مقالات

إعادة عسكرة سيناء في مصر قد تُفجّر الوضع في المستقبل

الكاتب: ديفيد شينكر

من الضروري أن تسمع القاهرة من إسرائيل والولايات المتحدة و”القوة المتعددة الجنسيات والمراقبين” أن انتهاكاتها الأمنية تقوّض السلام بين مصر وإسرائيل.

في أوائل أيار/مايو، قتل تنظيم “الدولة الإسلامية – ولاية سيناء” 11 جندياً مصرياً وألحق أضراراً بأحد خطوط أنابيب الغاز الطبيعي. وبعيداً عن إظهار قوة تنظيم «الدولة الإسلامية» في شبه الجزيرة الاستراتيجية، كان هذا الهجوم أول حادث كبير منذ ما يقرب من عام، وهو بعيدٌ كل البعد عن التمرد الجهادي الشامل الذي سيطر على سيناء قبل بضع سنوات فقط. ويبدو أخيراً أن القوات العسكرية المصرية تحرز تقدماً في دحر التنظيم. فلم يتضاءل عدد الهجمات فحسب، بل إن تحويل القاهرة لأموال التنمية الاقتصادية إلى شبه الجزيرة أدى أيضاً إلى توليد شعور بالرضا لدى السكان المستائين من الوضع منذ فترة طويلة. وفي آذار/مارس 2021، قتل تحالفٌ من رجال قبائل البدو والمدنيين المسلحين والقوات العسكرية المصرية زعيم تنظيم «الدولة الإسلامية» في المنطقة.

ونتج جزءٌ من النجاح الواضح الذي حققته مصر عن ابتعاد القاهرة عن النهج العسكري الجائر المترافق مع الدمار الجانبي والخسائر المدنية، واتجاهها نحو استراتيجية أكثر حذقاً لمكافحة التمرد مع التركيز الشديد على نقاط التفتيش وحظر التجول. كما أدى الدعم الجوي التكتيكي الإسرائيلي دوراً مهماً، وإن لم يُسلّط الضوء عليه. وساهم التعاون بين مصر وإسرئيل بطريقة أخرى أكثر أهمية انطوت على الموافقة المتبادلة على ارتكاب انتهاكات جسيمة لمعاهدة السلام التي أُبرمت بينهما عام 1978 – أو بشكل أكثر دقة، الملحق الأمني للمعاهدة الذي يحد من عسكرة سيناء. فلم تسمح مصر لإسرائيل بالعمل فوق الأراضي المصرية فحسب، بل سمحت إسرائيل أيضاً للقاهرة بإدخال فيضٍ من القوات والمعدات الثقيلة إلى سيناء، على نحو يتجاوز بشكل كبير قيود المعاهدة.

وفي حين كانت عمليات النشر هذه مهمة جداً للحملة المصرية التي أُطلقت ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»، فقد غيرت أيضاً – ربما بشكل لا رجوع فيه – الوضع الراهن في سيناء، حيث لا تزال قوة حفظ السلام الدولية تراقب ما نصت عليه معاهدة السلام على أنه يشكل منطقة عازلة ومنزوعة السلاح إلى حد كبير. وعلى الرغم من أن العسكرة الحالية لسيناء تأتي في وقتٍ تسود فيه علاقات ممتازة بين مصر وإسرائيل، إلّا أن التاريخ يشير إلى أن ذلك قد يتغير بسرعة. فعلى الرغم من كل شيء، لم يمضِ سوى عقدٌ من الزمن منذ أن أحضرت الثورة المصرية إلى السلطة رئيساً إسلامياً بشكل علني ومعادياً لإسرائيل. وعلى مدى 45 عاماً تقريباً، أدت القيود التي فرضتها المعاهدة على الانتشار العسكري في سيناء إلى تعزيز السلام. وإذا لم يتم التراجع عن الانتهاكات المصرية فقد تهدد الأحكام الأساسية في الاتفاقية وتعرّض سلامة المعاهدة للخطر مع مرور الوقت.

لقد بدأ التمرد في سيناء في عام 2011 بعد تنحي الرئيس حسني مبارك خلال الثورة المصرية. ومع تدهور الوضع الأمني بسرعة في جميع أنحاء مصر، أعلن تنظيم جديد يُدعى “القاعدة في شبه جزيرة سيناء” مسؤوليته عن مهاجمة مركز للشرطة في العريش. وفي السنوات اللاحقة، تطورت الهجمات إلى تمرد جهادي شامل قُتل خلاله المئات من رجال الشرطة والجنود والمدنيين المصريين. وبحلول عام 2014، كانت الجماعة الإرهابية الأبرز في شبه الجزيرة – “أنصار بيت المقدس” – قد انضمت إلى تنظيم «الدولة الإسلامية» ونجحت في شن هجمات متعددة على خطوط أنابيب الغاز في سيناء، وإسقاط مروحية عسكرية مصرية، وإغراق سفينة تابعة للبحرية، وإطلاق قذيفة على سفينة شحن في قناة السويس، وقَتْل 311 مصلياً في اعتداءٍ على أحد المساجد، وتفجير طائرة ركاب روسية على متنها 224 شخصاً، معظمهم من السياح.

وفي عام 2013، واجهت مصر ارتفاعاً في عدد الضحايا وانهياراً في عائدات السياحة. ووفقاً لمسؤول سابق رفيع المستوى مطّلع على المحادثات، اتصل الضباط العسكريون المصريون بنظرائهم الإسرائيليين بشكل مباشر ومن خلال “القوة المتعددة الجنسيات والمراقبين”، وهي المنظمة الدولية التي أُنشئت لمراقبة الامتثال للجوانب العسكرية في المعاهدة، من أجل طلب بعض الاستثناءات من الملحق الأمني في الاتفاقية، لكي تتمكن القوات الأكثر فعالية من الرد على التمرد. ويُقسّم الملحق شبه الجزيرة إلى ثلاث مناطق، وينصّ من بين أمور أخرى على إمكانية قيام مصر بنشر فرقة مشاة مؤللة واحدة فقط مع ما يصل إلى 22000 جندي و230 دبابة و480 مركبة مدرعة للعناصر في المنطقة “أ”، التي هي الأقرب إلى قناة السويس. ولا يُسمح سوى بتواجد حرس الحدود والشرطة في المنطقتين “ب” و”ج” على التوالي، وهما المنطقتان الأقرب إلى إسرائيل. ومنذ ذلك الحين، قدّمت مصر مئات الطلبات لتجاوز قيود المعاهدة المفروضة على الجنود والأسلحة – ووافقت إسرائيل على كل منها، وفقاً لمسؤولين حاليين وسابقين.

وتُشغّل “القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون” مراكز مراقبة وتقوم بدوريات استطلاعية نصف شهرية تجوب سيناء براً وجواً، وتحصي القوات والمركبات والأسلحة المصرية. ومن أجل تعقُّب عمليات النشر التي تجاوزت فيها مصر حدود المعاهدة، تسجّل هذه “القوة” الطلبات المصرية التي وافقت عليها إسرائيل في جدول بيانات يُدعى قائمة “مجموع الأنشطة المتفق عليها”، وهو سجل طويل ومفصل للغاية عن أعداد المركبات والأسلحة الإضافية المنشورة في سيناء ومواقعها وأنواعها، ويتم تحديثه شهرياً.

وفي حين أن قائمة “القوة المتعددة الجنسيات والمراقبين” غير متاحة لعامة الناس، إلّا أن عدد الجنود المصريين المتواجدين في المنطقتين “ب” و”ج” – اللتين تحظر المعاهدة دخولهم إليهما – كبير جداً. ومنذ أربع سنوات، أفاد رئيس الأركان المصري آنذاك محمد فريد حجازي أن 24630 جندياً شاركوا في عمليات مكافحة الإرهاب في شمال شرق سيناء، بالإضافة إلى حوالي 20 ألفاً كانوا يتمركزون في أماكن أخرى من شبه الجزيرة. وتشير تقديرات بعض المحللين إلى أعداد أكبر بكثير. ولتحديد حجم الانتشار المصري الإجمالي في سيناء، اعتمد إيلي ديكل – ضابط سابق في المخابرات الإسرائيلية – على صور الأقمار الصناعية المتاحة تجارياً، مشيراً إلى أن حجم هذا الانتشار يبلغ ثلاثة أضعاف العدد الإجمالي المسموح به بموجب المعاهدة. ويعمل ثلثا هذا العدد تقريباً في المنطقتين “ب” و”ج”.

وعلى افتراض أن هذه الأرقام موثوقة بالحد الأدنى، تنشر مصر اليوم في سيناء ضعف عدد القوات المسموح به في معاهدة السلام على الأقل، ويعمل نصف هؤلاء في مناطق محظورة. وهؤلاء الجنود مجهزون بالمدفعية والمركبات التي لا تسمح بها المعاهدة أيضاً، وهي تشمل ما يقدر بنحو 200 دبابة إضافية تزيد عن عدد الدبابات المسموح به في المنطقة “أ” والبالغ 230 دبابة، وفقاً للعديد من المسؤولين الحاليين والسابقين. ويتم كل هذا بموافقة اسرائيل.

ويقيناً أن مصر كانت بحاجة منطقياً إلى زيادة كبيرة في عدد القوات والمعدات العسكرية من أجل احتواء تهديد تنظيم «الدولة الإسلامية». وقد استجابت إسرائيل لهذه الطلبات دون تردد، بسبب مخاوفها من تمركز الجماعة الإرهابية بشكل دائم على حدودها الجنوبية وبجوار غزة. ومؤخراً، منذ شباط/فبراير 2017، على سبيل المثال، أطلق المقاتلون قذائف من سيناء على مدينة إيلات الإسرائيلية الواقعة على الجانب الآخر من الحدود. علاوةً على ذلك، يُعَدّ التعاون الأمني بين مصر وإسرائيل لمحاربة تنظيم «الدولة الإسلامية» في سيناء جزءاً أساسياً من الرابط الذي قرّب بين البلدين في السنوات الأخيرة، وعاد بالمنفعة على كلا الطرفين وعلى تحقيق السلام في المنطقة ككل.

ومع ذلك، هناك سبب وجيه يدفع إلى الحيلولة دون تحوّل التعاون القائم اليوم إلى أمرٍ سيتسبب غداً بالمشاكل. فكلما طالت مدة بقاء القوات المصرية الإضافية في سيناء، خاصةً الآن بعد أن أصبح تنظيم «الدولة الإسلامية» تحت السيطرة على ما يبدو، ستزداد صعوبة العودة إلى القيود التي فرضتها المعاهدة.

وعلى الرغم من عدم وجود مؤشرات تدل على شعور إسرائيل بالندم بسبب السماح بدخول قوات وأسلحة مصرية إضافية إلى سيناء، إلا أن هناك تطورات أخرى مثيرة للقلق. وأبرزها هو ما فعلته مصر من دون موافقة إسرائيل، بما في ذلك بناء قواعد ومطارات عسكرية. وليست بعض هذه الانتهاكات للمعاهدة، مثل بناء معسكر دائم لإيواء مقر “الكتيبة المصرية 101” في العريش، سوى مضايقات بسيطة لكن بعض المنشآت الأخرى تشكل خروقات أكبر بكثير. فعلى سبيل المثال، شيّدت مصر ثلاثة مطارات عسكرية في سيناء، على الرغم من أن المعاهدة تنص على أنه لا يمكن بناء سوى مطارات مدنية. ووفقاً لصور الأقمار الصناعية المتاحة تجارياً، يبدو أن أحد هذه المرافق، وهي قاعدة “المليز” الجوية في المنطقة “ب”، يشمل مستودعات ذخائر، ومخازن وقود تحت الأرض، وثمانية مآوٍ محصنة للطائرات قادرة على خدمة نصف سرب من طائرات “إف – 16” التابعة للقوات الجوية المصرية.

وعلى نحوٍ مماثل، تنص المعاهدة على أنه لا يحق للجيش المصري في المنطقة “أ” الواقعة شرق قناة السويس سوى تشغيل “منشآت عسكرية وتحصينات ميدانية” لفرقة مشاة مؤللة واحدة. ومع ذلك، على مدى العقد الماضي، أنشأت مصر مقر قيادة في سيناء للجيشين الثاني والثالث، وكذلك مقراً خاصاً لـ “القيادة الموحدة لمنطقة شرق القناة”، التي تدير عمليات مكافحة الإرهاب في شبه الجزيرة. ووفقاً للتقارير المصرية، إن هذا المجمع في جبل أم خشيب مجهز بمركز عمليات يقع في قبو محصن على عمق 89 قدماً تحت الأرض. وقامت مصر أيضاً ببناء منشأة بحرية كبيرة في شرق بور سعيد داخل سيناء. والقائمة تطول.

إسرائيل على علم بهذه التطورات ومن المرجح أنها أثارت هواجس مع “القوة المتعددة الجنسيات”، التي تعمل بصفة حَكَم على البنود الأمنية في معاهدة السلام. ولكن بالنظر إلى تحسن العلاقة بين إسرائيل ومصر، يتردد الإسرائيليون في الضغط بشدة ولم يتقدموا بشكوى رسمية. (إسرائيل ذُكرت أيضاً بين الحين والآخر من قبل “القوة المتعددة الجنسيات” لتجاوزها عمليات الانتشار المسموح بها في المنطقة الفاصلة الضيقة على جانبها من الحدود.) ومع ذلك، أخبرني مسؤولٌ في “القوة المتعددة الجنسيات والمراقبين” أنه حتى عندما تدعو منظمة المراقبة المصريين إلى الخروج، فإنها لا تفعل شيئاً لتفكيك منشآتهم العسكرية. وتفرض مصر على الأرض في سيناء حقائق سيكون من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، إبطالها.

ويمكن تفهم تسامح إسرائيل إزاء هذه الانتهاكات. ويُعد التعاون الأمني، والذي يشمل الدعم المصري لاحتواء النشاط العسكري للمقاتلين في غزة، جزءاً من عملية الحفاظ المهمة على دفء العلاقات بين البلدين. وفي أواخر عام 2021، استضاف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت في منتجع شرم الشيخ المصري، وهي أول قمة ثنائية علنية تُعقَد منذ ما يقرب من عقد من الزمن. وبعد ذلك بوقت قصير، أنهت شركة “مصر للطيران” مقاطعة إسرائيل التي استمرت أربعة عقود، وأطلقت رحلات تجارية مباشرة من القاهرة إلى تل أبيب.

ومع ذلك، فإن الغرض من الملحق الأمني في معاهدة السلام لا يتمثل في عكس التطورات الحالية، بل في توفير جدار حماية ضد أي تحوّل سلبي غير متوقع. وإذا شكل خطر التصعيد خلال مرحلة عدم الاستقرار السياسي الذي أحدثته الثورة المصرية خطراً طفيفاً، فإن أحد الأسباب الرئيسية هو أن البنود الأمنية في المعاهدة كانت مطبقة بصرامة أكبر. وفي الواقع، حققت هذه البنود هدفها المحدد وهو: إبقاء جيشَيْ الطرفين بعيدَين عن بعضهما البعض، وتوفير إسرائيل بالعمق الاستراتيجي والإنذار المبكر.

من الضروري أن تسمع مصر من إسرائيل والولايات المتحدة و”القوة المتعددة الجنسيات والمراقبين” أن انتهاكاتها الأمنية تقوّض اتفاقية السلام. وبينما قد يُسمح لمصر بالاحتفاظ بالأبنية العسكرية المكتملة أساساً التي أنشأتها في سيناء – لأن القاهرة سترفض بشكلٍ شبه مؤكد تفكيك هذه المنشآت – يجب أن تحثّ الولايات المتحدة وإسرائيل، مصر على الكف عن بناء قواعد إضافية تنتهك المعاهدة. وفي الوقت نفسه – وكما يسمح الوضع الأمني في سيناء – على الولايات المتحدة وإسرائيل أن تحثّا مصر على تقليص وجود قواتها في سيناء لتبلغ المستويات التي تتماشى مع المعاهدة.

وبدلاً من ذلك، كانت واشنطن ترسل إشارات سيئة تشير إلى أنها لم تعد مهتمة أو تتمتع بالقدرة للحفاظ على الجوانب الأمنية لمعاهدة السلام التاريخية التي توسطت فيها في كامب ديفيد. وتقدّم وزارة الدفاع الأمريكية بانتظام مبادرةً لتقليص حجم الوحدة الأمريكية المكونة من 452 جندياً في “القوة الدولية المتعددة الجنسيات” التي يبلغ قوامها 1154 فرداً. والوحدة الأمريكية هي العمود الفقري لهذه القوة، ومن المرجح أن يؤدي التقليص الكبير لحجم قواتها إلى قيام الدول المشاركة الأخرى بتقليص حجم قواتها أيضاً، أو حتى إلى انسحابها. وقد يضع ذلك حداً للدور الحاسم الذي تضطلع به “القوة المتعددة الجنسيات والمراقبين” في المراقبة وتقصي الحقائق وتسهيل التواصل بين الطرفين إذا تعطّلت القنوات الثنائية. ومن الضروري انخراط الولايات المتحدة بقوة – لضمان الالتزام بالأحكام الأمنية، والحفاظ على سير عمل “القوة المتعددة الجنسيات والمراقبين” بسلاسة، وحماية معاهدة السلام التي تشكل حجر الأساس للاستقرار في المنطقة.

المصدر: معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى