أوكرانيا المحايدة
أحلام بيضون
أوكرانيا المحايدة
أحلام بيضون
لطالما قُدمت الشعوب قرابينا على مذبح مصالح الدول الكبرى وشركاتها العالمية. الشعب الأوكراني لا يخرج عن هذا النسق، لقد دفع غاليا ثمن غباء حكامه، وصراع النفوذ على المنافذ والموارد بين الشرق والغرب. لقد كان انهيار الاتحاد السوفيتي حدثا عالميا، لا يخصه بالذات بل يخص العالم بأسره. فرغم أن الحروب وغزو البلدان الصغيرة لم تنته بعد الحرب العالمية الثانية، إلا أن توازنا كان قد قام بين القطبين المنتصرين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق، حيث تقاسما النفوذ والبلدان، وانقسم العالم بفعلهما إلى معسكر غربي ومعسكر شرقي. وبعد أن حاربا النازية معا، وقفا بالمرصاد كل منهما تجاه الآخر. وكان توازن دقيق قائم على تقاسم المصالح من جهة، وتقاسم الرعب من جهة أخرى، وقد سمح لكل منهما أن يتوسع ضمن نطاقه السياسي والجغرافي، في اتفاق ضمني، يضمن ألاّ تنفلت الأمور إلى حرب عالمية جديدة.
إذن كان يراعي كل منهما مصالح الآخر، مع رفع درجة التهديد، والدخول في مناوشات وحروب بالواسطة. لقد اعتقد العالم أن التوازن القائم أو ما عرف بالحرب الباردة، قد انتهى مع تفسخ الاتحاد السوفيتي، والمعسكر الشرقي، بعد أن دام نحو خمس وأربعين سنة، مخْلِيا الساحة لقطب واحد، يقرر مصير العالم، وهو الولايات المتحدة الأميركية.
يمكن أن نعتبر أن حكم القطب الواحد قد استمر حتى الآن، أي نحو إثنين وأربعين سنة. ويمكن اعتبار الحرب الأوكرانية هي مسألة مفصلية في الوضع العالمي، ستعيده من جديد إلى مرحلة صراع القطبين، أو الأقطاب الباردة، وسيستمر ذلك، طالما أن الجهات التي تحكم العالم، لم تجنح إلى استخدام الوسائل السلمية في حلّ نزاعاتها.
لسوء حظ الشعب الأوكراني، شاءت المعطيات أن يكون هو من يدفع ثمن عدم الاقتراب من الخط الأحمر الذي يفصل بين خطوط الدفاع الروسية أو الشرقية وخطوط الدفاع الأميركية أو الغربية. ستنتهي الحرب في أوكرانيا بتسوية ترضي الكبار، ستتم لروسيا الهيمنة على القسم الشرقي من أوكرانيا، والذي تعتبره روسيا، نظرا لأنّ غالبية السكان يتكلمون الروسية، بينما سيبقى القسم الأوروبي من أوكرانيا يدور في فلك السياسة الغربية، مع فرض سياسة الحياد على الدولة الأوكرانية. لكن حيادها لن يشابه الحياد السويسري مثلا، بل ستكون دولة محايدة بشطرين: شطر شرقي لا يمكنه الخروج من عباءة روسيا، وشطر غربي لا يمكنه الخروج من قفطان الغرب.
الشعب الأوكراني كما كل الشعوب في البلدان التي لم يتسن لها أن تحظى بحكام حكماء، سيكون الخاسر الأكبر، لقد تمّ تشريده، وتقتيل عدد كبير منه، وتدمير ممتلكاته وبلاده. وكما كل الجرائم ضد الشعوب المستضعفة، سيتم إنهاء الأمر بتعويضات، وإعادة إعمار ما دمرته الحرب، دون أن يستطيع أحد أن يرمم القلوب التي كسرتها الحرب، باخذ أحبائها، أو تشويه أجسادها. سيتسنى للشعب الأوكراني، دون حكامه، أو حكام غيره، أن يفهم ما يعاني منه الشعب اليمني، والليبي، والفلسطينين، وكل الشعوب الأخرى التي تعرضت للظلم، والتي لا يستطيع القانون الدولي إنصافها، لأن تطبيقه الصحيح يخضع لنفوذ الدول الكبرى، صاحبة حق النقض الفيتو في مجلس الأمن.
أحلام بيضون/بيروت/ 22/3/2022