أخبار دولية

انتخابات قد لا تنهي الأزمة السياسية

انفراط عقد الائتلاف بعد سنة وأسبوع على تشكيله لم يكن مفاجئًا، لا سيما في ظل استعصاء إرضاء مكوّنات حزب “يمينا”، ربما المفاجأة كانت بمبادرة رئيس الائتلاف بينت إلى ذلك، في خطوة استباقية منه لها دوافع المصلحة العامة (عدم قدرة حكومته على الحكم وعلى سن القوانين) ودوافع شخصية في محاولةٍ منه لمعاقبة المتمردين في حزبه، فهو بذلك قطع عليهم طريق التآمر مع “الليكود” مقابل تحصين مقاعد مضمونة، هذا فضلًا عن أن حجب الثقة عن الحكومة يوم الأربعاء كان ينطوي على احتمال كبير بالحصول على الأصوات الـ 61 المطلوبة. بمبادرته لتقديم قانون بحل الكنيست الأسبوع القادم؛ يقطع الطريق على نتنياهو من أن يشكل حكومة بديلة أثناء الكنيست الحالية، رغم أن هذا الاحتمال لا زال قائمًا، ولكن بشكل ضئيل.

الائتلاف المنفرط سيظل يُذكر في التاريخ السياسي الإسرائيلي لاشتماله على استثناءات تاريخية؛ الأولى أنه الائتلاف الأول الذي ضمّ حزبًا عربيًا، وبالأخص أنه ذو خلفية إسلامية، الكثير من المقالات والجدالات جرت وستجري داخل الساحة السياسية الإسرائيلية حول جدوى ذلك، وهل اعتبرت التجربة فشل أم نجاح؟ وسيستخلص الكثيرون العبر المتناقضة، كما هو الحال دائمًا في السياسات الإسرائيلية الداخلية، وربما سيشكل انضمام العرب للائتلاف عنوانًا مركزيًا للسجال الانتخابي، فكل حملة نتنياهو السابقة ضد الائتلاف اعتمد على اتهامهم بالاعتماد على مجلس شورى الاخوان المسلمين، بينما الأطراف الأخرى ستعتبر أن ضم قائمة منصور عباس هو نجاح للفكر الصهيوني القائم على اندماج العرب وتغيير هويتهم.

من ناحية منصور عباس، فإن حل الكنيست بهذا الشكل هو الأقل سوءًا بالنسبة له من بين الخيارات الأخرى، فيكفي أن الحل وفر عليه اختبار التصويت لصالح قانون المستوطنات. عباس سيعتبر أن ما قام به اجتهاد له ما يسوغه وله ما يجعله مصممًا على الاستمرار في ذات النهج، بدون تأتأة او تردد، وربما يشجعه في ذلك توجهات الشارع العربي في الداخل التي ترصدها استطلاعات الرأي. لكن الأمر سيعتمد أيضًا على الملف الذي جهزته له القائمة المشتركة، والذي يتضمن ليس أقل من تشجيع الاستيطان ومسيرة الأعلام والتنكر للحقوق الفلسطينية والفشل في تحقيق أيّ إنجاز حقيقي للعرب، فالمشتركة ستشن عليه هجومًا ضاريًا ربما سيجعله لا يتجاوز نسبة الحسم، وإن كانت معظم الاستطلاعات حتى الآن تمنحه أربعة مقاعد مقابل ستة للمشتركة.

الاستثناء الثاني أن يرأس الحكومة رئيس الحزب الثالث في الائتلاف من حيث عدد المقاعد، وهو أمر قد يعزز اتجاه التبادلية على الرئاسة في الحكومة القادمة، لا سيما اضطرار تكتل لضم حزب من التكتل الآخر لتشكيل الحكومة، ومن غير المُستبعد أن يكون الأمر من نصيب غانتس أو ساعر في حكومة يشكلها نتنياهو.

إذا ما تم حل الكنيست الأسبوع القادم، فإن موعد الانتخابات على الأغلب سيكون في شهر أكتوبر القادم، وحتى ذلك الوقت سيقود لبيد الحكومة المؤقتة، حتى وقت تشكيل ائتلاف جديد، والحكومة المؤقتة بالعادة لا تتخذ قرارات فوق العادة، بمعني قرارات كبرى، وهي أشبه بحكومة تسيير الأعمال، لكنها مع ذلك متحررة من المخاوف والقيود الائتلافية، أي أن أحدًا لا يستطيع أن يملك فيتو على قرارات الحكومة. هي حكومة لن تبادر لأيّ إجراء سياسي أو أمني كبير، فلا تغيير على العلاقة مع السلطة أو على النشاط الأمني والاستيطاني في الضفة، وربما نلاحظ تعزيزًا أكبر للسياسة الاستيطانية كنوع من الدعاية الانتخابية والانزياح نحو يمين المركز، لكن بالنسبة للقطاع نعتقد بأن ذات السياسة ستستمر ولكن بتشدد أكثر، ونعتقد بأن الحكومة ستكون منفتحة على التصعيد إن حدث ما يمنحها مبررًا للتصعيد، فالعدوان والاغتيال وسفك الدماء وتدمير الأبراج هي جزء دائم من الدعاية الانتخابية وإظهار أنهم أقوياء أمام المقاومة.

أكثر حزبيْن تضررا بشدة من وجودهم داخل الائتلاف هما “ميرتس” و”يمينا”، أي أقصى اليسار وأقصى اليمين، فحزب “ميرتس” عبر انضمامه لائتلاف يميني فقد هويته وأسقط كل أعلامه مقابل التمسك بعلك “كله إلا بيبي”، وهذا ما جعل غيداء زعبي تتمرد وتنشق، فحزب “ميرتس” سكت، بل وصوت لصالح الاستيطان ولصالح القوانين العنصرية، ولم يقدم شيئًا لجمهوره على مستوى السياسات المدنية. كما أن حزب “يمينا” خرج من هذا الائتلاف مضروبًا مستنزفًا بعد الانشقاقات الداخلية؛ الأمر الذي عزز خصمه اللدود (حزب القوة اليهودية) برئاسة سموتريتش وبن غبير، اللذيْن تتوقع لهما الاستطلاعات تسعة مقاعد، وهو أمر يثير قلق حزب “شاس”، حيث تخشى “شاس” من سرقة بعض من قاعدتهم الانتخابية.

مُستقبل بينت السياسي لا زال مجهولًا، والسؤال: هل سيُضطر للانضمام إلى حزب ساعر (أمل جديد)؟ أم سيُعيد ترتيب حزبه من جديد؟ أم سيستقيل من الحياة السياسية؟

الأحزاب التي تخرج قوية من هذه الكنيست هي “الليكود” و”القوة اليهودية”، وحزبي “أزرق أبيض” و”يوجد مستقبل”، أما القائمة المشتركة فلا تزال تحافظ على قوتها.

إذا ما تركزت دعاية الكتلتيْن المتنافستيْن حول المشاركة العربية في الائتلاف (مع أو ضد)، فإن هذا الأمر يعزز اتجاه إقبال الجمهور العربي على المشاركة بقوة في الانتخابات، وهذا يضر بكتلة نتنياهو، كما ان زيادة تمثيل حزب “القوة اليهودية” سموتريتش وبن غبير تعمل أيضًا ضد مصلحة نتنياهو، لأنه يخشى من أن قوتهم ستقيّد قدرته على المناورة وجلب شركاء آخرين لائتلافه.

حتى الآن، فإن الانتخابات الخامسة في غضون ثلاث سنوات ونصف لا زالت – حسب الاستطلاعات – لا تعطي معسكر نتنياهو ما يكفيه من مقاعد لتشكيل حكومته؛ الأمر الذي يعني (في حال تأكد ذلك في الانتخابات) استمرار الأزمة السياسية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى