حقل غاز “كاريش” البحري الإسرائيلي وقائع وأرقام
وجدت إسرائيل وشركاؤها في مجال الطاقة وسيلة أكثر فاعلية لاستغلال الاحتياطيات البحرية الأصغر حجماً، على الرغم من أنه من الضروري أن يقلل المسؤولون الغربيون من أي توقعات بأن مثل هذه الاستثمارات ستساعد في تخفيف أزمة الطاقة العالمية.
وسط المشادات الكلامية بين لبنان وإسرائيل، يمثل تطوير حقل “كاريش” للغاز الطبيعي خطوة إلى الأمام لاستغلال الاكتشافات الهيدروكربونية البحرية الصغيرة في المنطقة الاقتصادية الخالصة التابعة لإسرائيل، حيث أن احتياطياته البالغة 1.75 تريليون قدم مكعب هي أقل بكثير من الكميات المقدّرة في حقليْ إسرائيل المنتجيْن: “لفياثان” (35 تريليون قدم مكعب) و”تمار” (7.1 تريليونات قدم مكعب). ولكن حتى قبل الارتفاع الكبير الذي شهدته أسعار الغاز في الآونة الأخيرة، اعتبرت شركة “إنرجان” اليونانية التي تحمل ترخيص لتشغيل حقل “كاريش” أن أفضل طريقة لاستغلال الحقل هي من خلال ربط تطويره بحقليْن صغيريْن آخريْن في المنطقة هما “شمال كاريش” و”تنين”.
ومن أجل تنفيذ هذه المهمة، استعانت إسرائيل بـ”إنرجان باور”، وهي سفينة عائمة لإنتاج الغاز الطبيعي المسال وتصنيعه وتخزينه (FPSO) استقرت على بعد 80 كم قبالة الساحل الشمالي لإسرائيل الأسبوع الماضي ومن المزمع أن تبدأ الإنتاج في الربع الثالث من هذا العام. وستستخدم السفينة عدة مراسٍ على عمق 1676 م في المياه من أجل تثيبت موقعها، ومن ثم سيتم ربط معدات في قاع البحر متصلة بحقل الغاز بواسطة خراطيم بالسفينة العائمة. وحالما يتدفق الغاز إلى السفينة، ستتم معالجته على متنها وتنظيفه من المنتجات النفطية والمياه قبل إنزاله بواسطة خراطيم أخرى إلى قاع البحر وربطه بأنبوب يوصله إلى الشاطئ. وباستخدام جهاز تحكم في الضغط بالقرب من الشاطئ، سيدخل بعد ذلك إلى شبكة الغاز في إسرائيل لتزويد محطات الكهرباء. وفي غضون ذلك، ستجمع ناقلة صغيرة ترسو إلى جانب الوحدة العائمة المنتجات النفطية والرواسب المفصولة في كل أسبوعيْن تقريباً، في حين سيتم تنظيف المياه المعزولة وضخها مجدداً في البحر.
ومن وجهة النظر السياسية المحلية في إسرائيل، تتمثل الميزة الأساسية لـ”إنرجان باور” في أنها غير مرئية للسكان المحليين (قل الناخبين)، بخلاف منصة الإنتاج الخاصة بحقل “لفياثان” التي تظهر على بعد كيلومترات قليلة من الشاطئ قبالة منتجع “زخرون يعكوف” الواقع على قمة تل جنوب حيفا، وهو أمر أدّى إلى احتجاجات على الرغم من عدم تقديم شكاوى بشأن المداخن العالية التابعة لمحطة توليد الكهرباء القريبة في الخضيرة. أما بالنسبة إلى حقل “تمار”، فلا يمكن رؤية منصته التي تقع على بعد 21 كم قبالة شاطئ عسقلان جنوباً، علماً بأن غازه يحتاج إلى معالجة إضافية في ميناء أشدود البري. ومن حيث التهديدات الأمنية المحتملة، يُذكر أن المرافق الخاصة بحقل “لفياثان” عموماً و”تمار” بصورة خاصة هي أقرب إلى قطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة “حماس”.
وتتمتع “إنرجان باور” بميزة أخرى وهي أنه يمكن ربطها بسهولة نسبياً بحقول إضافية في المنطقة التي تملك شركة “إنرجان” رخصة لتشغيلها، دون الحاجة إلى تغيير موقع السفينة. ومن المزمع أن يبدأ تشغيل حقل “شمال كاريش” في النصف الثاني من عام 2023. كما تقدر شركة “إنرجان” أن الاحتياطيات في منطقة “أوليمبوس” في “بلوك 12” جنوباً ستكون قابلة للاستثمار تجارياً، على الرغم من أن أحدث عمليات الحفر تشير إلى وجود احتياطيات لا تتجاوز 0.28 تريليون قدم مكعب مقابل الكمية المأمولة التي قُدرت بـ 0.7 تريليون قدم مكعب. ومن خلال التنقيب التدريجي الحذر، تأمل الشركة في الحفاظ على تدفق إنتاج ثابت والتعويض عن التراجع الذي يحدث على مدى خمسة عشر عاماً من فترة إنتاج أي حقل فردي.
وفي الإجمال، يمكن لوحدة “إنرجان باور” العائمة استيعاب 8 مليارات متر مكعب من الغاز سنوياً. وناهيك عن المزيج المربك أحياناً للمقاييس المترية ووحدات القياس الأمريكية التي تمثلها مثل هذه الأرقام، ستساعد هذه الكمية على تلبية الطلب الإسرائيلي المتزايد على الطاقة. على سبيل المثال، تستهلك أنشطة تحلية المياه وحدها 10 في المائة من كهرباء البلاد. وفي نهاية المطاف، سيكون فائض الغاز متاحاً للتصدير، على أن تكون مصر العميل الأول، علماً بأن شروط الشراء الخاصة بغاز “كاريش” و”تنين” لا تسمح لشركة “إنرجان” بالتصدير منهما.
الزاوية اللبنانية
يبدو أن مخططات “إنرجان” لم تتأثر بمطالب لبنان المتزايدة التي تَعتبر أن “كاريش” يقع في المنطقة الاقتصادية الخالصة بلبنان التي تتداخل مع الحقل. وحين سحبت قاطرتان السفينة “إنرجان باور” إلى موقعها الأسبوع الماضي، أطلق «حزب الله» تهديدات، وسرعان ما زار المبعوث الأمريكي الخاص لشؤون الطاقة عاموس هوشستين بيروت لتهدئة الأجواء.
غير أن إسرائيل تعتبر أن حقل “كاريش” يقع قطعاً في منطقتها الاقتصادية الخالصة، كما أن التعامل مع التهديدات لمنشآتها الغازية ليس بالأمر الجديد، فمنصة “لفياثان” تقع في كل من مرمى الصواريخ من لبنان والقذائف من غزة. ويتمثل الردّ الإسرائيلي الرئيسي على هذه المشكلة في الردع، مما يعني ضمناً أن أي عمل أو تهديد فوري ضد مثل هذه المنشآت سيتم التعامل معه إما بشكل استباقي أو من خلال الانتقام الشامل.
الطلب على الطاقة في إسرائيل وأوروبا
إن الكميات المستخرجة من “كاريش” وحقول الغاز المماثلة مهمة لإسرائيل ولكنها غير مجدية بالمعايير العالمية. فعلى سبيل المقارنة، يناهز الإنتاج من حقل “لفياثان” 12 مليار متر مكعب سنوياً ومن حقل “تمار” أقل من 10 مليارات متر مكعب، في حين بلغ الطلب السنوي على الغاز في أوروبا نحو 400 مليار متر مكعب حتى قبل اندلاع أزمة أوكرانيا، حيث تزوّد روسيا أكثر من 40 في المائة من هذه الكمية. ومن الواضح أن زيادة الصادرات الإسرائيلية سيكون لها تأثير ضئيل على هذا الاختلال في التوازن.
مع ذلك، ينظر المخططون في وسائل لزيادة الإنتاج الإسرائيلي. فالكميات المستخرجة من “لفياثان” يمكن أن تنمو ولكن مع ازدياد متناسب في حجم منصتها البحرية المثيرة للجدل. وربما تتمكن إسرائيل أيضاً من تصدير الغاز على نطاق أوسع مما تنطوي عليه ترتيباتها الحالية، وذلك عبر خط أنابيب إلى الأردن (حيث يتم إنتاج 80 في المائة من الكهرباء بواسطة الغاز الإسرائيلي) وإلى مصر (التي لا يتغذى سوق الطاقة المحلي النَهِم فيها على ما يبدو، بشكل كافٍ من 75 تريليون قدم مكعب من احتياطي الغاز في البلاد والإنتاج السنوي المقدر بـ 65 مليار متر مكعب).
وحالياً، يجب تمرير أي صادرات من مناطق أكثر بعداً عبر أحد مصانع الغاز الطبيعي المسال في مصر على ساحل دلتا النيل. وفي نهاية المطاف، قد تتمكن إسرائيل من استخدام منصة عائمة للغاز الطبيعي المسال قبالة ساحلها لتحميل ناقلات مبنية خصيصاً لهذا الغرض بغاز “لفياثان”، على الرغم من أن البحار الهائجة في الشتاء قد تجعل هذه المقاربة غير ممكنة. ويتمثل اعتبار آخر في إقامة خط أنابيب محتمل يصل إلى قبرص، حيث يمكن لسفينة غاز طبيعي مسال راسية في المرفأ تزويد السوق المحلي المتواضع للجزيرة مع الإبقاء على معظم الغاز الإسرائيلي المتاح للتصدير إلى الخارج. أما الاقتراح بتمديد خط في قاع البحر لنقل الغاز الإسرائيلي إلى اليونان، فهو عقيم فعلياً بعد أن أشارت الحكومة الأمريكية إلى أن الخطة غير عملية من الناحية اللوجستية والتجارية.
وفي موازاة ذلك، من المتوقع أن توقّع إسرائيل ومصر و”الاتحاد الأوروبي” مذكرة تفاهم بشأن زيادة صادرات الغاز، رغم أنه من الصعب رؤية الأثر العملي الفوري لمثل هذه الخطوة. وستنظم وزارة الطاقة الإسرائيلية أيضاً جولة أخرى من المناقصات للحصول على تراخيص التنقيب في منطقتها الاقتصادية الخالصة. وسيشير مدى الاهتمام بهذه الجولة إلى نظرة شركات الطاقة الدولية حالياً لجاذبية الآفاق الإسرائيلية.