أخبار محلية

‏الهدنة التكتيكية المزعومة في غزة تفضح حكومة الحرب الإسرائيلية…

كتب أ. هشام صفا

تطالعنا الأحداث والمواقف بالكثير من المعطيات المفيدة في رسم مشهد لمستقبل الحرب في غزة، وإن كان من الصعب التنبؤ بالنتائج الحاسمة لما قد تحمل الحرب معها من مفاجآت وخداع هي الأصل في حسمها، لكن ومع هذا، يبقى من غير الممكن توقع الانتصار لجهة يفتقر قادتها للحد الأدنى من الحكمة العسكرية، ومن الكفاءة الاستراتيجية المطلوبة في هذه المرحلة من الصراع.

‏مع دخول الحرب على غزة شهرها التاسع، يفاجئ رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو في تصريحه الاخير كل الاوساط ردا على ما ورد عن قيادة جيشه حول التوصل الى هدنة مؤقتة في رفح، حيث وصف فيه كيانه المؤقت “بالدولة التي لديها جيش وليس بالجيش الذي لديه دولة” في محاولة لوضع حد للفلتان السياسي‏ الذي أظهره ‏”جيش الدفاع” ‏ آخر الأسبوع المنصرم.

‏لم يكن موقف نتنياهو الوحيد إزاء ما حصل، فقد سبقته عدة مواقف مستنكرة بشدة ومطالبة بالتحقيق والمحاكمة، لاسيما موقف “بن غفير” الذي يمثل اقصى اليمين المتطرف، لكن المشترك بين كافة المواقف هو الإجماع الكبير على حق الحكومة بتحديد اهداف العمليات العسكرية وواجب الجيش بتحقيق تلك الاهداف خدمة للمصلحة العامة، ‏من دون الإلتفت إلى حق الجيش بالحصول على أهداف قابلة للتحقيق وواجب الحكومة بمشورته في تلك الاهداف قبل أن تصبح واجبا عسكريا.

‏في علم العسكر والاستراتيجية العسكرية، تقوم القيادة السياسية بتحديد اهداف للحرب وتعمل مع كافة الجهات والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية وعلى رأسها مؤسسة الجيش بتوحيد الجهود لتحقيق هدف من تلك الاهداف، مع حق الحكومة بالانزلاق والتدحرج مع الاهداف إن لزم الأمر، وذلك بالشكل الذي يؤدي ‏إلى مكاسب بالحد الأدنى ولا يسمح بالوصول إلى هزيمة نكراء حال التعنت والجمود على هدف من الاهداف مع عدم قدرة الجيش على تحقيق ذلك الهدف المعلن، ‏أو في حال لم يعد لذلك الهدف قيمة سياسية.

‏وقد نسمع من خلال وسائل الإعلام الكثير عن الهدف المعلن للحرب، دون أدنى إشارة إلى الغاية السياسية – أو بتعبير آخر – الهدف غير المعلن، والذي يبقى من جملة أسرار الحرب التي يحرم البوح بها باعتراف جميع المدارس السياسية.

‏لكن هذا لا يعني أن ترهق القوات المسلحة بهدف عسكري غير قابل للتحقيق بدلالة التجربة الميدانية على امتداد الثمانية أشهر الماضية، وذلك من أجل جمود سياسي خلف هدف حرب معلن لا يمكن تحققه بإجماع كبار المسؤولين العسكريين الإسرائيليين المستقلين.

‏ان ذلك الاجماع السياسي والتقييم المشترك لمن هم خارج الحسابات السياسية والحزبية، والذي لم يأتي من فراغ على الإطلاق، لهو هو خير دليل على أن نتنياهو وادارته هم من سيصنع النصر للمقاومة بايديهم قبل أيدي المقاومين، وأن التهم الموجهة لهم بأنهم يعملون وفق حسابات سياسية ضيقة لا ترقى إلى مستوى الحسابات الكيانية، هو اتهام معقول، وهذا ما ستؤكده الأيام القادمة.

‏لقد أصاب بنيامين نتنياهو بتوصيف “إسرائيل” أنها ليست جيشا له دولة، فلو كان لذلك الجيش دولة حقا، الأنصفته في طلبها إليه تحقيق هدف عسكري معقول، لا زجه في أتون حرب مستحيلة النتائج، ولا يبدو أن هناك طائلا منها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى