أبرز ما تناولته الصحف اليوم
كتبت النهار
يقوم سلاح البحرية الإسرائيلية بحراسة منصّة استخراج الغاز من خلال استخدام الزوارق البحرية الحربية “القبّة الحديدية” التي تم تطويرها أيضاً خصيصاً لتطلق من السفن البحرية، ومن خلال الغواصات، وقام سلاح البحرية الاسرائيلية بتأمين انتقالها منذ خروجها من قناة السويس بعدما أبحرت هذه المنصة من سنغافورة قبل خمسة أسابيع لتنضمّ إلى منصّتي تمار وليفياتان اللتين تزوّدان إسرائيل بالغاز الطبيعي.
يرى الخبير الدولي في مجال التنقيب عن النفط الدكتور نقولا حاوي أنه مثلما كان متوقعاً وبينما كان اللبنانيون منهمكين في إحصاء النتائج الانتخابية، أعلنت شركة Energean اليونانية وصول سفينة تخزين وتفريغ الإنتاج العائم FPSO الی حقل كاريش، وذلك بعد أسابيع قليلة من اكتشاف جديد للغاز في البلوك 12 المسمّی باثينا، قبالة سواحل إسرائيل بالقرب من الحدود المتنازع عليها مع لبنان، والذي يقع على بعد 20 كيلومتراً من كاريش و20 كيلومتراً عن تانين وهو خامس بئر على التوالي تحفره بنجاح Energean في إسرائيل. وبالفعل، اكتشاف “أثينا” قامت به أيضاً شركة شركة إنرجين اليونانية التي أعلنت أنها تدرس بيع 8 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي الذي اكتشفته حديثاً قبالة السواحل الإسرائيلية إلى مصر، استناداً إلى مذكّرة تفاهم مع الهيئة المصرية العامة للبترول لإمداد مصر بالغاز الذي اكتُشف في بئر أثينا الذي يقع بين حقلي كاريش وتانين. واللافت هنا أن بئر أثينا يمكن تطويره بربطه بسفينة الإنتاج والتخزين التي وصلت الى حقل كاريش. استناداً الى حاوي، وبعد إزالة المخاطر الجيولوجية يتّضح أكثر فأكثر امتداد الخزان الغازي في الجانب الشمالي من المياه الاسرائيلية وتزداد فرص الاكتشاف في منطقة کاريش الشمالية التي تضم المنطقة المتنازع عليها مع لبنان، ما يحتّم على الجانب اللبناني التحرّك سريعاً لتوحيد الموقف تجاه مسار التفاوض مع الجانب الإسرائيلي حيال ترسيم الحدود البحرية. والأهم بالنسبة لحاوي هو إنهاء عملية ترسيم الحدود البحرية فوراً لتحديد ما إن كان حقل كاريش يقع جزئياً أو كلياً ضمن المنطقة المتنازع عليها أو إن كاريش الشمالي فقط يقع ضمن هذه المنطقة. فعلى بعد أشهر قليلة من بدء الجانب الإسرائيلي عملية التنقيب لم يبق سوى وقت قصير جداً للرد الديبلوماسي على اقتراح هوكشتاين الذي لم يظهر حماسة للعودة الى بيروت. ويعود حاوي ليتوقع أن يزداد التوتر مع تل أبيب التي أعلنت استعداد قوتها البحرية للرد علی أي هجوم، وأي ضرر يلحق بمنصّات الغاز الخاصة بها سيُنظر إليه على أنه إعلان حرب بالتوازي مع تهديد “حزب الله” بالدفاع عن الموارد البحرية اللبناني خاصة مع اعتبار أن رسوّ سفينة إنرجين شمال أو جنوب حقل “كاريش” اعتداء. ولا بدّ من الإشارة الى أنه في اللحظة التي يتم فيها الاستخراج، فإن ذلك يعني أن هذا الأمر أصبح خارج المعادلة وتالياً لن يصبح حقلاً متنازعاً عليه، وهذا يحتّم على الجانب اللبناني التحرّك فوراً باتجاه الأمم المتحدة عبر تعديل المرسوم 6433 الذي يؤكد أن حدود لبنان البحرية هي الخط 29 استناداً إلى خرائط الجيش اللبناني، لا الخط 23.
مقاربة قانونية لموقف لبنان
بعيد التطور الديبلوماسي الأخير الذي سار فيه لبنان عبر توجيه رسالة رسمية من خلال السفيرة آمال مدللي في الأمم المتحدة الى رئيس مجلس الأمن الدولي، حاملةً اعتراضاً واضحاً على عمليات التنقيب التي يقوم بها العدو الإسرائيلي في حقل كاريش، معتبرة أنه منطقة متنازع عليها، يكون لبنان قد اعتبر رسمياً، ولو متأخّراً، أن الخط 29 هو الخط التفاوضي المعتمد، على الرغم من التأخّر في تبنّي الخطوة القانونية المرجوّة لتوثيق هذا التقدّم على الصعيد الدبلوماسي، من خلال تعديل المرسوم 6433 الذي يعطي الحق للدولة اللبنانية في حال تغيير الإحداثيات في الانتقال من الخط 23 إلى 29.
في هذا السياق، ترى الخبيرة القانونية ومسؤولة برنامج أبحاث في شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية الدكتورة مي حمود أنه من خلال التدقيق القانوني في الخطوط المطروحة على طاولة المفاوضات، نذكر الخط الموضوع من قبل العدو الإسرائيلي عقب توقيع اتفاق ترسيم الحدود مع قبرص. ولما كانت بعثة تل أبيب لدى الأمم المتحدة أودعت الإحداثيات الجغرافية لهذا الخط بتاريخ 12/7/2011، كانت هذه الخطوة مجحفة كثيراً للبنان، حيث أدّت إلى قضم مساحة كبيرة من المنطقة الاقتصادية الخالصة كما أنها لا تتطابق مع القوانين الدولية؛ ينطلق هذا الخط من النقطة (31) الاعتباطية التي حدّدها العدو الإسرائيلي، كما أنه يتبع طريقة خطّ الوسط حتى مسافة ثمانية عشر ميلاً بحرياً، معطياً بذلك أثراً كلياً لـجزيرة “تخيليت”، وهي عبارة عن صخرة صغيرة لا يتعدّى طولها أربعين متراً وعرضها لا يتجاوز عشرين متراً وتغمرها المياه في أغلب الأحيان. وبحسب حمود يتعارض هذا الأمر مع التوجّه العام الذي تعتمده المحاكم الدولية لجهة الحدّ من إعطاء أثر غير تناسبي للصخور الصغيرة، علماً بأن هذا التوجّه قد أكّدته محكمة العدل الدولية في قضايا عديدة منها “خليج البنغال” و”جزيرة فلفلة” في قضيّة ” ليبيا/مالطا” و”جزيرة جرادة” في قضية “البحرين/قطر”، وأخيراً حكم المحكمة الدولية في النزاع بين “الصومال” و”كينيا” الصادر بتاريخ 12 تشرين الأوّل 2021، حيث اعتبرت هذه الأخيرة أن من غير المناسب وضع نقاط الأساس على جزر قاحلة وصغيرة لما لذلك من تأثير غير متناسب على خط الوسط، وذلك عبر قرار صريح ولا لُبس فيه حيال عدم الأخذ في الاعتبار الصخور ذات التأثير غير المتناسب في تحديد خطّ الوسط. وهذا التوجّه بالتحديد كان أساساً صحيحاً ارتكز عليه الموقف اللبناني من خلال تبنّي الخط 29. أمّا الخط الذي كان معتمداً في المرسوم، والمعروف بـ”خط 23 ” والذي أعدّته اللجنة الحكومية في تقريرها بتاريخ 29/4/2009، فقد تبنّاه مجلس الوزراء اللبناني وصدر على أثر ذلك المرسوم 6433/2011، وأودِعت إحداثياته في الأمم المتحدة. يشوب هذا الخط العديد من العيوب التقنية والقانونية، أبرزها أنه ينطلق من النقطة البحرية (18) التي تبعد 30 متراً في البحر غربي “رأس الناقورة” التي تُعدّ نقطة التقاء الحدود البرّية بين لبنان وفلسطين المحتلة. بالتالي، بخلاف ما هو متعارف عليه قانوناً، يبدأ هذا الخط من نقطة انطلاق مختلفة عن نقطة الحدود البرّية. أمّا الخط “براون”، المعروف بالخط 29، فقد ذُكر للمرة الأولى عام 2011، أي قبل خمسة أشهر من صدور المرسوم 6433 تاريخ 1/10/2011، حيث كلّفت الحكومة اللبنانية مكتب المملكة المتحدة الهيدروغرافي (UKHO) وضع دراسة للحدود البحرية. وقد وضع المكتب تقريراً بواسطة الخبير جون براون في 17/8/2011 معتبراً أن الخط الذي اعتمدته اللجنة الحكومية اللبنانية والمعلن عنه لبنانياً لدى الأمم المتحدة والذي ينتهي بالنقطة (23) تشوبه العديد من العيوب التقنية والقانونية، وأضاف أن الخط (29) هو خطّ محصّن قانوناً لأنه يستند إلى القانون الدولي، ولا سيما قانون البحار والاتفاقيات والأعراف الدولية، وذلك على أساس نقطة انطلاقه من “رأس الناقورة”، بانسجام تام مع القانون الدولي لجهة أنه خطّ وسط دون احتساب أيّ أثر لصخرة “تخيليت” في عملية الترسيم. وقد اعتمدت قيادة الجيش اللبناني الخط 29، وارتكزت عليه في الكتاب الذي أحالته عبر وزارة الدفاع رقم 5918/ غ ع/و تاريخ 27/12/2019 إلى رئاسة مجلس الوزراء مع كامل الملف المتعلق بترسيم الحدود البحرية لاتخاذ القرار المناسب. تماشياً مع الإحداثيات الجديدة، كان التوجّه حينها إلى تعديل المرسوم 6433. وقد أعدّ مشروع مرسوم لتعديل المرسوم 6433، وقّعه وزير الأشغال في حكومة الرئيس حسان دياب ميشال نجار ووزيرة الدفاع زينة عكر التي أحالته بكتابها رقم 780/غ ع /و تاريخ 9/3/2020 إلى رئيس حكومة تصريف الأعمال حينها حسان دياب الذي وقّعه ورفعه بتاريخ 12/4/2021 إلى رئاسة الجمهورية. إلا أن رئاسة الجمهورية ردّت مشروع التعديل، مرجعة السبب إلى أنه يحتاج إلى موافقة الحكومة (وكانت آنذاك حكومة تصريف أعمال) مجتمعة بالنظر إلى أهمّيته والنتائج المترتبة عليه. وما زلنا ننتظر التعديل حتى اليوم.