طريق دمشق تمرّ بخلدة
طريق دمشق تمرّ بخلدة
كتبت صفاء دوريش في “السياسة”:
“وليد جنبلاط يتصرّف بذكاء”. هكذا يصف أحد الذين حضروا لقاء خلدة المشهد. ولكن هل يمكن تحميل لقاء طائفي مناطقي أكثر من حجمه الفعلي والأسباب التي دفعت إلى انعقاده؟
في الواقع، تقاطعت المصلحة السياسية بوضوح مع لحظة تجلٍّ تصيب منذ مدّة النائب السابق وليد جنبلاط، الذي يبدو أنه يعي خطورة المرحلة، ويعي أيضًا خطورة اتخاذه لخيارات قد تأتي بالويل على الجبل، نظرًا لحساسية الموقع والتنوّع الموجود فيه والذي بات نكرانه غير منطقي منذ انتخابات 2018. من هنا، بدأ منذ أشهر تقارب واضح بين جنبلاط والقيادتين الدرزيتين الأساسيتين في الجبل، طلال ارسلان ووئام وهاب. هذا التقارب حمل في طيّاته العديد من التفسيرات، التي أصاب بعضها فيما لم يصب بعضها الآخر الحقيقة.
لقاء خلدة اليوم ضرب عصافير عدّة بحجر واحد، يكاد يكون الموضوع الأمني أكبرها، اذ اتفق المجتمعون على تسليم كافة المطلوبين الذين اشتركوا في الإشكالات الأمنية الكبيرة، لا سيما حادثة قبرشمون التي كادت أن تودي بالبلاد إلى ما لا يُحمد عقباه، عوضًا عن ضربها لموسم سياحي كامل كان يعوّل عليه الجميع.
معيشيًا أمّن اللقاء إطارًا كبيرًا وراعيًا لعملية تقديم المساعدات التي تجري في الجبل، لا سيما في الآونة الأخيرة، اضافةً للدور الصحي التي تلعبه مستشفى عين وزين ومعها عدد من المراكز الطبية التي تؤمّن الحاجة الصحية للمنطقة بأسرها. هدف اللقاء، الشكلي في هذه المسألة، إلى ترسيخ فكرة التضامن والتكافل كي لا يجوع الجبل وأهله، خصوصًا في المقبل من الأيّام.
في السياسة بعدان للقاء خلدة، الأوّل داخلي والثاني خارجي، وفي الإثنين استكمال لمسار ابتدأ قبل أشهر، وها هو وليد جنبلاط اليوم يقطف ثماره، وسيستمر موسم قطافه لأشهر مقبلة.
لبنانيًا، يكشف مصدر متابع لعملية التقارب الدرزي أن هذا اللقاء ما كان لينقعد لو ما زال وليد جنبلاط على مواقفه السابقة من حزب الله ومن التيار الوطني الحر. واقع الأمور يقول أن رئيس اللقاء الديمقراطي أدرك منذ فترة أن استمرار الإلتصاق بمن كانوا يمثلون فريق الرابع عشر من آذار هو خيار خاسر، كما أدرك أن استمرار الرهان على مشروع مواجهة “السلاح” والتصويب على العهد الذي جسّده حراك “ما بعد 17 تشرين” هو رهان خاسر أيضًا، ولن يؤدّي سوى لعزلة “الدروز” على حدّ تعبيره. من هنا ولد مسار طويل من التهدئة رعاه جنبلاط بنفسه، من تعهّده بعدم قطع طريق الجنوب قبل فترة، وصولًا إلى موافقته على تسليم من اعتدوا على موكب الوزير صالح الغريب في قبرشمون وكانوا يهدفون إلى استهداف من كان يقوم حينذاك بزيارة المنطقة ربّما، وهي خطوة لا يقدم عليها جنبلاط “ببلاش”، حسب المصدر. فإنّه يعي جدًا ما يفعل.
اقليميًا، ليس بالخفي على أحد أن هناك مساعٍ حثيثة نجحت في الآونة من تليين موقف الدولة السورية تجاه وليد جنبلاط، ليست بعيدة بالطبع عن طلال ارسلان ووئام وهاب. تليين الموقف هذا أتى بعد مساع من جنبلاط نفسه لتأمين زيارة، أو موطئ قدم، لنجله تيمور إلى العاصمة السورية دمشق. رغبة جنبلاط هذه تأتي من قراءة لم يخفها الرجل عن المحيطين فيه تعكس قناعة لديه أن الملف اللبناني عائد إلى الحضن السوري بموافقة عربية أميركية، اليوم أو غدًا أو بعد غد.
أجواء دمشق تفيد بأن لا مانع من استقبال تيمور، ولكن تسوية الأمور بالفعل بحاجة لزيارة من “خرّبها”، وهنا كانت الرسالة واضحة “إن أردت عودة العلاقات عليك اصلاحها بنفسك”. ودون الركون إلى معلومة حاسمة في هذا الإطار، فجنبلاط قد لا يمانع زيارة دمشق كما لا يمانعها السوريون، ولكن في وقت تحدّده ظروف أنضج لا بدّ أنّها قادمة.
بهدوء وحكمة يتصرّف وليد جنبلاط اليوم، ربّما لحفظ دور نجله تيمور، وربّما لحماية كيانه وبيئته، ولكن الأكيد أنّه يقرأ مرحلةً صعبةً تمرّ وحلولًا يحفظ عاصمتها عن ظهر قلب.