الشذوذ الفكري للأمم المتمدنة.
كتب خالد المقدد خاص بوابة بعلبك.
بتاريخ 10 يوليو/ تموز صدر تقرير معهد جورج تاون المرتبط بوزارة الخارجية الأمريكية عن مركز المرأة في العالم، في 170 دولة.. ووفق التقرير حصلت الامارات على المرتبة 25 عالميا والأولى عربيا، وجاءت باقي الدول العربية في مراكز متأخرة، فتونس 117، ولبنان 133، ومصر 137، والجزائر 141، والعراق 166، وسورية 169 تليها أفغانستان.
تنص المادة الثالثة من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية على تحديد المصادر الأصلية للقانون الدولي بالاتفاقات الدولية العامة والخاصة التي تضع قواعد معترفا بها صراحة من جانب الدول المتنازعة، والعرف الدولي المعتبر بمثابة قانون دل عليه تواتر الاستعمال، والمبادئ العامة للقانون التي أقرتها الأمم المتمدنة.
فالمعاهدات هي اتفاق بين دولتين أو أكثر لتنظيم موضوع معين.
والعرف الدولي هو مجموعة من القواعد الناشئة عن تواتر الالتزام بها من قبل الدول في تصرفاتها تجاه بعضها بعضا.
وهذان المصدران لا يثيران إشكالية، ولكن ما يمكن أن يثار التساؤل حوله، هو المبادئ التي أقرتها الأمم المتمدنة..
فمن هي هذه الأمم التي أسبغت على نفسها صفة التمدن؟ والتي تعني أنها صنفت نفسها في موقع متميز عن بقية الأمم “الهمجية”، أو بتوصيف أخف “غير المتمدنة”
تنقسم الحياة القانونية إلى مدرستين أساسيتين، هما المدرسة الأنكلوسكسونية ورائدتها المملكة المتحدة والولايات المتحدة، والمدرسة الفرانكوفونية ورائدتها فرنسا والمستعمرات الفرنسية سابقا..
لسنا هنا بصدد طرح النظام القانوني لكلا المدرستين وطرح التوافقات والفروقات بينهما، وإنما بصدد عرض أهم المبادئ القانونية التي تبنتها كلا المدرستين والمتمثلة في حرية التعاقد، والعقد شريعة المتعاقدين، وحرية التقاضي ونزاهة القضاء..
والمتتبع لتاريخ هاتين المدرستين يجد بحق أنهما نتجتا عن تطور تاريخي طويل أسهم في بنائهما فقهاء على قدر عال من الأهمية الفكرية القانونية..
وقد استطاعت هاتان المدرستان تصدير معظم مبادئها القانونية إلى معظم دول العالم. ولذلك يمكن القول أن القارئ لعبارة المبادئ القانونية التي أقرتها الأمم المتمدنة سيذهب فكره فورا إلى مبادئ هاتين المدرستين.. ولذلك فإننا نتساءل أين موقع العرب من المبادئ القانونية للأمم المتمدنة؟
بداية عند تبني النص القانوني في عام 1945 كانت معظم الدول العربية تخضع لنظام الانتداب، وبعد استقلالها تبنت الدول العربية بمعظمها المدرسة الفرانكوفونية، باستثناء الأردن، والسودان التي تبنت المدرسة الأنكلوسكسونية حتى وقت ليس ببعيد..
وما يهمنا هنا هو المركز القانوني للمرأة في الدول العربية، وفي هذا الصدد فقد تبنت النظم القانونية في الدول العربية، المساواة بين الرجل والمرأة، من خلال حقها في الانتخاب والترشح، والعمل بذات الأجر بينهما، على خلاف معظم الدول الأوربية، وأمريكا التي ينخفض دخل المرأة فيها عن الرجل ب25%.. وكذلك تم وضع قوانين حمائية للمرأة فيما يتعلق بالزواج والحضانة والنفقة والطلاق..
ولكن المتابع عمليا يرى معاناة مجتمعية للمرأة، ووممارسات ضدها لا يقرها القانون، ولكنها تحصل عمليا تتمثل في سطوة الرجل الأكبر في ظل غياب الأب، سواءا تمثل بالعم أو الأخ الأكبر.. ونقصد بالسطوة هنا ممارسة قرارات له ضد مصلحة المرأة، تبدأ من حرمانها من الدراسة الجامعية، ولا تنتهي باختيار زوجها، وحرمانها من حقها في الإرث.
وهنا لا بد لنا من القول بضرورة تفعيل الوعي المجتمعي لدور المرأة، فصحيح أنها استطاعت تحقيق ذاتها في المجتمعات العربية، فهي نائب للرئيس في سورية، ومستشارة، وبرلمانية ووزيرة في جميع الدول العربية، وكابتن طائرة، في معظمها. ولكننا هنا نتحدث عن الفئة التي لا زالت تعاني في مجتمعاتنا العربية.
ولذلك فإننا ندعو إلى إعادة بناء المدرسة القانونية العربية القائمة على قول السيد المسيح رسول السلام “من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر”، وحديث الرسول العربي “ما أكرمهن إلا كريم، وما أهانهن إلا لئيم” و”رفقا بالقوارير”..
هذه المدرسة التي قامت على تحرير العبيد، والمساواة بين الجميع، “لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى”، والعدالة، والصدق، وعلى تعظيم شأن الأخلاق.. لأننا إذا لم نعمل على إعادة بناء المدرسة القانونية العربية، فلن نستطيع مواجهة الانحلال الخلقي الذي دخل إلى المدارس القانونية للأمم المتمدنة والمتمثل بقانونية الشذوذ الجنسي، وتعاطي المخدرات على المستوى الشخصي، وما خفي كان أعظم.