أخبار محليةمقالات

المركزية الادارية واللامركزية بين التأصيل والحلول

شغل نظام الادارة اهتمام الحكومات والبرلمانات في العالم ولهذا اتخذت كل دولة لنفسهها نظام إداري يختلف من واحدة الى أخرى ، وإن انقسمت تلك الدول بين النظام المركزي للادارة واللامركزي، وبرز أنصار يدافعون كل عن اختياره، وأمام ما يعانيه لبنان وطننا من أزمة على هذا الصعيد وليس فقط على الصعيد النظام السياسي، عمدت خديجة البزال مديرة بوابة بعلبك الى طرح لموضوع للنقاش بأسلوب علمي بعيد عن المناكفات السياسية وكانت حلقة النقاش ضمت الكاتب السياسي الاستاذ حسن علامة والاستاذ علي زغيب والاستاذ محمد ياسر صبان، وطرحنا عليهم السؤال عن كيفية ربط العاصمة بمدن الاطراف؟ وماذا تعني “المركزية قاتلة”؟ وكيف نصنع مدينة تخدم الناس؟ ونعرض لكم خلاصة ما انتجته الجلسة من اجل تعميم الفائدة وفتحاً لحوار هادئ يوصلنا الى بر الأمان الاداري ويساهم في تطوير ادراتنا ومناطقنا كافة.

رأى الكاتب محمد ياسر صبان ان هذا التساؤل يحمل في طياته الثورة الثقافية المطلوبة في علم السياسة المتخلف عن ركب الحضارات الانسانية، فالحضارة الرومانية القديمة سمحت للقيصر أن يكون من أطراف الامبراطورية بينما أعادته الشعوب الى الوراثة الذرية.
وقد حفل عصر النهضة بالفلسفات السياسية التي حاولت الدفاع عن الشعوب المقهورة في وجه إستبداد الملوك والقياصرة والسلاطين. وفي مواجهة الفقر المدقع للأطراف المتزامن مع الثراء الفاحش لسكان المدن ولدت العديد من الفلسفات السياسية التي أشعلت ثورات شعبية بوجه طغيان القصور، وكان أهمها أربع ثورات لكل منها فلسفتها الخاصة:
1- الثورة الأنغلوساكسونية التي إعتمدت النظرية الأفلاطونية حول إدارة خلية النحل وتحويل الملك الى شعار فخري والإدارة للعمل والإنتاج، فنجحت تلك الدول بالتطوير الثقافي والاقتصادي الذي جعلها تعتقد أنها القومية الأرقى التي يحق لها استعمار شعوب العالم وتحقيق ثراء شعبها بواسطة سلب خيرات باقي الشعوب.
2- الثورة الفرنسية التي ولدت نظرية العقد الاجتماعي غير المكتوب بين السلطة والشعب، وبناء عليه قامت بتوليد مجلس منتخب للدفاع عن الشعب، ليكون سلطة رديفة للسلطة التنفيذية ومراقباً لها.
3- الثورة الجرمانية القومية الاجتماعية التي كانت رد فعل على الثورة الأنغلوساكسونية كقومية أعلى مرتبة منها قادرة على تحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية واستعمار الشعوب.
4- الثورة البلشفية التي رأت أن الامم كلها واحدة وأن القوميات مسألة عنصرية متقوقعة وأن الملكية والقيصرية استبداد يواجه بقيادة جماعية هي المكتب السياسي (political office).
ويضاف الى هذه الفلسفات السياسية العديد من الفلسفات التي تمكنت من تحقيق نجاحات في استعمار ارادة الناس وسلب ثرواتهم كالفلسفة الصهيونية الربوية التي لا مجال لبحثها في هذه العجالة.
أما بحث الفلسفات الأربعة السالفة فهدفه التفكير الجدي بتوليد الجهاز العصبي الذي يؤلم الرأس في المجتمع إذا تألمت الأطراف وهو موضوع السؤال. وهذا يقودنا الى عكس ما توصل اليه فوكوياما بإعتقاده نهاية الإيديولوجيات أو نهاية الفكر السياسي الذي وصل الى عنق الزجاجة بعد فشل كافة النظريات السالفة في تحقيق العدالة والأمان ومحاربة البؤس والبطالة بالتزامن مع التطوير العلمي والثقافي والأخلاقي الإنساني. ولقد نظر الفلاسفة الى الطبيعة فوجدوا خلية النحل وقرية النمل وعائلة الذئاب، إلا أن أفضل نظرية سياسية اجتماعية متكاملة هي الإنسان الذي خلقه الرحمن على أفضل تقويم، وجسم الإنسان يستخدم وسائل ووسائط تفرض على السلطة وهي العقل أن تعمل بنظرية اللامركزية الإدارية، فهو لا يتدخل في عمل المعدة او العين او البنكرياس إلا بواسطة الدورة الدموية، وتصله النتائج عبر الجهاز العصبي الذي يؤلمه إذا تألم أي عضو في الجسم، ولذلك يولد العقل جهاز مناعة يحارب اي جرثومة تدخل الجسم. وبما أن الدورة الدموية هي الوسيلة الوحيدة لإيصال خيرات المجتمع الى كافة الأطراف مهما بعدت عن مركز القرار أي الأجهزة التي يطلق عليها الأطباء الأجهزة النبيلة في الجسم وهي الأقرب الى القلب والدماغ، ولكن عدم وصول الدم محملاً بكل خيرات الجسم الى كافة الأطراف سيؤسس لخلايا سرطانية أو تموت الاطراف بما يسمى الغرغرينا أو عدم وصول الخيرات اليها وهي بالتالي تؤلم الدماغ حتى ينتبه لأخطائه بواسطة الجهاز العصبي. وهنا نصل الى الإجابة على السؤال، فالدورة المالية في جسم المجتمع هي نفسها الدورة الدموية في جسم الإنسان وهي التي توصل الخيرات وهي التي تعطي السلطة لمصدر النقود، وبما أن طبيعة البشر فإنهم سيسيؤون التصرف إذا أمنوا العقاب. لذلك تحولت كل الفلسفات السياسية الى دكتاتورية الفرد أو توافق مصالح الأحزاب الحاكمة، ما يعني مركزية القرار، لذلك ولتحقيق اللامركزية الإدارية لا بد من استخدام الدورة المالية في جسم المجتمع تماماً كإستخدامها في جسم الإنسان لتوليد العقاب والألم للحاكم إذا تألم أي طرف من أطراف الجسم ولم يتمكن من القيام بواجبه تجاه المجتمع، وهذه فلسفة سياسية اقتصادية جديدة شعارها (التمويل بالنمو) أي حصر الإنفاق العام للسلطة بحسب نمو القيمة الشرائية للعملة الوطنية عن طريق ضخ النقود بالتزامن مع إلغاء كافة أنواع الجباية الضريبية. وبالتالي تصبح السلطة تحت تأثير الألم المادي إذا تراجع النمو الاقتصادي، وبذلك يولد جهاز المناعة ضد الفساد السياسي والاداري ، لأن أي تراجع في النمو ومهما كان سببه (نقص في الأمن، أو نقص العدالة أو الاكتشافات أو الصحة او الصناعة او الزراعة او أي سبب آخر) سيتسبب بتراجع معدل النمو وتردي القيمة الشرائية للعملة الوطنية، وبمنع السلطة من الجباية الاستبدادية يصبح اتخاذ القرار ملزم بحماية ورعاية وتنمية كل أطراف المجتمع، وكل ما عدا ذلك من آراء تتعلق بمسألة الرقابة وتفعيلها هي إضاعة للوقت والجهد والمال ولن تصل الى أي نتيجة سوى عرقلة الانتاج بالبيرقراطية الإدارية.
من جهته رأى الاستاذ علي زغيب انه يمكن التفريق بين المركزية واللامركزية على الشكل الآتي وتفسيرها حسب مقتضيات الساحة العلمية والسياسية العامة وليس الخاصة، وقال زغيب اللامركزية بمعناها الأوسع والدقيق هي تنظيم إداري يعتبر واحدا من أهم مبادئ وأساسيات وأولويات النظام الأكثري الذي يقوم عبره النظام الديمقراطي وهي تعتبر نقيض المركزية ومن أعدائها اللدودين، وتعتبر اللامركزية عملية توزيع المهام والوظائف وتسيير أعمال السلطات وإدارتها وكذلك الأمر بالنسبة إلى الأشخاص والأشياء بطريقة الأكثرية وليس الفئوية وتكون بعيدة كل البعد عن موقع مركزي أو سلطة، عكس ما يعتري مفهوم المركزية كنظام فئوي بحت تقوم بنيته ومقوماته على أساس نظام فئوي مصلحي وحسب أسلوب إداري يؤدي ذلك المعنى إلى تجميع وتقويد وتكبيل كافة السلطات والمؤسسات العامة ومرافقها الحيوية بيد ثلة محدودة من الأفراد ضمن نطاق و أراضي الوطن الواحد، وبالعودة إلى المعنيين الإثنين يمكن ربط المدينة بل الحضر أو بل القرى وأطرافها بنظام اللامركزية الإدارية وهي تعني بإقامة مؤسسات ودوائر حكومية وإدارات لامركزية على بقعة وأرضية القرى بهدف التقليل من الأعباء والمشقة والإرهاق الذي يتكبله المواطن القروي من أجل إنجاز أي معاملة أو ورقة إدارية فيتحمل عذاب قطع مسافات طويلة لكي يصل إلى دوائر المدينة من أجل إتمام ما بدأ وبهدف التقليل مما سبق وذكرناه وبهدف توفير الوقت وعدم إستنزافه تم إنشاء دوائر مؤسساتية حكومية من أهل هذه القرى وسكانها وذلك ما قلل وأبعد شبح التخلف والرجعية الإدارية إذا صح التعبير فبذلك تطورت ولو بذرة صغيرة من التحديث الإداري وهذا كله أوردته حسب ما جاء في كتاب كان قد مر علي أثناء دراستي لإختصاص العلوم السياسية والإدارية في الجامعة وهو تحت عنوان النظام الإداري في لبنان والتحديث الإداري، وحسب العلم والعلم لله كله جل وعلا أن المركزية المفرطة ونسيان القرى والريف من كل تقديم وخدمة من قبل الدولة أوصلنا إلى مبدأ وعبارة المركزية القاتلة وهي تركيز كل القدرات وتخصيص الإدارة وأجهزتها فقط في المدن على إعتبارها متحضرة وتناسي ونسيان بل الحد الأقصى القرى وأهلها، فحبذا لو كانت المركزية تسير حسب ما تقتضيه كل مصالح الوطن بكافة أطيافه وليس بتمييز وحصر بين فئة وأخرى وبين تلك الطائفة وأختها فهذا بيت القصيد وهنا تكمن المشكلة الكبرى إن المدن بتطويرها وعلوها وتحدثها لا تقوم إلا بل السوية والعدالة الإدارية والمالية والإجتماعية ضمن نطاق الوطن أجمع، فليس بل البنى والبيوت والعمران والتوزيع المدني يحيا الوطن والمواطن، وهنا تكمن وحدة صراع الأضداد والمتناقضات.
في حين أشار الاستاذ حسن علامة ان الاجابة على هذا التساؤل متشعبة ولا ترتبط بقضية واحدة وانما عدة قضايا محددة ، فما هو ثابت بالوقائع والتجارب الطويلة إن إعتماد المركزية هو إقفال للباب امام اي تنمية مستدامة تطال كل المناطق ، خاصة في الاطراف ، وما فاقم في ازمة إعتماد المركزية نظام التحاصص المذهبي والحزبي والفئوي والمناطقي، مع هذا النظام المتوحش والمتفلت من كل محاسبة وعدالة وتطبيق للقوانين .
ولذلك ، أصبح موضوع إعتماد اللامركزية الادارية شرط لا بديل عنه، لتحريك عجلة العمل الاداري والمالي والتنموي في كل المناطق بالتساوي، كي يتم الحد من الهجرة الواسعة من الارياف الى العاصمة وباقي المدن الاخرى والى كل أصقاع العالم .
لكن إعتماد اللامركزية الادارية يفترض ، بل يجب أن يقترن بأمرين اساسين :

  • اولاً: ان يقترن إعتماد اللامركزية مع إصلاحات جذرية في طبيعة النظام اللبناني ، المركب على قاعدة ٦ و٦ مكرر ، بحيث يصار الى إحداث تعديلات واسعة على طبيعة النظام وفي كل المستويات ، وفي الاساس إنهاء وضرب نظام المحاصصة المذهبية والحزبية ، نظام الصفقات والمحسوببات ، لان إستمرار هذه الصيغة المتخلفة للنظام اللبناني سيحول بنسبة كبيرة دون تطبيق حقيقي وعادل لمسألة اللامركزية الادارية .
    -ثانياً: أن يضمن إعتماد هذه الالية ، تشريع قوانين محددة تمنع لجؤ البعض لمحاولة تحويل اللامركزية الادارية الى تقسيم سياسي – مذهبي للمناطق اللبنانية ، على غرار ماينادي به بعض الاصوات المشبوهة بإعتماد الفيدرالية ، وبمعنى أدق تقسيم لبنان .
    وعليه نخلص الى ان الحل يفترض تضافر الجهود بين كل مكونات الوطن ، والقيام بعملية اصلاح وتطوير للمفاهيم الإدارية والقوانين التي ترعى عمل الادارة كي نصل الى نتائج تساهم في تطوير البلاد وتؤمن التنمية المتوازنة و المستدامة .

ااا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى