصبح الواحد منهم أسير حلم إيجاد وظيفة او هاجس الهجرة والسفر خارج البلاد، وهؤلاء في ازدياد سنة بعد سنة.
الحق يقال أن مشكلة البطالة في لبنان قديمة وعميقة فالعديد من المناطق غير قادرة على خلق فرص عمل جديدة ومواكبة للتخصصات الحديثة والمتناسقة، مع ازدياد عدد السكان. وهذا الامر يتأزم ويتفاقم بغياب الخطط الرسمية من الدولة والحكومات المتعاقبة للقطاعات الصناعية والزراعية وعدم رغبة المستثمرين بالاستثمار في مناطق تشهد عدم استقرار أمني وسياسي كحال بعض المناطق في لبنان.
متاهات اقتصادية وارقام صادمة
أواخر عام 2019 ظهر المخفي، بوادر الإنهيار الإقتصادي الشامل للبلد لم يكن ليظهر بهذه الحدة لولا الخلل في الهندسات المالية للمصرف المركزي ومعه المصارف اللبنانية فالانهيار السريع والتدني لقيمة الليرة اللبنانية أمام الدولار الامريكي. في هذه المقالة لن ندخل في متاهات الانهيار الاقتصادي والسياسة المالية والنقدية بل نضيء على التاثيرات السلبية على الشعب اللبناني. فتداعيات انهيار العملة رفعت من منسوب الخطر على مناحي الحياة واضمحلال اكتفائه الذاتي عبر فرصة عمل تتيح له ولأسرته ان يعيش بكرامة في وطنه، إلا أن المراد غير مقدور عليه. فالسلبيات للأزمة الاقتصادية كانت مدوية على رؤوس الجميع، فلم توفر أحدا إلا طالته.
ف نسبة كبيرة من المؤسسات التجارية والصناعية والسياحية أقفلت أبوابها وسرحت عمالها وموظفيها وبلغت نسبة المؤسسات التي اقفلت ابوابها 20 في المئة عام 2020 وبلغت نسبة المسرحين 23 في المئة، وانعكس ذلك على المصانع فتراجع انتاجها وتوقفت السياحة وتراجع الاستهلاك بنسبة 75 في المئة وفق تقديرات المجلس الوطني والاجتماعي.. وقد تضاعفت هذه الارقام حتما هذه السنة .وقد ارتفعت نسبة التضخم حسب صندوق النقد الدولي الى 85 في المئة الماضي بالتزايد وارتفع معدل الفقر الى 55 في المئة وكان لخطوة رفع الدعم عن السلع الأساسية واقعا سيئا جداً و زاد من حدة الحياة المعيشية للمواطن، وبالتالي زيادة البطالة.
واقع أليم وآفاق مبهمة
إن إغلاق عدد كبير من المؤسسات التجارية والمالية وتسريح المئات من موظفيها أوصل الى كارثة اجتماعية حتمية بحسب الدراسة الأخيرة للجنة الاسكوا التابعة للامم المتحدة في أيلول الماضي فقد بلغت نسبة الذين يعانون من الفقر متعدد الأبعاد في العام 2021 حوالي 82 في المئة من العدد الإجمالي للسكان، فيما تبلغ نسبة من يعانون الفقر المدقع المتعدد البعد 40 في المئة. وسجلت معدلات التضخم مستويات خطيرة وكبيرة وصلت الى 281 في المئة.. ادارة الإحصاء المركزي أصدرت ايضا تقريرا عن سمات البطالة في لبنان فقالت إن بطالة الشباب كانت هي الأعلى لاسيما الذين يحملون شهادات جامعية، وتتركز البطالة في عكار والجنوب والبقاع وعاليه، وهي في ازدياد مضطرد يوما بعد يوم.كما اصدرت منظمة العمل الدولية في تقريرها الأخير عام 2021 ان معدل مشاركة الشباب في القوة العاملة بلغت نسبة 42.5 بين البالغين بعمر 25 سنة وما فوق، وبلغت نسبة الشباب خارج التعليم او العمل او التدريب 62.3 في المئة منها في صفوف الشابات72،1 في المئة..
السفير ابو سعيد: الارقام تتضاعف باستمرار
قصدنا السفير الدكتور هيثم أبو سعيد المبعوث الخاص للجنة الدولية لحقوق الانسان والمجلس الوطني للأمم المتحدة في جنيف لاستيضاحه حول بعض الأرقام النسبية للبطالة والعمل في لبنان فأكد لنا أن بيان تصنيف بعض المراكز في آخر دراساتها حول قضية البطالة في لبنان، أن هناك خمسة وخمسون في المائة (٥٥ %) يشتغلون ضمن مصنف غير قانوني يعملون والباقون يعملون بشكل نظامي وهو مؤشر سابق منذ حوالي السنة. واضاف السفير ابو سعيد:
اليوم إختلفت النسب ووصل من يعملون بشكل غير نظامي الى سبعة وستين في المائة (67%) ومن يعملون بشكل نظام وصل الى ثلاثة وعشرون في المائة (23%).
لكن تبقى بطالة الشباب هي الأعلى في لبنان وخاصة البقاع ويٌلحظ بحسب الدراسة الميدانية انها وصلت الى حد السبعة والثلاثين (37%) في المئة خصوصا من أنهوا دراساتهم الجامعة اواخر سنة ٢٠١٩.
ويشير السفير أبو سعيد الى أن هذه النسب ارتفعت حتماً في عام 2021، فالمعلومات الميدانية التي قام بها فريق الشؤون في مكتب لبنان للجنة, أن معدل المشاركة في القوى العاملة من الذين ينشطون في سوق العمل من العاطلين عن العمل أم لا ، أكانو يعملون او لا يعملون وصلت نسبتهم الى 42،3 % واحتمال مشاركة الرجل في القوة العاملة 59،2 % أكبر بكثير منه لدى المرأة 14،7 %.
الشباب الجامعي: مستقلبنا شطبولنا عليه
عن أزمة البطالة في بعلبك الهرمل تحدثنا مع العديد من الشبان والشابات خريجي الجامعات الخاصة و الرسمية وأيضا ممن انهوا دراساتهم العليا خارج لبنان لكنهم تفاجئوا بالواقع المرير والمجهول فالكثير منهم لم يحظى حتى الآن بفرص عمل..
علي قانصوه الذي التقيناه قال: كانت آمالنا وطموحاتنا كبيرة، بالرغم أن الواقع المرير والكارثي الذي يعيشه البلد قررنا متابعة الدراسة ولن ننثني عن البحث بشتى السبل عن أمل بفرصة عمل بالاختصاص نفسه الذي نحب. الشاب قانصوه من مدينة الهرمل أنهى دراسته الجامعية في اختصاص برمجة الكمبيوتر درس في الجامعة اللبنانية في بيروت يعرف أن الوضع الاقتصادي صعب جدا لا سيما في السنتين الاخيرتين حيث تزامن الانهيار الاقتصادي مع جائحة كورونا، أضاف: بالرغم من معرفتي ان أفق هذا الاختصاص في مدينة الهرمل معدومة، لان المنطقة ليس فيها شركات او مؤسسات .. إلا أن حبي لهذا الاختصاص دفعني أن أنزل إلى الجامعة اللبنانية في بيروت للدراسة آملا ان انهي دراستي الجامعية مع تغيرات الى الاحسن وكنت اخطط ان استقر في العاصمة بقصد العمل، لكن الكارثة التي خربت البيوت كما قال قانصوه، قد حلت علينا بجائحة كورونا بالعودة الى الهرمل للدراسة عن بعد عبر الانترنت واستكملت الكارثة الاقتصادية ما تبقى من بصيص امل فلم يعد بمقدوري التنقل بين بيروت و مدينة الهرمل للتكلفة العالية لاجار الطريق ولا حتى البقاء في بيروت بسبب الغلاء الفاحش الذي يفوق التصور. يبتسم الشاب علي قانصوه متابعا حديثه معنا: لقد تخرجت هذه السنة الحمدلله، لكن المستقبل المجهول هو الذي في انتظاري وانتظار جميع الشباب خريجي الجامعات من زملائي، فالصور التي رسمناها في مخيلتنا تلاشت واندثرت واصبحت محاولة الحصول على فرصة عمل صعبة جدا مع عدم توفر المال الكافي وصعوبة استئجار غرفة في العاصمة للقيام بهذا الاجراء البسيط.
سألنا قانصوه عن زملائه الخريجين وكيف حالهم: ليس حالهم بأفضل مني ولو ان واحدا منهم حصل على فرصة لرأينا بصيص امل في هذا النفق.وكما تعلمون ان الجلوس في المنزل يؤثر كثيرا علينا كشباب, ذلك لان سبل العيش الضاغطة تجبرنا على العمل لكسب لقمة العيش، هناك العديد من أصدقائي وزملائي الخريجين يشتغلون بغير اختصاصهم الجامعي فمنهم من يعمل بالمطاعم والمؤسسات التجارية او يساعد والده في الزراعة ويقول علي حسمت امري وقررت الهجرة .
واضاف: ان بعض زملائي من نفس الاختصاص فتح مطعم بكشك صغير كمصدر رزق، هذا الاسترزاق يراه افضل من الجلوس في المنزل والبطالة .. الشاب حسن من مدينة بعلبك قرر السفر الى روسيا للتخصص بهندسة الاتصالات يقول حسن هذا الاختصاص كان قليلا وغير منتشر ومطلوب لسوق العمل وقد فضلته على اختصاص الطب. كان يعتقد حسن ان السنوات السبع التي قضاها في روسيا لن تكون على قدر آماله وامال والده العسكري في الجيش اللبناني الذي وضع كل ما يملك ليتابع ابنه تعليمه كي يؤمن له مستقبلا زاهرا ويحظى بوظيفة محترمة و ما زال ينتظر فرصة عمل منذ عشر سنوات رغم سعيه، فلا بنيت مستقبلا ولا اسست اسرة ولم يفسح لي المجال لاظهار قدراتي العلمية التي جاهدت لتحصيلها سنوات عديدة يختم حسن.
المزارع ضحية الحكومات والحرمان
هذا حال خريجي الجامعات الشباب فما حال الاناس العاديين الذين يعتمدون في معيشتهم على مصدر رزقهم من زراعة وتجارة.. فالازمة ضربت واكلت الاخضر واليابس.. فالبطالة وجوهها متعددة لكن نتائجها واحدة، فالمزارعون والتجار ينتظرون بارقة أمل لتحسين ظروفهم المعيشية وحصولهم على عمل مستقر لضمان قوت عيالهم والعيش الكريم هذا ما يأمله المزارع ابوعلي سلهب حيث يؤكد ان التلاعب بسعر الصرف اليومي للدولار يوقعنا بحيرة كبيرة وخسارة متوقعة، فنزرع على سعر ونقطف على سعر لنبيع محصولنا بسعر ادنى من تكلفته، فأزمة المحروقات من بنزين ومازوت لسقي المزروعات عبر متورات او نقل البضاعة اصبحت باهظة التكلفة خاصة بعد رفع الدعم عن هذه السلع وهذا لا نستطيع تحمله ففي غياب الدعم من الدولة فإن وضعنا سيبقى مزريا ولا بد من سند لنستطيع الاستمرار والا الخسارة او ترك الاراضي دون زراعة وهذا الامر صعب علي جداً.. وقد مررنا بظروف صعبة سابقا واتلفنا محصولنا على الطرقات لكن لا من احد يرى او يسمع لنا كمزارعين. وطالبنا بدعمنا بتصريف الانتاج ودعمنا بالبذور لكن الاستجابة لم تكن على قدر الامال. بالنسبة لي، يقول المزارع سلهب، مستعد ان اتلقى الخسارة ولا اترك الارض لوحدها. ويختم مناشدا المعنيين: حرام على المسؤولين في لبنان ما يحصل بهذا الشعب، هل ذنبه انه قرر البقاء في هذا الوطن رغم معرفته بسوء حاكميه وظلمهم وفسادهم، لكن في النهاية لا يصح الا الصحيح، والحق يعلو ولا يعلى على صاحب الحق. سنصبر لعل الفرج يأتي وانا على قيد الحياة
خديجة البزال

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى