كيف حولت الثورة الاسلامية المنازلة مع الصهاينة من بعدها (الرسمي) الى (الشعبي)؟
الكاتب: د. محمود الهاشمي
وانت تطالع الحروب العربية مع العدو الصهيوني منذ حرب عام (48) وحرب (67) وحرب (73) تجد ان واحدة من اهم الاسباب انتكاسات هذه الحروب، تخوضها الحكومات الرسمية للبلدان العربية، وهي حروب من الصعب اخفاء مخططاتها في وقت كانت الامة محكومة برؤساء (ضعاف) ومخترقين لذا فان اسرائيل من السهل عليها اكتشاف اي سكنة او حركة لجيوش الدول العربية عموما، وان الخطاب العربي كان اكبر من حجم الامكانيات المتوفرة لمنازلة العدو الصهيوني وكما عبر عن ذلك الشاعر نزار قباني في تقديره لاسباب نكسة حرب حزيران :
(اذا خسرنا الحرب لا غرابةْ
لأننا ندخلها.. بمنطق الطبلة والربابة
السر في مأساتنا صراخنا أضخم من أصواتنا وسيفنا أطول من قاماتنا).
وإلا كيف لكيان صغير حديث التكوين ان بهاجم جيوش ثلاثة دول عربية (مصر وسوريا والاردن) ثم ينتصر عليها ويدمر التها العسكرية ويهدم مدنها على رؤوس اهلها ويحتل مناطق جديدة، ويظهر حكامنا بعد الخسارة ليبكوا على المنصات ويقدموا استقالاتهم فتمتليء الامة بالاحباط والانكسار وبمؤلفات يطول عرضها ووصفها لاسباب الانتكاسة والخسائر فيما يبدون الحكام العرب وكأنهم مجموعة دمى صغيرة تتحركها خيوط الاستعمار والجهل .
استفاد بعض الحكام العرب من الاحباط الذي عم الامة والذي ركز عليه الاعلام الصهيوني فاندفع زعيم مصر انور السادات ليزور اسرائيل ويعلن التطبيع معها، في اذار من عام 1979 مقابل ارض خسرتها مصر فأعادوها له في سيناء .
كانت زيارة السادات الى اسرائيل تمثل هزيمة كبرى للعرب، وواكب ذلك مع انطلاق الثورة الاسلامية بايران في شباط من عام 1979، حيث كان اعلان قائد الثورة الاسلامية الامام الخميني (قدس) عن طرد السفير الاسرائيلي في طهران وتسليم مبنى السفارة الى جبهة التحرير الفلسطينية ورفع العلم الفلسطيني بمثابة اعادة ثقة الامة الاسلامية بنفسها حيث زار الزعيم المرحوم ياسر عرفات ايران والتقى بالامام الخميني، واستمع الى كلمة الامام (لا بد ان تمحى اسرائيل) ثم اعلان الجمعة الاخيرة من رمضان كيوم عالمي للقدس، في نفس الوقت فان مقتل السادات على يد الاسلاميين في مصر قد اعاد الساعة الى الخلف قليلا لتعود القضية الفلسطينية الى الواجهة من جديد .
يمثل الحرس الثوري الذراع القوي للثورة الاسلامية بايران، فقد خاض اشد المعارك واشرسها في الحرب العراقية الايرانية كما انه حصن الداخل ايضا، لذا بعد انتهاء الحرب بين العراق وايران تم الاعلان عن (فيلق القدس) المنبثق عن (الحرس الثوري) والذي من الواضح ان مهامه لدعم ثورات التحرر بالعالم ضد الاستكبار العالمي بكل عناوينه .
صحيح ان (الحرس الثوري) يبدو في تنظيمه العام وكأنه تنظيم (رسمي) لكن الحقيقة ان هذا التشكيل العسكري هو بناء شعبي حيث يلتحق به من امن بالثورة الاسلامية ومبادئها وقيمها وتطلعاتها باعتبار ان الاسلام لم تخنقه الخرائط والحدود لانه رسالة الله سبحانه وتعالى الى البشرية جمعاء، وان الدفاع عن المستضعفين بالارض ايا كانوا واجب شرعي تقتضيه العقيدة الاسلامية .
الحرس الثوري يغطي ميزانيته قدر المستطاع من المشاريع والاستثمارات والمصانع والمؤسسات التابعة له حتى لا يشكل ثقلا على ميزانية الدولة وبذا فهو مشروع اسلامي وليس فقط ايراني، وفي ثقافة وادبيات المسؤولين الايرانيين فهو نواة جيش الامام المهدي (عج).
بعد نهاية الحرب العراقية الايرانية تشكل فيلق القدس، ومجرد التعمق في مدلول هذا الاسم، في وقت كانت الامة تزخر بالعناوين البعيدة عن الثقافة الاسلامية، تجد ان مشروع الثورة الاسلامية اكبر من حجم خارطتها مع ماتملك من ثروات بشرية واقتصادية كبيرة ومساحة ارض واسعة وارث حضاري متميز .
وبامكانها ان تغلق حدودها وتعبش مثلما تفعل دول اخرى خاصة وانها توا خرجت من حرب قاسية كانت الخسائر فيها كبيرة لدى الطرفين .
كان كثيرون لا يصدقون الشعار الذي رفعه القادة العسكريون الايرانيون في وطيس الحرب مع العراق بان (طريق القدس يمر عبر كربلاء)، ويعتقدون انه ضرب من (الوهم).
في لبنان كانت المعارك الداخلية على اشدها وكان (الشيعة) منقسمين فيما بينهم فاستطاع “فيلق القدس” الذي يضم تنوعا اسلاميا ان يصنع معادلات عسكرية وسياسية جديدة في لبنان وان يطور اليات العمل الميداني من تدريب وتأهيل وتسليح في دعم التشكيلات الاسلامية وطرد الصهاينة الاشرار من الاراضي التي تم احتلالها بسبب انشغال اللبنانيين في احتراب بينهم .
ان دخول (فيلق القدس) في بعده العقائدي وادارة المعركة العسكرية والسياسية وظهور حزب الله كقوة عسكرية وسياسية في لبنان وجه الانظار الى ان الثورة الاسلامية في ايران ليست ملكا للشعب الايراني بل ملكا للامة الاسلامية واحرار العالم، كما ثبت ان التدخل بدعم المسلمين ليس فيه بعد طائفي انما لنصرة الاسلام والمسلمين، حيث اتسع الدعم ليكون لحركات التحرر الاسلامية الفلسطينية مثل حماس والجهاد الاسلامي، وبهذا دخلت الجمهورية الاسلامية الى الصدام المباشر مع الصهاينة اولا ولدعم القضية الفلسطينية بكل عناوينها، ولتصبح اسماء قادة فيلق القدس على السن الاستكبار العالمي وعملائهم تثير بهم الرعب والخوف والقلق على مصالحهم .
فيصدرون بها اعقد العقوبات وينعتونها بابشع النعوت من ارهاب وغيره فيما، في الجانب الاخر حولها المستضعفون الى رمز وعنوان لجميع حياتهم، يقرؤون بها النصر ومواجهة الاستكبار والظلم .
حين انهار الاتحاد السوفيتي انهارت معه دول عديدة وتغيرت خرائط وانظمة وتفردت امريكا بالعالم، لكن الجمهورية الاسلامية كانت الاكثر ثباتا، وقوة حيث البناء والعمران والتطور الحضاري المتميز، في وقت حافظت على هويتها الاسلامية واستمرت في وقوفها الى حانب المستضعفين بالارض ومازالت على هذا المنهج غير عابئة بالتهديدات والعقوبات، حتى تصاعدت روح المقاومة والتمرد على الطغات.
في سوريا واليمن والعراق، فاصبح في داخل هذه الدول دولا موازية هي من تدير الدولة سواء بشكل مباشر او غير مباشر حتى ان مسؤولي دول الاستكبار باتوا يجرون الحوارات والتفاهمات مع قادة المقاومة وليس مع الحكام الرسميين الذين هم نصبوهم !
ان اسرائيل تتحسب لحماس والجهاد الاسلامي وليس لمحمود عباس، وهذا الامر في لبنان واليمن والعراق ايضا .
اذن (الفيلق) الذي تأسس انجز فعلا على الارض ولم يترك مناصريه يتلقون الضربات الصهيونية والاميركية دون رد، بل وضع بيدهم سلاحين البندقية وقرار الرد، فشكلوا معادلة ردع فهما الاعداء وباتوا لايرعوون للحكومات الرسمية وتطبيعها انما النظر حيث المقاومة وسلاحها واثرها على الارض .
هذه (المقاومة) لم تعد شتاتا ليسهل التآمر عليها وايقاع (الفتنة) والخصومة بينها لانها تمثل كتلة واحدة مرصوصة، ثقافتها واحدة ومرجعيتها واحدة وهدفها واحد وعمقها الاستراتيجي واحد، وهذا هو سر قوتها وديمومتها ،وجرأتها في انها تعمل على زوال (الكيان الصهيوني ) ايمانا بالمقولة التي اعلنها الراحل الامام الخميني (قدس) قبل “41” سنة : لابد ان تمحى اسرائيل !
وهنا لا بد من مراجعة للعقيدة التي حملتها المقاومة وسر ديمومتها انها (عقيدة اهل البيت عليهم السلام اجمعين).