مقالات

حين يتفوق الدهاء الحزبي.. التجربة الذاتية للأحزاب بعيداً عن القوالب التقليدية..

بقلم د٠خالد المقداد *Bawwababaalbeck*

يعد الدور التقليدي للأحزاب السياسية في الأنظمة السياسية المعاصرة، هو المشاركة في الانتخابات بمختلف صورها؛ الرئاسية والتشريعية والمحلية.. وهي في هذا الصدد لا تتوانى عن استعمال كافة الأدوات المشروعة في سبيل إيصال مرشحيها للمواقع التي يتم التنافس عليها في العملية الانتخابية.. وقد تلجأ إلى بعض الأساليب غير المشروعة، كما فعل الرئيس الأمريكي السابق “نيكسون” المنتمي للحزب الجمهوري، من خلال التجسس على الحملة الانتخابية الرئاسية للحزب الديمقراطي في عام 1972.
وهذه الأحزاب قد تتحول إلى عبئ اقتصادي وسياسي واجتماعي على الشعب، كما حدث في قضية انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوربي، وما استتبع ذلك من اضطراب اقتصادي سواء فيما تعلق بقضية سائقي الشاحنات، وقلة إمدادات المواد الغذائية.. وغيرها من الأزمات التي أدت إلى أزمة سياسية لحقت حزب المحافظين، الذي أجرى انتخابات تشريعية مبكرة لحشد الناخبين خلفه دون جدوى، واستبدل ثلاثة من رؤساء حكوماته في أقل من عامين..
هذا الدور التقليدي للأحزاب، قد يؤدي في بعض الحالات إلى اندثار الحزب، كما حصل مع حزب الأحرار البريطاني الذي فقد القدرة على التنافس التشريعي لصالح حزب العمال.. وكذلك كبوة الحزب الاشتراكي الفرنسي الذي لم يستطع الحصول على أكثر من 26 مقعدا من أصل 577 مقعداً في الجمعية الوطنية.. علماً أنه قد تأسس في عام 1969 في فرنسا..
وفي المقابل نجد بعض الأحزاب السياسية غير التقليدية، وفق التصنيف الغربي، كيف استطاعت تحويل الدولة والمجتمع من مستنقعات، بالمعنيين الحقيقي والمجازي، إلى ثاني اقتصاد عالمي، بنسب نمو اقتصادي تفوق ال 8.1% في وقت تشهد فيه معظم دول الأحزاب التقليدية تراجعاً في النمو..
وكذلك أيضاً، استطاع حزب واحد أن ينهض بأعباء الدولة الحارسة قبل المتدخلة، الدولة التي من واجبها تحقيق الأمن الداخلي والخارجي والعدالة.. استطاع حزب واحد أن يحرر أرضها، وأن يحمي ثرواتها من النهب الصهيوني.. وأن يجنب دولته الحرب.. وكل ذلك كان بالاستعداد العسكري والدهاء السياسي، والتجربة التراكمية مع الكيان المؤقت الذي أصبح يرى في هذا الدور غير التقليدي للحزب عبئاً يصعب بل يستحيل التعامل معه..
ومن الدور غير التقليدي للأحزاب السياسية المعاصرة أيضاً، قدرة الحزب على التصدي لأكبر هجوم عدائي تشهده دولة في التاريخ المعاصر، إذ استطاع الصمود بوجه تحالف من أكثر من 86 دولة، أنفقت أكثر من 170 مليار دولار لإلغاء الوجود القانوني للدولة، ومحيها من الخريطة العالمية، وفي قلب العاصفة، استطاع هذا الحزب أن يتفادى السقوط الشعبي الذي أصاب الحزب الاشتراكي الفرنسي، وأن يكون مبدعاً في كيفية مخاطبة الشباب الواعي، فلأول مرة في التاريخ السياسي نجد حزباً سياسياً، يتبنى برنامجاً لإعداد مدربين شباب من كوادره، يتولون مهمة تدريب الكادر الشاب على مهارات التواصل الفعال، والحوار البناء.. في الوقت الذي نشاهد فيه تبني من يدعون الحرية لسياسة الإقصاء والنفي ووضع الأصابع في الآذان..
من يقول أن الغرب هو مصدر الديمقراطية والحرية.. وأن دور الأحزاب يقتصر على الانتخابات فقط، يكون قد ساهم في تبديد مصادر القوة في دولنا.. فليس نقل التجربة وتقليدها هو النجاح، إنما النجاح أن يكون المثقف العربي مبدعاً في إيجاد التجربة المناسبة لواقعه بعيداً عن التقليد الحرفي..
فكما نقول دائماً، ما جعل الصين ما هي عليه اليوم، هو صيننة التجارب، وليس أمركة المجتمع..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى