أميركا وحيدةً في حظر الطاقة: أوروبا بلا خيارات
لن يقضي الأميركيون من البرد، إن هم حظروا استيراد النفط من روسيا، لكن الحكاية في أوروبا مختلفة تماماً. فالقارّة تعتمد، بشكل يائس، على واردات الغاز والنفط والفحم الروسية، لتدفئة المنازل وإدامة ماكينة التصنيع والإنتاج، وبالتالي فإن فرض حظرٍ كلّي على تلك الواردات، يعني انتحاراً اقتصادياً وفوضى تامّة. موسكو تدرك ذلك، فتتجنّب الانفعال في مواجهة العقوبات الغربية، ولا تتعجّل في تحقيق أهداف عمليتها العسكرية، تاركةً للوقت مهمّة شقّ التحالف الأميركي – الأوروبي، من بوّابة الطاقة تحديداًلندن | بدا جليّاً، بعد مرور أسبوعين على انطلاق العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، أن موسكو لا تتعجّل في تحقيق أهدافها القصوى المُعلَنة. وإضافة إلى الأسباب العملياتية المرتبطة بتجنّب الإصابات بين المدنيين، نظراً للتداخل الاجتماعي والثقافي العميق بين سكّان أوكرانيا والشعب الروسي، وضرورة تحييد المواقع العسكرية الحسّاسة وجيوب القوميين النازيين المُتطرّفين قبل انتشار القوات البرّية، فإن التباطؤ النسبي في تقدُّم القوات الروسية في العمق الأوكراني، والاستخدام المحدود للقوّة الفضائية الروسية المتفوّقة، والهدوء الملحوظ على جبهة الحرب الإلكترونية، كما انعدام الانفعال أمام الإعلانات الغربية المتلاحقة عن توسيع نطاق العقوبات، وفي المقابل استمرار تدفُّق إمدادات الغاز والنفط نحو أوروبا، إنّما تعكس، في مجموعها، ثقة القيادة الروسية في استحالة تحقّق المشروع الأميركي لعزل روسيا، بشكل كلّي، ليس بفضل التماسُك الجيّد – إلى الآن – للمحور الاستراتيجي المضادّ فقط، ولكن أيضاً بسبب الاعتماد المتزايد لأوروبا على موارد الطاقة الروسية، سواءً في ما يتعلّق بالغاز أو النفط أو حتّى الفحم الحجري، ناهيك عن معادن ومحاصيل أخرى متعدّدة.وبحسب أرقام موثّقة من «يوروستات»، فإن عدّة دول أوروبية ومنها المجر (هنغاريا)، ولاتفيا، وبلغاريا، تعتمد بصورة شبه كلّية على الغاز الروسي، فيما تصل النسبة في ألمانيا – أكبر اقتصاد أوروبي على الإطلاق – إلى 65 %، وفي بولندا 55%، وفي إيطاليا 43%، واليونان 39%، وفرنسا 17%، والمملكة المتحدة 7%. وحتى في دولة منتجة للغاز، مثل النروج، فإن 30% من استهلاكها مصدره روسيا. وتفيد الأرقام، أيضاً، بأن روسيا هي مصدر ما يقرب من أربعة من كلّ خمسة براميل نفط في سلوفاكيا، وثلثي تلك الموجودة في بولندا وليتوانيا وفنلندا، بينما النسبة في ألمانيا 30%، فيما تستورد المملكة المتحدة وإيطاليا حوالى 12٪ من احتياجاتها النفطية من روسيا. وبحسب مركز أبحاث متخصّص بشؤون الطاقة، فإن أوروبا تدفع يومياً ما يعادل 300 مليون دولار للخزينة الروسية، مقابل إمدادات الطاقة تلك، كما تلقّت روسيا 104 مليارات دولار من جرّاء صادراتها من الخام والبنزين والديزل إلى أوروبا، العام الماضي، أي أكثر من ضعف الـ43 مليار دولار التي حصلت عليها من شحنات الغاز.