مقالات

مضمون الحوار الغني الذي اجراه موقع الوقت الإخباري مع الدكتور حسن أحمد حسن باحث سوري متخصص بالجيوبولتيك والدراسات الاستراتيجية عن التهديدات والاعتداءات في الشمال السوري وكذلك ما يسمى بالمنطقه الآمنه.الوقت – حذرت سوريا بشدة من خطورة الموقف الأخير للسلطات التركية بشأن ما تسمى المنطقة الآمنة في شمال سوريا. واتخذ الموقف السوري وزير الخارجية فيصل المقداد خلال اجتماعه مع المبعوث الدولي للأمم المتحدة غير بيدرسون. وجرى خلال الاجتماع بحث القضايا ذات الاهتمام المشترك وجهود الحكومة السورية لدعم الاستقرار، ولا سيما من خلال تطوير عملية المصالحة الوطنية في مختلف أنحاء سوريا.

وفي هذا الصدد أجرت مراسلة موقع الوقت الإخباري التحليلي مقابلة مع الباحث السوري والمتخصص بالجيوبوليتيك والدراسات الاستراتيجية الدكتور “حسن أحمد حسن”، وفيما يلي نص المقابلة:





الوقت: ما هو الهدف من هذا المخطط التركي؟ وما هو السياق الدولي لهذه القضية؟

حسن أحمد حسن- يدرك المتابع المهتم بتطور الأحداث وتداعياتها في هذه المنطقة الجيوستراتيجية من العالم أن السياسة التركية منذ وصول أردوغان إلى السلطة اتخذت منحى خاصاً بها يستند إلى تزوير الوقائع وتشويه الحقائق، فضلاً عن التأرجح المستمر بين المتناقضات حسب الظروف الخاصة بكل حالة وموقف، ولا أحد يستطيع نكران القدرة الفائقة على استغلال أي فرصة تسنح، وركوب الموجة دون الالتفات إلى الوراء، فهواية التمثيل، وإتقان تسويق الذات بما يتطلبه كل فصل من فصول مسرحية طاب لأردوغان لعب دور البطل فيها، إلى درجة تحولت فيها تركيا من صفر مشاكل مع دول الجوار إلى صفر أصدقاء، ولعل هذه هي البصمة الذاتية التي وسم بها أردوغان سياسة بلاده، وإذا أردنا فهم حقيقة السقف المرتفع للعدائية الأردوغانية ضد سورية فإن ذلك يتطلب التوقف عند أكثر من نقطة مهمة لا يمكن إغفالها، ولا تجاوزها لتكوين صورة واضحة عن أهداف أردوغان الكامنة وراء مثل هذا التصعيد الخطير، ومنها:

تركيا التي كانت ترتبط بعلاقات مميزة مع سورية منذ مطلع الألفية الجديدة أثبت بسياستها الأطلسية أنها رأس الحربة الأكثر سميَّة في الحرب المفروضة على سورية، منذ آذار 2011 حتى الآن.
تركيا عضو فاعل في حلف الناتو، ولها ماضٍ استعماري مقيت، ووصول أردوغان إلى سدة الحكم لم يكن بالصدفة، بل خطوة مسبقة لضمان تحكم الأخوان المسلمين بشؤون البلاد والعباد في هذه المنطقة الجيوستراتيجية من العالم تحت ستار الدين بغض النظر عن اتساع أو ضيق هامش حرية التحرك الممنوحة لهم لتنفيذ هذه المهمة في هذه الدولة أو تلك.
تركيا دولة إقليمية صاعدة وفاعلة، ورئيسها مهووس باستعادة أمجاد أجداده العثمانيين، عبر تفعيل الدور التركي إقليميا ودولياً بما ينسجم والأطماع المسيطرة على تفكير أردوغان وقناعاته لاسترجاع نفوذ الإمبراطورية العثمانية البائدة.
ـ أردوغان ماهر في الرقص على الحبال المتشابكة والمتناقضة، إلى درجة يبدو وكأنه حاجة وضرورة لكل من : أمريكا ـ روسيا ـ الناتو ـ “إسرائيل” وغيرها.
ـ استغلال العامل القومي”العنصر التركماني” عندما يتعذر استغلال العامل المذهبي بشكل مباشر، أي الخلفية الدينية الخاصة بالإخوان المسلمين، على الرغم من الإخفاق المدوي لهذه التجربة في كل من تونس ومصر.
ـ تكامل الدور التركي كرأس حربة للناتو مع الدور الإسرائيلي كقاعدة متقدمة للغرب الأطلسي في منطقة جيواستراتيجية وفاعلة في موازين القوى الشاملة لجميع الأطراف المؤثرة في مفاصل صنع القرار الدولي حتى الآن.
ـ الانحياز لجهة أوكرانيا ضد روسيا، وإن كان بصورة أقل حدة من غيرها انطلاقاً من متطلبات استمرار الرقص على الحبال المشدودة والمتناقضة.
إعادة طرح موضوع حاول أردوغان جاهدا في عام 2019 فرضه، وأخفق في ذلك، وهو يتعلق بإقامة منطقة عازلة بعمق 30 كم على امتداد الحدود السورية ـ التركية، والإعلان رسمياً عن التوجه عملياً لفرض هذا الواقع، وما تم تسريبه من أخبار أن واشنطن غير راضية عن ذلك يعني الحصول الرسمي على موافقة واشنطن ومباركتها، بل محاولة إظهار أردوغان بمظهر البطل القومي القادر على شق عصا الطاعة الأمريكية، وهذا يعني على بقية الأطراف مراعاة هذه الميزة الفريدة المتوهمة لدى أردوغان.
الإعلان عن تحفظ تركيا على قبول انضمام السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسي، يضمن ضرب عدة عصافير بحجر واحد، فالأمر لا يقتصر على ابتزاز الدولتين لتغيير مواقفهما تجاه المكون الكردي، بل يتجاوز ذلك إلى تحقيق أكبر مردود من استغلال الظرف على حساب جميع الأطراف دونما استثناء:
أ ـ إيصال رسالة إلى روسيا مفادها بأن أردوغان حريص على مراعاة مصالحها، ويشاطرها الرأي والموقف بأن توسع الناتو شرقا لن يخدم الأمن والاستقرار في أوربا، وهذا يمنحه وقتاً إضافياً للاستمرار بإعادة التموضع مرة مع الروس، وأخرى مع الأمريكيين.

ب ـ ضمان صمت الروس على التدخل الاحتلالي الأردوغاني لأراض سورية مقابل رفض السماح بانضمام السويد وفنلندا للحلف، وإذا رفض الروس مثل هذه المساومة يمكنه بسهولة الغمز للأمريكيين بأنه سيوافق على الانضمام شريطة كذا وكذا..

ج ـ منح وقت إضافي لواشنطن والحلف الأطلسي للبحث عن إمكانية تدوير الزوايا مع الروس فيمَ يتعلق بموضوع أوكرانيا.

د ـ تصدير التحديات الداخلية التي يواجهها أردوغان سياسياً واقتصادياً واجتماعياً إلى الخارج، وإعادة شد المجتمع التركي بسبب التداعيات التي قد تترتب على مثل هذا التدخل العدواني الاحتلالي المرفوض، فضلاً عن استعادة ما أمكن من شعبية متدنية بتسارعات لا أحد يستطيع التنبؤ بمآلها النهائي عشية الانتخابات التركية في العام القادم.

الدليل على صحة هذه القراءة واضح في البيان الصادر عن مجلس الأمن القومي التركي الذي أشار بشكل صريح إلى جميع هذه العناوين، والأنكى من هذا وذاك أن البيان المذكور يدعي بأن الغاية من فرض المنطقة العازلة هي محاربة الإرهاب، متناسياً أن الاحتلال العسكري المباشر لأراضي الآخرين وسرقة خيراتهم وثرواتهم، ومحاولة تغيير التركيبة الديموغرافية للسكان قسراً هي أعلى أشكال الإرهاب وأخطرها.
من كل ما تقدم يتضح أن أردوغان استغل الاشتباك الروسي الأطلسي على الجغرافيا الأوكرانية وأراد أن يجرب حظه مرة ثانية بإقامة ما أسماها المنطقة العازلة بذريعة تحصين ” الأمن القومي التركي” وكأن رفع مثل هذا المصطلح يبيح لأردوغان تهديد الأمن القومي لدول أخرى مستقلة وذات سيادة.

الوقت: كيف تريد سورية التعامل مع هذا الموضوع؟

حسن أحمد حسن – الموقف الرسمي للدولة السورية تم الإعلان عنه بموجب رسالة رسمية أرسلتها وزارة الخارجية السورية إلى الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن مؤكدة رفضها المطلق لتصريحات رئيس النظام التركي حول إنشاء منطقة آمنة، وطالبت الدول التي زجت بنفسها في تمويل هذه المشاريع الإجرامية بالتوقف فوراً عن دعم هذا النظام لتحقيق أوهامه الشيطانية، مشددة على أنها ستواجه هذه المؤامرة بمختلف الوسائل المشروعة، فبعد تلك التصريحات الرخيصة تتكشف الألاعيب العدوانية التي يرسمها نظام أردوغان ضد سورية ووحدة أرضها وشعبها، وأوضحت الوزارة أن الهدف الأساسي هو استعماري، وإنشاء بؤرة متفجرة تسمى المنطقة الآمنة المزعومة، وتساعد بشكل أساسي على تنفيذ المخططات الإرهابية الموجهة ضد الشعب السوري، فالنظام التركي كان وما زال جزءاً من تفجير الأزمة في سورية واستمرارها، من خلال تآمره وانخراطه بمشروع تفتيتي تقسيمي لا يخدم إلا أغراض “إسرائيل” والولايات المتحدة والغرب، وشددت الوزارة على أن المنطقة الآمنة المزعومة هي في حقيقتها تطهير عرقي ونقل للسكان وتهديد لحياتهم ومستقبلهم وممتلكاتهم وهي تهدد بتفجير دائم للأوضاع بين البلدين المتجاورين، وبكل تأكيد ستواجه الدولة السورية هذه المؤامرة بمختلف الوسائل المشروعة دفاعاً عن شعبها ووحدة أرضها، ولا شك أن الدولة التي صمدت أكثر من أحد عشر عاماً في مواجهة جيوش وجحافل من الإرهاب التكفيري المسلح والمدعوم من دول كثيرة، واستطاعت بحكمة قائدها، وبطولات جيشها، وصبر شعبها، ووفاء أصدقائها وحلفائها أن تطهر مساحات جغرافية كبيرة من رجس الإرهاب التكفيري المسلح ورعاته وبناته، وسورية اليوم أكثر قدرة وأشد تصميماً على التعامل مع هذا الفصل الجديد من فصول التصعيد العدواني الاحتلالي التركي الخطير.

الوقت: إلى أي مدى یمکن لخطة الحكومة السورية المبنية على العفو العام أن تحبط المؤامرة التركية؟

حسن أحمد حسن – الدولة السورية تدرك أن ما تعرضت له على امتداد أحد عشر عاماً هو أقرب إلى الحرب الكونية، ومنذ الأيام الأولى تعاملت القيادة السورية بكل مسؤولية وحرص على مواطنيها، وتم إصدار العديد من مراسيم العفو لمنع الانزلاق نحو الهاوية التي كان يتمناها أعداء الشعب السوري، ولا شك أن المرسوم الأخير للعفو العام الذي أصدره السيد الرئيس بشار الأسد هو الأشمل والأهم، فالأعداد التي يمكن أن تستفيد منه كبيرة ومنتشرة في شتى المحافظات السورية، وليس فقط في المناطق الشمالية والشمالية الشرقية التي يسعى أردوغان لغزوها وتحويلها إلى ما أسماه مناطق آمنة، والمتابع لتعامل الدولة السورية مع من فقد من السوريين بوصلة التوجه الوطني يدرك مدة حرص السيد الرئيس شخصياً على الجميع، وأهمية الاستفادة من جهود الجميع وإمكانياتهم في إعادة إعمار ما دمرته الحرب، انطلاقاً من أن الدولة لا تتعامل مع مواطنيها من منطلق الانتقام، بل من منطلق الأم الحريصة على إعادة من يضل من أبنائها إلى جادة الصواب، وقد أثبتت هذه الخطة الحكومية جدواها، وتركت آثارها المباشرة بوضوح في جميع المناطق التي تم تطهيرها وإعادتها إلى حضن الوطن، والأعداد التي استفادت من مراسيم العفو وعادت إلى حياتها اليومية كبيرة، وجميع المؤشرات تدل على أن مرسوم العفو الأخير سيساهم بشكل كبير في قطع الطريق على أردوغان ومرتزقته من عصابات قتل وتدمير وترويع، وهذا بدوره يعني عودة الأعداد الكبيرة من مختلف المناطق لمزاولة أعمالهم وحياتهم اليومية الطبيعية، الأمر الذي يثمر زيادة نوعية في أوراق القوة المتراكمة بيد الدولة السورية، وتمكينها من مواصلة تحرير ما تبقى من أراضيها المحتلة من قبل الأمريكي أو التركي أو الإسرائيلي أو أي مسمى آخر من مسميات التنظيمات الإرهابية التكفيرية المسلحة المنضوية تحت جناح هذا المحتل أو ذاك، وواهمٌ من يظن أن السوريين قيادة وجيشاً وشعباً يمكن أن يفرطوا بشبر واحد من ثراهم الطاهر مهما بلغت التضحيات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى