الامبراطوريات العربية لإدارة الموارد المائية كتب خالد المقداد.
تعد الأنهار المصدر التقليدي الرئيس لتأمين المياه، ولذلك حرصت الامبراطوريات القديمة على السيطرة على منابع الأنهار، ولا يختلف حال الامبراطوريات العربية القديمة عن ذلك والتي سيطرت على منابع أنهار دجلة والفرات والنيل، ومع ظهور التنظيم الدولي المعاصر، وظهور الدول العربية وفق الحدود المعاصرة، خرجت منابع هذه الأنهار من السيطرة العربية، للسيطرة التركية والأثيوبية..
وأصبحت سورية والعراق تعاني من تحكم تركيا بتدفق نهري دجلة والفرات، وبرزت تهديدات جدية لمصر والسودان نتيجة المشاربع المائية الأثيوبية..
ولذلك فإننا نتساءل ما هو النظام القانوني الناظم للأنهار الدولية؟ وما هي الحلول المتوافرة بين أيدي الدول العربية في سبيل الحصول على حقوقها المائية، وحمايتها من التعسف من قبل دول المنبع؟
يعد موضوع الأنهار الدولية من أكثر المواضيع أهمية في القانون الدولي، وعلى الرغم من ذلك فقد تمت قوننة قواعده في عهد حديث نسبيا، وذلك في عام 1997م بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 229/51 الذي تبنى الاتفاقية الخاصة باستخدام المجاري المائية للأغراض غير الملاحية، وتضمنت هذه الاتفاقية جملة من القواعد الناظمة لاستخدام مياه الأنهار، وأهمها؛ الاستخدام والمشاركة المعقولة للمجرى المائي من جانب الدول الواقعة عليه، والالتزام بعدم إحداث ضرر كبير لدول المجرى المائي الأخرى، وفي حالة حدوث الضرر فعلى هذه الدولة اتخاذ كافة التدابير اللازمة لإزالة الضرر والتعويض عنه..
وهذه الاتفاقية لم تنضم لها كلا من تركيا وأثيوبيا.
والسائد تاريخيا قبل قرار الجمعية العامة السابق الذكر، هو إخضاع الأنهار الدولية لنظام الاتفاقيات الثنائية بين الدول المتشاطئة، وفي هذا الصدد وقعت معاهدة باريس 1856 الخاصة بنهر الدانوب، واتفاقية برلين 1869 الخاصة بنهري الكونغو والنيجر، واتفاقية باريس الثانية 1921 الخاصة بنهر الدانوب، واتفاقية برشلونة 1921م التي وضعت نظاما قانونيا لجميع الأنهار الصالحة للملاحة أو ذات الأهمية الدولية.
وفيما يتعلق بنهري دجلة والفرات، ما زالت تركيا تتهرب من توقيع اتفاقية صريحة مع سورية والعراق تلتزم بموجبها بحقوق هاتين الدولتين، بل أكثر من ذلك، ربطت تركيا تنظيم المياه في نهر الفرات، بتنظيمها في نهر العاصي الذي يمر في لواء اسكندرون، ليعتبر ذلك اعترافا ضمنيا من حكومة الجمهورية العربية السورية بالسيادة التركية على اللواء، وهو ما قوبل بالرفض المحق من الحكومة السورية.
وفي ظل غياب اتفاقية دولية لتنظيم مياه هذين النهرين، فإننا نجد من المفيد الانتقال إلى المصدر الثاني للقانون الدولي وهو العرف الدولي، والذي يقضي في هذا الصدد، امتناع دولة المنبع من تغيير المنطقة التي يعبر فيها النهر حدودها إلى إقليم الدولة المجاورة، أو أن تغير من طبيعة المياه تغييرا من شأنه أن يضر بغيرها، أو أن تقوم على إقليمها بأعمال يمكن أن تؤدي إلى فيضان النهر في إقليم دولة أخرى، أو أن تصرف أو تحجز من ماء النهر قدرا يتسبب بهبوط المستوى الطبيعي لمجرى الماء في الدولة المجاورة.
وذلك مع الاحتفاظ بحق الدولة في أن تأخذ من مياهه ما يلزم لحاجاتها المختلفة وأن تستثمر القوى الطبيعية الموجودة في المجرى الواقع ضمن إقليمها، وأن تقيم فيه من الأعمال الهندسية ما يحقق لها هذا الاستثمار.
وذلك يعني أن العرف الدولي يقضي باستخدام مياه الأنهار الدولية استخداما عادلا يقضي بإشباع الحاجات المائية للدولة مع مراعاة عدم الإضرار بقدرة المجرى المائي على إشباع الحاجات المائية للدول المتشاطئة الأخرى.
والمتتبع للمشاريع التركية يجد أنها تخل إخلالا واضحا بهذه الالتزامات الدولية والإنسانية، لاسيما أنها أوصلت نهر دجلة إلى حدود الجفاف في العراق من جهة، ومن جهة ثانية وقعت اتفاقية لجر مياه نهري دجلة والفرات إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الاحتلال الاسرائيلي في عام 2006 وذلك وفق معلومات أوردتها السيدة عبير بسام في مقال لها بموقع العهد الإخباري 30/11/2019
وهذا يعني أن الحكومة التركية تستثمر مياه نهري الفرات ودجلة بصورة مخالفة للقانون الدولي، وهو ما يستدعي تحركا أمميا في هذا الصدد، ولذلك فإننا نرى مفيدا توحيد الجهود العراقية والسورية لمواجهة التعسف التركي في استثمار مياه النهرين.
وقد يكون مفيدا في هذا الصدد تكثيف الجهود الدبلوماسية والدعائية، لتشكيل جبهة ضاغطة على الحكومة التركية لتقبل الحل القانوني لتنظيم استثمار مياه دجلة والفرات.
كما أنه من المفيد التنسيق مع مصر والسودان في هذا الصدد، حيث نجد أثيوبيا قد أخلت بالتزاماتها وفق اتفاقية 1959 التي تعطي مصر والسودان حق رفض أي مشاريع تؤدي إلى إنقاص حصتيهما من مياه النيل، وكذلك لجأت إلى التهديد العسكري لمواجهة مصر في حال لجوئها إلى مهاجمة السد عسكريا..
ومن هنا، فإننا نعتقد أن اللجوء إلى التنسيق العربي لإدارة الموارد المائية، والحصول على الحقوق العربية في الأنهار الدولية، وحماية هذه الحقوق، يعد نقطة الانطلاق الرئيسة في هذا الصدد، لأن ما تشهده الكرة الأرضية من تغير مناخي وانخفاض معدلات الأمطار. وتراجع مستويات مصادر المياه العذبة، سيجعل الدول أمام خيارين، إما التعاون فيما بينها واكتشاف وسائل جديدة لتأمين المياه العذبة من خلال تحلية مياه البحر أو سحب الهيدروجين والأوكسجين من الهواء، وإما الدخول في حروب للسيطرة على مصادر المياه، وفي هذه الحالة يجب أن تكون الدول العربية حاضرة ومستعدة لكي لا تكرر تجربتها مع الدول الغربية عند اكتشاف النفط والغاز في أقاليمها..