أدى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى سماحة العلامة الشيخ علي الخطيب خطبة الجمعة :
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله كما هو اهله وكما يستحقه حمدا دائما ابدا لا يحيد ولا يبيد اللهم لك الحمد ان خلقت فسويت وامت واحييت وصل اللهم على سيد انبيائك واعز رسلك الذي بعثته رحمة للعالمين فادى ما حملته حافظا لما استودعته امينا على الرساله فجمعت به الكلمة ووادت به الفتنة واخرجت به الامة من ظلمات الجهل والضلال الى نور الحق والهدى فصلواتك التامة عليه وعلى اله الذين خصصتهم بالعصمة والولاية وامرت الامة باطاعتهم وولايتهم فجاهدوا فيك حق الجهاد وامروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وذادوا عن الرسالة واخرجوا الحق من بطن الضلال واوضحوا السبيل حتى بان الحق ووضح باذلين في سبيل ذلك انفسهم غير مستنكفين فصلواتك وسلامك عليهم ما طلعت شمس وغربت
ونسال الله تعالى ان يثبتنا بالقول الثابت على ولايتهم وان يرزقنا شفاعتهم يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من اتى الله بقلب سليم
ايها الاخوة المؤمنين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
(ومن وصية للامام امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام لولديه الحسن والحسين عليهما السلام لما ضربه ابن ملجم لعنه الله) أوصيكما بتقوى الله وأن لا تبغيا الدنيا وإن بغتكما (4)، ولا تأسفا على شئ منها زوي عنكما (5). وقولا بالحق. واعملا للأجر.
وكونا للظالم خصما وللمظلوم عونا أوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي بتقوى الله ونظم أمركم، وصلاح ذات بينكم، فإني سمعت جدكما صلى الله عليه وآله يقول: ” صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام “
وهذه الوصية وان كانت بحسب الظاهر منها موجهة لولديه ع الا ان المقصود منها يتعداهما الى كل المؤمنين من اوليائهم واتباعهم بالاولوية على الاقل ولم يكن صلوات الله وسلامه عليه يدعو غيره الى امر لم يكن قد سبقهم الى العمل به وقد عبر عن مجاهدته لنفسه عند الحديث عن فدك بقوله ع اللَّه ما كنزت من دنياكم تبرا ، و لا ادّخرت من غنائمها وفرا و لا أعددت لبالي ثوبي طمرا [ 2 ] و لا حزت من أرضها شبرا ، و لا أخذت منه إلاّ كقوت أتان دبرة [ 3 ] ، و لهي في عيني أوهى و أهون من عفصة مقرة [ 4 ] بلى ؟ كانت في أيدينا فدك [ 5 ] [ 15 ]من كل ما اظلته السّماء ، فشحّت [ 1 ] عليها نفوس قوم ، و سخت عنها نفوس قوم آخرين . و نعم الحكم اللَّه و ما أصنع بفدك و غير فدك و النّفس مظانّها في غد جدث [ 2 ] ؟تنقطع في ظلمته آثارها ، و تغيب أخبارها ، و حفرة لو زيد في فسحتها ، و أوسعت يدا حافرها لأضغطها الحجر و المدر ، و سدّ فرجها التّراب المتراكم وإنّما هي نفسي أروضها بالتّقوى لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر، وتثبت على جوانب المزلق، ولو شئت لاهتديت الطّريق، إلى مصفّى هذا العسل، ولباب هذا القمح، ونسائج هذا القزّ، ولكن هيهات أن يغلبني هواي، ويقودني جشعي إلى تخيّر الأطعمة، ولعلّ بالحجاز أو اليمامة مَن لا طمع له في القرص، ولا عهد له بالشّبع، أو أبيت مبطاناً وحولي بطون غرثى وأكباد حرّى، أو أكون كما قال القائل ؛
وحسبك داء أن تبيت ببطنة * وحولك أكباد تحنّ إلى القدّ
أأقنع من نفسي بأن يقال: هذا أمير المؤمنين، ولا أشاركهم في مكاره الدّهر، أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش». (نهج البلاغة لابن أبي الحديد
لقد كان صلوات الله عليه وهو في سدة الحكم يخصف نعله ويلبس الخشن من الثياب يأكل الجشب من الطعام ولا يرضى ان يوضع امامه اكثر من صنف واحد من الادام واكثر طعامه الملح ويأكل خبز الشعير الذي يحتاج ان يكسره على احدى ركبتيه لقساوته هويرقع ثوبه بيديه
ولم يكن س يطلب من الآخرين ان يحذو حذوه ويلزموا طريقته في العيش لانه يعلم عجزهم عن اللحاق به في الزهد وقوة الارادة على تهذيب انفسهم بهذا القدر ولكنه اراد منهم التزام الحد الادنى مما يمكنهم تحمله فقال ع (الا انكم لا تقدرون على ذلك ولكن اعينوني بورع واجتهاد وعفة وسداد ) فهم لا يقدرون على تحمل هذا القدر من الزهد لان هذه المرتبه العالية من الزهد والاعراض عن الدنيا تتطلب معرفة عالية بالله تعالى وحضور ذهني له لا يتخلف ولا ينفصم وهو القائل ( لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقينا ) وهذا ما لا يتوفر لغير ائمة اهل البيت وبالاخص لعلي بن ابي طالب ع الذي يدل على اهمية التزود بالمعارف الالهية لما لها من تأثير على السلوك البشري في الحياة وانها بمقدار ما تكون عميقة وواسعة بمقدار ماتستقيم معه النفوس وتصفو به العقول وتتضح به السبل التي توصل الى النجاة والاستقامة في الطريق السوي التي تستقر معه النفوس حتى في احلك الظروف ولا يشعر معه المرأ بالوهن او الضعف او الخوف والا كيف نفسر كلامه ع وهو يدعونا الا نستوحش في طريق الحق لقلة سالكيه وقد عبر عن القوة النفسية التي كان يعيشها بقوله ( والله لو تظاهرت العرب على قتالي لما وليت هاربا ) لقد امتزجت نفسه س باليقين والمعرفه التي تختصر بالحق حتى كان علي هي وكانت هو فلم يكن الا الحق لا يفترقان كما قال رسول الله معرفا لعلي ليكون للامة الدليل والميزان ( علي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيثما دار )
ولقد عبر علي عن عن عمق المعرفة التي تفرد بها واورثها لابنائه الائمة ع بقوله ( علمني رسول الله الف باب من العلم ينكشف لي من كل باب الف باب ) لقد علمه رسول الله ص الف باب من العلم ولكنه اجتهد فيما علمه رسول الله ص ليفرع هذه العلوم ويفصلها فكان علي بن ابي طالب
وهكذا كان امير المؤمنين ع عاملا بما يأمر الاخرين به ويدعوهم اليه قبل ان يبادر الى الامر به والدعوة اليه
لقد استهل سلام الله عليه هذه الوصية لولديه عليهم السلام بان يلتزما تقوى الله
وأضاف: لقد اوضح امير المؤمنين ع في هذه الوصية عوامل القوة للمجتمع التي تجعله قادرا على النهوض بالمهمة التي اوكلت اليه في تحقيق العدالة الاجتماعية والشخصية الرسالية
اولا
في التزود بالمعارف الالهية التي يبني عليها رؤيته للحياة وانها ليست الا مرحلة عابرة للحياة الحقيقية التي هي الدار الآخره فالدنيا في المفهوم الديني كما عرفها امير المؤمنين ع جيفة وطلابها كلاب واما الآخرة في التعبير القرآني فهي الحيوان لو كانوا يعلمون
ثانيا
تحصيل الوعي لاهداف الرسالة التي يحملها وينتمي اليها والوظيفة التي التزم القيام بها والا فلا معنى للتقوى التي تحدثنا عنها وهذا يحتاج الى بذل جهد وتوجيه اجتماعي وتربوي لا يغني عنه الجهد الفردي على المستوى العام وان حقق نجاحا على مستوى الافراد لكنه سيبقى محدودا وعلى نطاق ضيق
ثالثا
العمل على تحقيق العدل الاجتماعي والانتصاف للمظلوم من الظالم وعدم الاكتفاء بتحقيق العدلة الشخصية والاهداف ذات البعد الفردي ف (المؤمنون كالجسد الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الاعضاء بالسهر والحمى ) و ( المؤمنون بعضهم اولياء بعض ) لا تجمعهم المصالح الدنيوية وانما القيم الالهية والانسانيه وهم يحملون مشروع قيام العدالة للانسانية جمعاء فكيف بهم اذا افتقدوها بينهم وفاقد الشيء لا يعطيه
رابعا
ايجاد النظام اللازم في المجتمع والا سادت الفوضى وهو الالتزام بالنظام العام ولقد عبر امير المؤمنين عن اهمية هذا الامر بقوله ع ( ظالم غشوم خير من فتنة تدوم )
ولئن كان تحقيق كل ما تقدم من واجبات الدولة والمؤسسات التابعة لها من تربوية وانتظاميه ورعائية لكن ذلك لا يعفي المجتمع من القيام بمسؤلياته وما يمتلك من مؤسسات متعددة الاهداف وجعله شريكا للدولة في النهوض بالواقع وسد الثغرات التي تنتج عن تقصير او سوء اداء الادارات المعنية او فسادها بل العمل على ايجاد الوسائل التي تعمل على توجيه المجتمع والرأي العام لمواجهة هذا الفساد واصلاح الخلل الواقع
وفي واقعنا اللبناني حيث النظام الطائفي الفاسد الذي يتطييف معه كل شئ لا يمكن
ترك الامور على عواهنها وقد سقطت المؤسسات بفعل الفساد الذي عم البلاد والعباد وسادت الفوضى بفعل حرب خبيثة تستخدم فيها كل والوسائل القذرة يتم التركيز فيها على اسقاط مجتمعنا اخلاقيا بافساد شبابنا وجرهم الى المخدرات وافساد العلاقات الاجتماعية سواء داخل الاسر او بين العائلات والعشائر واخلاء مناطقنا من التواجد الامني التي تساعد في ضبط الخلل الاجتماعي الذي يساعده التردي المعيشي ووجود اعداد كبيرة من العاطلين عن العمل واتساع رقعة الحاجة مع الغلاء الفاحش للمواد الغذائية والاحتكار لها الذي باتت الاكثرية غير قادرة على الحصول عليها
بات من الضروري ان نهب جميعا للعمل من اجل مواجهة هذا الواقع الذي ينذر بنتائج مستقبلية خطيرة قبل تفاقمها بالتعاون مع المؤسسات الخدمية الاجتماعية والصحية
والثقافية الموجودة وكيفية مساعدتها على القيام بهذه المهمة الصعبة لتخطي هذه المرحلة وافشال المؤامرة التي عجزت عن تحقيقها الالة العسكرية والامنية للعدو الصهيوني بالعمل على اسقاط مجتمعنا من الداخل
ويبقى جهدنا الاساسي الحفاظ على وحدة الدولة والعيش المشترك التي كانت التضحات الكبيرة التي قدمها اهلنا ومقاومتنا من اجلها
ولذلك فاننا نصر على ان تقوم بالحكومة بما يمكن القيام به مما وعدت به من تامين مساعدات مالية للاسر الفقيرة وماجهة الاحتكار والضرب على يد المحتكرين الذين استنزفوا ما بيد اللبنانيين وتركوهم يستعطونا المساعدات من بعض الدول الاجنبية ويبتزون لبنان بها ولم يحققوا للبنان ما وعدوه من تامين الطاقة الكهربائية وبعد ان اهدرت بعض القوى السياسية الوقت بالتلهي ببعضت الشعارات الفارغة التي تطرحها كبرنامج للانتخابات لتثير به العصبيات الطائفية لترفع عن نفسها المسؤلية في ايصال الوضع الى هذا الواقع المزري